بايدن وبوتين: حافّة الهاوية.. التي “زحلت”

مدة القراءة 4 د

دقّت الحرب في أوكرانيا ناقوس الخطر مهدّدةً السلام العالمي ثلاث مرّات حتى الآن:

المرّة الأولى عندما أصابت إحدى القذائف الروسية المفاعل النووي الأوكراني، لكن من حسن حظّ الإنسانية أنّ المفاعل ذاته لم يُصَب. ولعلّ كارثة انفجار المفاعل النووي في تشيرنوبيل والآثار التدميرية الخطيرة التي أسفرت عن ذلك الانفجار داخل أوكرانيا وخارجها لا تزال حتى اليوم تثير القلق والخوف والهلع.

المرّة الثانية عندما اتّهمت روسيا السلطات الأوكرانية بأنّها تجري تجارب على السلاح الجرثومي والكيميائي سرّاً لحساب الولايات المتحدة. وهي التهمة التي خصّص مجلس الأمن الدولي جلسة لدراسة مدى صحّتها. وسواء كانت التهمة صحيحة أو غير صحيحة، فإنّها تحمل في طيّاتها مشاعر الخوف من إمكانية استخدام هذا السلاح. وهي المشاعر التي تقود إلى التحفّز للردّ بالمثل.

المرّة الثالثة عندما اكتشف العالم أنّ أمنه الغذائي مهدّد بالانهيار، ليس فقط بسبب توقّف صادرات القمح والحبوب والزيوت من أوكرانيا، بل أيضاً بسبب تعثّر إمدادات النفط والغاز من روسيا.

بوتين وبايدن، مارسا سياسة “حافّة الهاوية”، ولا يزالان. كلٌّ منهما يعتقد أنّ تشدّده سوف يلوي ذراع الآخر

منذ الحرب العالمية الثانية لم يعانِ الأوروبيون قلّة الغذاء، ولم يواجهوا برد الشتاء القارس، كما يحدث اليوم. وقد عمّت هذه الظاهرة المأساوية دولاً عديدة في العالم، حيث ارتفعت بسرعة وبنسبة عالية أسعار الموادّ الغذائية والمحروقات، ولبنان نموذج لتلك الدول.

حدث ذلك كلّه والحرب لم تتجاوز الحدود الأوكرانية. ويعود ذلك إلى إدراك دول حلف شمال الأطلسي أنّ التدخّل المباشر في الحرب بين روسيا وأوكرانيا من شأنه أن يشعل شرارة الحرب العالمية الثالثة. وإذا حدث ذلك فستكون حرباً نووية، لا منتصر فيها ولا منهزم.

تدرك واشنطن وموسكو هذه الحقيقة. لكنّ هذا الإدراك مفتوح على احتمال ارتكاب خطأ في الحسابات السياسية. وتشير التطوّرات المتلاحقة في الحرب إلى أنّ هذا الخطأ لم يعد مستبعداً.

 

احتمالات الكارثة

استنفدت الولايات المتحدة كلّ أسلحة الضغط المعنوي والماليّ والاقتصادي، غير أنّ الاتحاد الروسي لم يغيّر موقفه. واستنفد حلف شمال الأطلسي كلّ أنواع الدعم العسكري غير المباشر لأوكرانيا من دون أن ينجح في تغيير الأمر الواقع الذي فرضه الجيش الروسي باجتياحه أوكرانيا.. فماذا يبقى؟

لقد أثبتت التجارب أنّه عندما تضيق الخيارات، تتّسع احتمالات ارتكاب الخطأ في القرارات السياسية. ويشكّل الرئيس البريطاني الأسبق ونستون تشرشل نموذجاً. فخلال الحرب العالمية الثانية أخطأ في تقدير موقف اليابان ومدى قوّتها العسكرية، ولم يتصوّر أبداً أنّها ستدخل في الحرب. ودفع ثمن هذا الخطأ غالياً جدّاً. وخلال الحرب أيضاً كان يعتقد أنّ جبال إيطاليا المرتفعة تشكّل حاجز أمن ضدّ التقدّم النازي، وأنّ هذه الجبال سوف تجعل من القوات الألمانية لقمة سائغة تلتهمها قوات الحلفاء، وكان ذلك خطأ أيضاً.

لكنّ انتصار الحلفاء بعد قصف اليابان بالسلاح النووي وتدمير البنية التحتية للنازية في ألمانيا، طوى صفحات أخطاء كان يمكن أن يؤدّي تجنّبها إلى تقليل حجم الخسائر وإلى تسريع إنهاء الحرب.

إقرأ أيضاً: غزو أوكرانيا: تركيا بين المطرقة الروسية والسندان الأميركي (1/2)

سوف يكشف التاريخ أين أخطأ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في تقديره لقوة الصمود الأوكراني، أو لحجم الدعم الأميركي والأوروبي لأوكرانيا، وأين أخطأ الرئيس الأميركي جو بايدن في تقدير مدى تصميم الكرملين على الذهاب إلى ما ذهب إليه في أوكرانيا.

فالرجلان، بوتين وبايدن، مارسا سياسة “حافّة الهاوية”، ولا يزالان. كلٌّ منهما يعتقد أنّ تشدّده سوف يلوي ذراع الآخر. ولكنّ الذراع التي لُويت فعلاً هي ذراع المجتمع الإنساني الذي يعاني مضاعفات الحرب برداً وجوعاً وقلقاً على المستقبل والمصير.

مواضيع ذات صلة

ياسر عرفات… عبقرية الحضور في الحياة والموت

كأنه لا يزال حيّاً، هو هكذا في حواراتنا التي لا تنقطع حول كل ما يجري في حياتنا، ولا حوار من ملايين الحوارات التي تجري على…

قمّة الرّياض: القضيّة الفلسطينيّة تخلع ثوبها الإيرانيّ

 تستخدم السعودية قدراً غير مسبوق من أوراق الثقل الدولي لفرض “إقامة الدولة الفلسطينية” عنواناً لا يمكن تجاوزه من قبل الإدارة الأميركية المقبلة، حتى قبل أن…

نهج سليم عياش المُفترض التّخلّص منه!

من جريمة اغتيال رفيق الحريري في 2005 إلى جريمة ربط مصير لبنان بحرب غزّة في 2023، لم يكن سليم عياش سوى رمز من رموز كثيرة…

لبنان بين ولاية الفقيه وولاية النّبيه

فضّل “الحزب” وحدة ساحات “ولاية الفقيه”، على وحدانية الشراكة اللبنانية الوطنية. ذهب إلى غزة عبر إسناد متهوّر، فأعلن الكيان الإسرائيلي ضدّه حرباً كاملة الأوصاف. إنّه…