مرشّحو الإليزيه: نازي.. ويميني.. وماكرون

مدة القراءة 6 د

بعيداً عن انفجارات الحرب في أوكرانيا وتطوّراتها المتلاحقة أمنيّاً وسياسياً، دخلت الانتخابات الرئاسية الفرنسية مرحلة جديدة بعدما حزم اليمين الفرنسي أمره بخوض معركة “كسر عضم” مع الرئيس إيمانويل ماكرون الذي ترشّح لولاية ثانية.

يبني اليمين المتشدّد مواقفه على ثقافة العداء للفرنسيين الجدد، ويعتبرهم حصان طروادة الذي مهمّته اقتحام قلعة “الشخصية الفرنسية” تمهيداً لفرض هويّة جديدة لها. وتشكّل هذه الأدبيّات مزايدة على مواقف الرئيس ماكرون وإحراجاً له.

في عام 1937 نشر المفكّر الفرنسي شارل موراس كتاباً قال فيه إنّ “الوطنية هي حماية كلّ الثروات الوطنية التي تتعرّض للتهديد من دون اجتياح مادّي للأراضي الفرنسية. إنّها الدفاع عن الأمّة ضدّ الغريب في الداخل”.

دخلت الانتخابات الرئاسية الفرنسية مرحلة جديدة بعدما حزم اليمين الفرنسي أمره بخوض معركة “كسر عضم” مع الرئيس إيمانويل ماكرون الذي ترشّح لولاية ثانية

في ذلك الوقت كان الغريب في الداخل هو اليهودي. اليوم في عام 2022، أصبح يُرمَز إلى المسلم على أنّه هو الغريب في الداخل.

كانت حكومة فيشي هي التي وصمت اليهود بأنّهم أعداء. وهي التي جرّدتهم من صفتهم الوطنية الفرنسية. كان ذلك أمراً طبيعياً في ذلك الوقت لأنّ حكومة فيشي كانت امتداداً للنازيّة التي احتلّت فرنسا. فما هو مبرّر اتّهام المسلمين الفرنسيين اليوم بأنّهم “أصبحوا هم الغريب في الداخل اليوم”؟. يجيب على هذا السؤال كتاب جديد قديم أعدّه أحد المفكّرين الفرنسيين، ويدعى رينيه كامو، جمع فيه مقالات موراس للمرّة الأولى في عام 2018، وطُبِعت في كتاب جرى توزيعه على نطاق واسع. ثمّ قام أحد كبار اليمينيّين المتطرّفين، روبرت لوفون، بإعادة جمع مقالات موراس العنصرية تحت عنوان “البديل الكبير”. ونُشر الكتاب للمرّة الأولى في عام 2011.

التحريض على كراهية المسلمين

تدعو هذه المقالات وتحرّض على كراهية الفرنسيين المتحدّرين من أصول شمال إفريقيّة (المغرب، تونس والجزائر)، ومن عمق القارّة السمراء. وتحذّر من أنّهم يحتلّون الآن فرنسا من الداخل، ويعملون على تغيير هويّتها وتشويه ثقافتها.

ذهب كامو في كتابه إلى حدّ التحذير من أن يجري استبدال المهاجرين، القادمين من مستعمرات فرنسا السابقة، بالشعب الفرنسي. يروِّج لهذه النظرية العنصرية في الكراهية مجلّة أسبوعيّة تُعرَف باسم Valeurs Actuelles، ومحطة تلفزيونية تُعرف باسم C News وتبثّ على مدى 24 ساعة. وقد قرّر أحد معلّقيها المتشدّدين إريك زامور ترشيح نفسه للرئاسة الفرنسية في الانتخابات التي ستجري في شهر نيسان المقبل. بعدما نشر كتاباً عنوانه “فرنسا لم تقُل كلمتها بعد”، يحذّر من أنّ “استمرار الوضع على ما هو عليه سيعرِّض فرنسا للموت. لكنّ فرنسا لم تمُت”. ويحذّر الكتاب من أنّ كلّ معالم ومقوّمات الشخصية الفرنسية تتعرّض لخطر الزوال على أيدي أولئك الذين يجتاحونها من الداخل، بما في ذلك العادات والتقاليد الفرنسية والتاريخ والمدنيّة والحضارة، وحتى الدولة الفرنسية.

يرفع اليمين الفرنسي الجديد الشعار الذي سبق أن رفعه اليمين السابق في تعبيره عن عنصريّته ضدّ يهود فرنسا، وهو شعار “فرنسا الخالدة”. بالنسبة إليه لا تُخلَّد فرنسا إلا بالتخلّص من الخطر الداخلي الذي يجتاحها والمتمثّل في الدرجة الأولى في أبناء المستعمرات السابقة الذين حصلوا على حقّ المواطنة الفرنسية.

في عام 1899 تشكّل في فرنسا تنظيم سياسي – عنصري متطرّف بقيادة موراس نفسه عنوانه “Action Francaise”، وتجري الآن إعادة الاعتبار لهذا التنظيم الذي كان قد تجاوزه الزمن. في ذلك الوقت كان هدف التنظيم الدفاع عن “فرنسا الحقيقيّة”. وفرنسا الحقيقية هي فرنسا من دون اليهود. أمّا اليوم فإنّها فرنسا من دون المسلمين. فرنسا، كما يسمّونها، أرض الصوامع الكنسيّة وأرض الأجداد، وأرض التقاليد العائلية.

