حتى الساعة لم تتوحّد قوى المجتمع المدني انتخابياً، خلافاً لِما كانت عليه في أيامها الأولى:
1- أعلن شربل نحاس ترشيحات “مواطنون ومواطنات” منفرداً على مستوى لبنان، ولم يأخذ في الاعتبار القوى الأخرى، ولم ينسّق معها، وتسبّب بخلافات مع كلّ الأطراف.
2- “بيروت مدينتي” اختلفت مع النائبة المستقيلة بولا يعقوبيان ووزّعت مرشّحين في أكثر من منطقة تحت عنوان “مدينتي”، ويحاول سعاة الخير تسوية خلافاتها مع يعقوبيان.
3- تحالفت “كلّنا إرادة” مع حزب الكتائب والنائب المستقيل ميشال معوّض، الأمر الذي تسبّب بعزلها من جانب المجتمع المدني الذي اعتبر أنّها حركة تساوم الأحزاب. وها هو ميشال حلو الذي رشّحته “كلّنا إرادة” يواجه في بعبدا منافسة فعليّة من العميد خليل الحلو.
تعاني قوى “التغيير” أزمة هويّة، فهي لا تعرف كيف تعبّر عن نفسها: “مجتمع مدني” أو “قوى ثورة” أو “قوى تغيير” أو “معارضة” أو “حركة 17 تشرين” أو خلاف ذلك
4- “نحو الوطن” لم تجد حليفاً لها.
5- الشيوعيون مختلفون حتّى مع شربل نحاس وشكّلوا لوائح وحدهم.
6- مارك ضو الذي كان عنوان الثورة في الشوف يحاول التحالف مع الكتائب الذي لم يتجاوب معه بعد.
7- في المناطق الشيعية هناك “جنوبنا” و”بقاعنا”، وفي البقاع الغربي “سهلنا والجبل”، وتُبذل المساعي لعمل مشترك بينهم لم يكتمل بعد.
تقف هذه الخلافات وغيرها دون توحيد قوى التغيير في كتلة تخوض المعركة الانتخابية مجتمعةً. وفي حين تسعى منصّتا “نحو الوطن” و”كلّنا إرادة” إلى توحيد جهودهما في سبيل تشكيل لوائح موحّدة للمعارضة، فإنّ الاتفاق فرضه تراجع تمويل الجهتين بسبب الخلافات التي تسود “قوى التغيير” وتحول دون توحّدها. وهي ليست المرّة الأولى التي تسعى المنصّتان إلى الاتفاق وتفشلان. اختلفتا على المسؤوليّات فيما بينهما، ثمّ على التحالفات. واحدة لا ترى مانعاً من التحالف مع رموز كانت تشكّل جزءاً من السلطة قبل أن تتحوّل إلى معارضة، وأخرى ترى أنّ التحالف يجب أن ينحصر بقوى التغيير على قاعدة “كلّن يعني كلّن”.
لكنّ الاتفاق على خوض المعركة لا يضمن وحده تحقيق النجاح مع تعدّد المرشّحين في صفوف المعارضة ورفض البعض سحب ترشيحاتهم لمصلحة آخرين، والأهمّ هو فشل المعارضة في تركيب لوائح كاملة أو حتى 40 في المئة من اللائحة، طبقاً للقانون.
أزمة كبيرة
هكذا تعاني قوى “التغيير” أزمة هويّة، فهي لا تعرف كيف تعبّر عن نفسها: “مجتمع مدني” أو “قوى ثورة” أو “قوى تغيير” أو “معارضة” أو “حركة 17 تشرين” أو خلاف ذلك. تختلف هذه القوى على الهويّة وتسمّي نفسها بمصطلحات يختلف كلٌّ منها عن الآخر، وتسودها الخلافات على مسلّمات أساسية، أبرزها:
1- خلاف أيديولوجي سياسي بين مَن هم مع المقاومة ومَن هم ضدّها، ومَن هم مع سلاح حزب الله ومَن هم ضدّه.
معارضة الجنوب مثلاً لا تتماهى مع شعارات المعارضات الأخرى، ولا يرى بعضها أنّ المشكلة في سلاح حزب الله واستمرار مقاومته. قوى اليسار الشيوعي يرعبها أيّ خطاب ضدّ المقاومة، ويُحرجها أن تكون على لائحة واحدة مع مطلقيه أو التعاون معهم.
