الولايات المتّحدة اللبنانيّة!

مدة القراءة 3 د

هذا عنوان صادم لمضمون مستفزّ، لكنّه الواقع اللبناني. فمَن يتابع زيارة وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان لبيروت يشعر وكأنّه أمام الولايات المتحدة اللبنانية!

التقى الوزير عبداللهيان في لبنان رئيس الوزراء السيد نجيب ميقاتي، ورئيس البرلمان السيد نبيه برّي، وحسن نصر الله زعيم حزب الله الإرهابي، والتقى أيضاً قادة الفصائل الفلسطينية وشخصيات سياسية وثقافية وحزبية وإعلامية.

حسناً، ما هي تفاصيل الزيارة وأهمّ التصريحات؟

بحسب ما نقلته وكالة “فارس” الإيرانية فإنّ عبد اللهيان أعلن استعداد بلاده “مساعدة لبنان في مجال الخدمات الطبية والطاقة والمنتجات الصناعية والخدمات التقنية الكهربائية والهندسية”.

صورة سوريالية شديدة السخرية لانفصالها عن الواقع، حيث يتصرّف البعض وكأنّ ما أمامنا هي الولايات المتحدة اللبنانية، وليس لبنان

وشرح عبداللهيان للحضور “المحاور المهمّة للسياسة الخارجية الإيرانية، ونظرتها إلى الأوضاع الجارية بالمنطقة، وأوضاع أفغانستان واليمن وفلسطين ومحور المقاومة، وحرب أوكرانيا، والمفاوضات في فيينا، والمحادثات الإيرانية السعودية”.

ولم يرشح عن لقاء عبداللهيان ونصرالله سوى أنّهما أجريا “مباحثات حول الأوضاع الراهنة في لبنان وتطوّرات المنطقة”. وبالطبع ليس هذا مهمّاً لأنّ العلاقة الإيرانية بالحزب لا تخضع للخارجية، بل لمكتب المرشد الإيراني، وبالتالي للحرس الثوري.

والسؤال هنا هو عن كيفيّة انتقال الوزير إلى مقرّ اللقاء مع نصر الله؟ هل تنقّل الوزير في عدّة سيارات وسراديب؟ وهل تمّت تغطية عينيه أم كان يتنقّل داخل سيارات مظلّلة أم نصر الله نفسه ذهب إلى السفارة الإيرانية؟

والأكثر طرافة هي التصريحات التي صدرت عن السيد برّي، حيث نقلت وكالة “فارس” ما نصّه: “انتقد برّي قيام بعض الدول العربية بتطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني”، وأنّه يعتبر “إيران الينبوع الرئيسي للمقاومة بالمنطقة، وملهمة تيارات المقاومة بالعالم”.

وعليه فإنّ الملاحظات هنا هي التالية: يعرض الوزير الإيراني على لبنان المساعدة لإنقاذ ما تسبّبت به إيران من خراب للبنان، فيما تئنّ إيران نفسها من مشاكل الكهرباء، ونقص الأدوات الأساسية، وتستعين ببكين لحلّ مشاكلها.

وتقول “فارس” إنّ الوزير ناقش مع نصر الله “الأوضاع الراهنة في لبنان”، وقد فعل ذلك في سراديب، وفي لقاء قادة الفصائل الفلسطينية. ويقول له السيّد برّي إنّ إيران الينبوع الرئيسي للمقاومة، وطهران تفاوض واشنطن والغرب توسّلاً لرفع العقوبات عنها، ولبنان يريد إنجاز ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل من أجل صفقة النفط.

يعتبر السيد برّي إيران ملهمة “المقاومة” بالعالم، فيما العراقيون، وتحديداً شيعته، ينتفضون ضدّ إيران التي يعتبرها جلّ اللبنانيين والسوريين قوّة احتلال. وينتقد برّي الدول العربية التي تطبّع مع إسرائيل، في الأسبوع الذي زار فيه بشار الأسد الإمارات، وأمام الوزير الإيراني القادم إلى بيروت من دمشق بعد لقاء الأسد!

والطريف أنّ نصرالله “المقاومة” يحكي سياسة، وبرّي البرلمان يحكي مقاومة! والأكثر طرافة أنّ الرئيس ميشال عون يقول لصحيفة إيطالية إنّه ليس لحزب الله تأثير على الواقع الأمنيّ بلبنان.

إقرأ أيضاً: نصر الله.. سلاح الحزب مقابل سلاح الجيش؟

صورة سوريالية شديدة السخرية لانفصالها عن الواقع، حيث يتصرّف البعض وكأنّ ما أمامنا هي الولايات المتحدة اللبنانية، وليس لبنان الذي يعاني نقصاً بالإبر وشحّاً بالسيولة، وعلى مشارف الانهيار التام.

مواضيع ذات صلة

قمّة الرّياض: القضيّة الفلسطينيّة تخلع ثوبها الإيرانيّ

 تستخدم السعودية قدراً غير مسبوق من أوراق الثقل الدولي لفرض “إقامة الدولة الفلسطينية” عنواناً لا يمكن تجاوزه من قبل الإدارة الأميركية المقبلة، حتى قبل أن…

نهج سليم عياش المُفترض التّخلّص منه!

من جريمة اغتيال رفيق الحريري في 2005 إلى جريمة ربط مصير لبنان بحرب غزّة في 2023، لم يكن سليم عياش سوى رمز من رموز كثيرة…

لبنان بين ولاية الفقيه وولاية النّبيه

فضّل “الحزب” وحدة ساحات “ولاية الفقيه”، على وحدانية الشراكة اللبنانية الوطنية. ذهب إلى غزة عبر إسناد متهوّر، فأعلن الكيان الإسرائيلي ضدّه حرباً كاملة الأوصاف. إنّه…

الأكراد في الشّرق الأوسط: “المايسترو” بهشلي برعاية إردوغان (1/2)

قال “أبو القومية التركية” المفكّر ضياء غوك ألب في عام 1920 إنّ التركي الذي لا يحبّ الأكراد ليس تركيّاً، وإنّ الكردي الذي لا يحبّ الأتراك…