التنافس الآن يتمحور بين يمين متشدّد يتمثّل في حركة “جان ماري لوبان”، ويمين أكثر تشدّداً يستعير شعاراته ومبادئه من روح ثقافة حكومة فيشي الموالية للنازية

من هو الفرنسي؟

في فلسفة هذه الحركة اليوم (كما بالأمس) أنّ فرنسا هذه هي غير فرنسا الرسمية، أو فرنسا المؤسسات الاصطناعية.

من فلسفة هذه الحركة ربط الهويّة بالأرض. ولذلك هذه الهوية ثابتة متجذّرة وليست متعدّدة ومتحرّكة. فالفرنسي هو من يتحدّر من أسرة فرنسية، وليس من اكتسب الجنسيّة الفرنسية بقرار حكومي، كما يقول أحد القادة السابقين لهذه الحركة موريس بيرري.

هذه المعتقدات هي من مخلّفات “ثقافة فيشي”: ربط الأرض والدم في صناعة الهويّة الوطنية. وقد اختار المرشّح للرئاسة الفرنسية فرمور عنواناً من كتابه “الأرض والموت”، مستعيراً هذه العبارة من خطاب ألقاه في عام 1899 أحد قادة حركة فيشي في ذلك الوقت، واسمه بارياس.

في هذا الكتاب يقول فرمور إنّ الفرنسيين اليهود الثلاثة الذين قُتلوا في عام 2012 في حادث إرهابي استهدف مدرستهم اليهودية في مدينة تولوز (ودُفنوا في إسرائيل) لا يمتّون إلى فرنسا بصلة. ويحدّد موراس في كتابه أنّ أعداءَ فرنسا في الداخل هم اليهود والإنجيليون (البروتستانت) والغرباء.

لكنّ العدوّ الأوّل بالنسبة إلى فرمور هو الإسلام. فهو يقول إنّه “في فرنسا المعاصرة تحلّ الحضارة الإسلامية محلّ الشعب المسيحي، ومحلّ الحضارة اليونانية – الرومانية”. ويركّز كامو على “حجاب المرأة” ويعتبره “دليلاً على اجتياح الإسلام لفرنسا.. واستعمارها”.

ضدّ اليهود أيضاً

أدّى ذلك كلّه إلى تعميم ثقافة الرهاب من الإسلام وكراهية الأفارقة، وجدّد مشاعر اللاسامية ضدّ اليهود، حتى إنّه أُعيد فتح ملفّ قضية الضابط الفرنسي اليهودي ألفرد دريفوس الذي حُكِم عليه بالموت بتهمة الخيانة العظمى في عام 1894، ثمّ تبيّن أنّه كان بريئاً. لكنّ اليمين الفرنسي المتطرّف يرفض الاعتراف ببراءته ويعتبره رمزاً لخيانة اليهود وعدم وطنيّتهم.

في عام 1886 حذّر إدوارد دريمون ممّا وصفه “خطر الاجتياح اليهودي لفرنسا من خلال حفنة من الحاقدين المتعطّشين للذهب”، على حدّ قوله.

إقرأ أيضاً: أوروبا: الحرب تجدّد شبابها

وقد نفض اليمين الفرنسي الجديد الغبار عن هذه المعتقدات العنصرية، ويترشّح أحدهم لمنصب الرئاسة الأولى على أساسها أيضاً.

ويبدو أنّ خطّ الدفاع عن الليبرالية الفرنسية قد انهار بتراجع اليسار وضمور قواه. ويبدو أيضاً أنّ التنافس الآن يتمحور بين يمين متشدّد يتمثّل في حركة “جان ماري لوبان”، ويمين أكثر تشدّداً يستعير شعاراته ومبادئه من روح ثقافة حكومة فيشي الموالية للنازية. غير أنّ الرئيس ماكرون في عالم آخر، أقرب إلى الديغوليّة من غير أن يكون بالضرورة من مدرستها.

مواضيع ذات صلة

تركيا في الامتحان السّوريّ… كقوّة اعتدال؟

كان عام 2024 عام تغيّر خريطة الشرق الأوسط على أرض الواقع بعيداً عن الأوهام والرغبات التي روّج لها ما يسمّى “محور الممانعة” الذي قادته “الجمهوريّة…

ردّاً على خامنئي: سوريا تطالب إيران بـ300 مليار دولار

 أفضل ما كان بمقدور إيران وقياداتها أن تقوم به في هذه المرحلة هو ترجيح الصمت والاكتفاء بمراقبة ما يجري في سوريا والمنطقة، ومراجعة سياساتها، والبحث…

إسرائيل بين نارين: إضعاف إيران أم السُنّة؟

الاعتقاد الذي كان سائداً في إسرائيل أنّ “الإيرانيين لا يزالون قوّة مهيمنة في المنطقة”، يبدو أنّه صار من زمن مضى بعد خروجهم من سوريا. قراءة…

تركيا والعرب في سوريا: “مرج دابق” أم “سكّة الحجاز”؟

الأرجح أنّ وزير الخارجية التركي هاكان فيدان كان يتوقّع أن يستقبله أحمد الشرع في دمشق بعناقٍ يتجاوز البروتوكول، فهو يعرفه جيّداً من قبل أن يكشف…