لم يسلم الدولار من حمّى الملفّ القضائي للأخوين سلامة، إذ يبدو أنّ الحاكم رياض سلامة قرّر أخذ البلد في الأيام الماضية رهينة، ثمّ اختار أن تكون قيمة هذه الفدية: إطلاق سراح أخيه رجا.
لكنّ ما أراده الحاكم لم يتحقّق، إذ أصدر القاضي نقولا منصور مذكّرة توقيف بحقّ رجا سلامة وحدّد للحاكم موعد استجواب ليس ببعيد.
وسط هذه المعمعة والتخبّط كلّه، كان سلامة يراهن على رفع سعر الدولار للضغط على القضاء والسلطة السياسية على السواء، فأوقف العمل بالسقف المفتوح للتعميم 161 عبر منصة صيرفة، وقرّر تقنين الدولارات التي يمدّ بها السوق، وهذا ما أدّى إلى ارتفاع الدولار في غضون الأيام الفائتة وصولاً إلى ما فوق 25 ألفاً، ثمّ انخفض الجمعة إلى نحو 24 ألف ليرة لبنانية… وعاد إلى محيط 23 ألفاً يوم السبت.
أكّد مصدر مصرفي لـ”أساس” أنّ مصارف كثيرة أوقفت قبل العطلة العمل بالتعميم 161 (منها بنك بيبلوس وبنك البحر المتوسط)، وذلك نتيجة تراجع مصرف لبنان عن آليّة العمل المتّبعة
مرّت عطلة عيد البشارة وعطلة نهاية الأسبوع، لذلك ستبقى الأمور معلّقة إلى مطلع الأسبوع المقبل حتى يُعرف ما سيحمله “الويك إند” من مشاورات وبازارات بين أركان السلطة. فيما تقول المعلومات إنّ العمل بالتعميم 161 سيبقى معمولاً به حتّى نهاية الشهر الحالي، أيّ أنّ الدولار ربّما سيستمرّ بالتحليق حتى بتّ هذا الملفّ.
أكّد مصدر مصرفي لـ”أساس” أنّ مصارف كثيرة أوقفت قبل العطلة العمل بالتعميم 161 (منها بنك بيبلوس وبنك البحر المتوسط)، وذلك نتيجة تراجع مصرف لبنان عن آليّة العمل المتّبعة. وكشف المصدر أيضاً أنّ بعض هذه المصارف خيّرت عملاءها بين الذهاب إلى “السوق السوداء” لشراء الدولارات وبين الحصول على دولارات “صيرفة” بشكل لاحق ومقسّط على 3 دفعات، لأنّ “المركزي” يدفع دولارات “صيرفة” بهذه الطريقة، في حين أنّ ما تبقّى من المصارف اختارت الامتناع عن تسلّم الليرات اللبنانية من عملائها، خوفاً من عدم قدرتها على الإيفاء بسبب تلكّؤ مصرف لبنان.
هكذا سنكون اعتباراً من اليوم على موعد مع البرلمان اللبناني الذي سيعقد جلسة مشاورات للّجان المشتركة، ثمّ جلسة عامّة غداً الثلاثاء يحتمل أن يمرّ خلالها قانون “الكابيتال كونترول” بالتصويت. وعليه، فإنّ أيام هذا الأسبوع ستكون حُبلى بالاستحقاقات: “الكابيتال كونترول”، ملف الأخوين سلامة، مصير التعميم 161 الذي ينتهي مفعوله نهاية الشهر، وانطلاق المباحثات مع صندوق النقد حول خطّة التعافي.
مصدر مصرفي لـ”أساس”: بعض المصارف خيّرت عملاءها بين الذهاب إلى “السوق السوداء” لشراء الدولارات وبين الحصول على دولارات “صيرفة” بشكل لاحق ومقسّط على 3 دفعات
رأي صندوق النقد الدولي
كشفت المعلومات أنّ هذه الخطة ستخضع لمعاينة وفد الصندوق، ويُؤمل أن تصل المباحثات في غضون أسبوعين إلى اتفاق مبدئي أو Staff level agreement، وعليه يرفع فريق الصندوق تقريره إلى إدارته، التي سترفع بدورها خلاصة المباحثات إلى المجلس التنفيذي في واشنطن، وهو الجهة المخوّلة اتّخاذ قرار نهائي. وتفيد المعلومات أنّ الصندوق لن يدفع أيّ دولار قبل البدء بإجراءات الإصلاح التي ستشمل مبدئياً 3 عناوين هي:
1- إقرار وتنفيذ قانون “الكابيتال كونترول”.