2- خلاف أيديولوجي على مفهوم العلمنة: علمنة شاملة أو لا علمنة، أو إلغاء الطائفية السياسية. لا صيغة واضحة بعد.سلا
3- هناك انقسام حول الموضوع الاقتصادي: بين مَن هم ضدّ المصارف ومَن هم معها، وبين نظام اقتصادي ليبرالي واقتصاد موجّه، وبين تدخّل الدولة أو عدمه.
لا تلتقي قوى المعارضة مثلاً مع طروحات المرشّح شربل نحاس، ولا تتبنّاها، فيما يجب أن يخوضوا بوصفهم قوى تغيير المعركة معاً ضدّ النظام الحالي. يقول بعضهم إنّه لا يقبل التعامل إلا مع قوى انبثقت عن حراك 17 تشرين، ويرفضون التحالف مع قوى أخرى يسارية أو أحزاب وقوى سياسية خرجت من السلطة لتقدّم نفسها على أنّها قوى تغيير، مثل الكتائب وميشال معوّض ونعمة افرام. الخلاف عميق مع شربل نحاس الذي يقول: “نلتزم بمَن يلتزم برنامجنا”، لكنّ برنامجه لا يشبه برامج الآخرين.
هناك تعدّد الجبهات بين القوى المعارضة، وتعدّد الترشيحات، هذا فضلاً عن الخلافات الشخصية والطموحات والأنانيّات الذاتية للأعضاء والمرشّحين الفعليّين
4- هناك تعدّد الجبهات بين القوى المعارضة، وتعدّد الترشيحات، هذا فضلاً عن الخلافات الشخصية والطموحات والأنانيّات الذاتية للأعضاء والمرشّحين الفعليّين التي ستكون سبباً في تشكيل لوائح عدّة:
– في المتن مثلاً كان يُفترض أن تخوض قوى المعارضة المعركة على لائحة واحدة مع الكتائب، لكنّ بعضهم رفض التحالف مع الكتائب، ثمّ برزت حركة “مواطنون ومواطنات”، ثمّ “متنيّون قياديّون”، واحتمال أن نصل إلى أربع لوائح.
– في كسروان كانوا اتّفقوا على لائحة واحدة، لكنّ الاتصالات تشير إلى تشكيل لائحة ثانية في مواجهة لائحة نعمة افرام.
– في طرابلس شُكّلت ثلاث لوائح.
– في بيروت الثانية لائحة فؤاد مخزومي، وهناك توجّه لتأليف لائحتين أخريين.
– في بيروت الأولى كان أغلب الظنّ أنّ لائحة النائبة المستقيلة بولا يعقوبيان ستكون الوحيدة قبل أن يدخل شربل نحاس شخصياً أرض المعركة وتتعدّد اللوائح وتتوزّع بين يعقوبيان ونحاس وثالثة لنديم الجميل المتحالف مع أنطون الصحناوي، وعينهم جميعاً على مقعد الأقليّات .
نوعان من الخلافات
يتحدّث أحد المرشّحين في صفوف قوى الثورة عن نوعين من الخلافات: الأوّل شخصي تتقدّم فيه الأنا على أيّ حسابات أخرى، والثاني يتّصل بالتحالفات، حيث يؤيّد قسم تشكيل لوائح بكاملها من قوى التغيير، وآخر براغماتي يعتبر أنّ التحالفات الانتخابية يمكن أن تتبدّل داخل البرلمان.
في الجنوب مثلاً هناك شخصيات راديكالية لا تؤمن بتجزئة الموقف، إذ لا يمكن أن تكون ضدّ حركة أمل وحزب الله وتتحالف مع القوات والكتائب. في الدائرة الثانية (صور – الزهراني) ثمّة خلاف على إمكان اعتبار المرشّحة بشرى الخليل معارضة فيما هي مقرّبة من حزب الله، والأمر نفسه بنسبة أقل بكثير ينطبق على رياض الأسعد.
إقرأ أيضاً: المعارضة تستعدّ للانتخابات: سباقٌ بين الوحدة والفشل
تبقى المفارقة أنّ خطاب الثورة، الذي حضر لدى قوى الثامن من آذار من حيث تعبيره عن هموم الناس وصعوبات حياتهم المالية والمادية، اختفى لدى المرشّحين الثوار الذين يوازي عددهم نحو 500 مرشّح لا تجمع بينهم رؤية أو برنامج بل شعارات حتّى، الأمر الذي يجعل إمكانية توافقهم مستبعدة مع كونها شرطاً أساسياً لتوافر التمويل الذي شكّل غيابه مصيبة جمعت بين “كلّنا إرادة” و”نحو الوطن”.