2- البحث في رفع السرّية المصرفية أو ربّما تعديل قانونها.
3- تصحيح وضع القطاع المصرفي أو ما يُعرف اصطلاحاً في اللغة المصرفية بالـBank resolutions، وتعني “إعادة هيكلة المصرف من خلال سلطة القرار، وذلك من أجل حماية المصالح العامة واستمرارية الوظائف الحيوية للمصرف، مع مراعاة الاستقرار المالي، والحدّ الأدنى من التكاليف لدافعي الضرائب”.
لعلّ هذه النقاط تفسّر تهافت السلطة على تمرير مسوّدة قانون “الكابيتال كونترول” التي وُزّعت الخميس ويُنتظر إقرارها الثلاثاء. تقول مصادر “أساس” إنّ الخطة، التي وضعتها الحكومة وتتمسّك بها ولا تُسرّبها لأيّ جهة خوفاً من إسقاطها إعلامياً، “عالية السقف”، وتطمح إلى انتزاع موافقة من الصندوق على مواضيع عدّة، من بينها رفع سعر الصرف الرسمي من 1500 ليرة إلى 20 ألفاً، وهذا كان محطّ استغراب العديد ممّن تسنّى لهم الاطّلاع على الخطة ومناقشتها مع نائب رئيس مجلس الوزراء سعادة الشامي منتصف الأسبوع الفائت، وذلك لأنّها سترتدّ كارثة على المواطنين اللبنانيين.
مصير المواطنين والموظفين
إذ لا يمكن مقاربة هذا الرقم من وجهة نظر المودعين الطامحين إلى رفع سعر الصرف، وإنّما من وجهة نظر المواطنين العاديّين الذين يحصلون حتى اللحظة على رواتب بالليرة اللبنانية أو هم عاطلون عن العمل نتيجة انسداد مصادر أرزاقهم… وإلّا تحوّلت الدولة اللبنانية إلى “جمعية للتسوّل والشحادة” (هي كذلك أصلاً).
على الرغم من أنّ المصادر تحسم “مرونة” الصندوق في مقاربة الملف اللبناني (يبدو أشدّ رحمة من السلطة على اللبنانيين)، إلّا أنّ المصادر تؤكّد أنّ “الحوكمة” (Governance) المطلوبة من أجل نجاح المفاوضات مع الصندوق “أمر صعب في ظلّ السلطة الحالية”، وأنّ عجز هذه السلطة عن تنفيذ أيّ تعهّد تقطعه على نفسها أمام الصندوق “أمر محسوم”، خصوصاً بعد وصول المجتمع الدولي إلى حقيقة لا لبس فيها تقول إنّ “التغيير لن يحصل من خلال الانتخابات المنتظرة”.
إقرأ أيضاً: “لجنة خارقة” تنتحل صفة “الكابيتال كونترول”
لهذا بدأ المجتمع الدولي كلّه التركيز على مرحلة “ما بعد العهد”، أو على وجه التحديد، مرحلة ما بعد الثنائي “عون – سلامة” الذي أصبح صندوق النقد الدولي مقتنعاً بشكل نهائي وقاطع، بحسب المصادر، بأنّ الوصول إلى برنامج يحظى بموافقته لن يحصل فيما رياض سلامة على رأس حاكميّة مصرف لبنان… وفي ظلّ الرئيس ميشال عون.
تُسأل المصادر إيّاها عن خليفة عون الوزير جبران باسيل، وعن احتمال وصوله إلى قصر بعبدا بواسطة الأغلبية النيابية لـ”الثنائي الشيعي”، وعن وصوله الذي سيكون حكماً بمنزلة امتداد لعون أو فصلاً آخر من فصول “العهد القوي”، فتهزأ المصادر من هذه المقاربة، وتردّ بكلمة واحدة واثقة وحاسمة: مستحيل!