“ثمن الهروب” من أوكرانيا: 500 $ “على الراس”

2022-03-19

“ثمن الهروب” من أوكرانيا: 500 $ “على الراس”

انتظر الطبيب السوري عمّار إسماعيل مع عائلته وعائلات عراقية ومصرية ويمنية وغيرها… أيّاماً في بهو أحد الأبنية وسط مدينة خاركوف في أوكرانيا للخروج من المدينة التي دمّرتها الحرب.

تمكّن الطبيب مع عائلته وباقي العائلات التي كانت معهم من الوصول إلى الحدود الرومانية بمساعدة سائق حافلة محلّيّ.

خلال ثلاثة أسابيع من الحرب الروسية على أوكرانيا هربت مئات آلاف العائلات الأوكرانية أو المقيمين في البلاد من أتون الحرب الروسية التي باتت تستعر في كلّ شارع ومدينة أوكرانيّين، وصولاً إلى حدود الدول المجاورة مثل بولندا وسلوفاكيا ورومانيا.

يثير استغلال النازحين وتقاضي الرشى منهم عند الحدود والاتّجار بالبشر قلق المنظمات الدولية التي تتخوّف من استمرار هذه التجارة

في أثناء هذه الحرب قطع الأوكرانيون الحدود سيراً على الأقدام، فيما كان آخرون يركبون سياراتهم الفاخرة نحو عمق الاتحاد الأوروبي، إلا أنّ الذين لا يحملون جوازات سفر أوكرانية توجّب عليهم البقاء لأيّام على الحدود للسماح بدخولهم عبر المعابر الحدودية، ومن بينهم عمار وعائلته ومئات من العائلات المهاجرة والمنحدرة من البلدان العربية أو دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، والتي اضطرّت إلى دفع رشى ماليّة  للفرار من البلاد عند النقاط الحدودية.

حديث الصورة: عائلة في مدينة كييف الأوكرانية تجري فوق القضبان في محاولة لركوب قطار متّجه إلى لفيف في 3 من آذار 2022.

 

حتّى الآن، لا يبدو الأمر واضحاً بالنسبة إلى عمّار وباقي اللاجئين من غير الجنسية الأوكرانية الذين استطاعوا العبور بعد دفع مبالغ مالية. إذ يمكن لمواطني الدول الأخرى، المقيمين في أوكرانيا من غير حاملي جنسيتها، تقديم طلب حماية أيضاً في الدول التي وصلوا إليها. لكن من غير الواضح هل يُمنحون حقّ الحماية أم لا، بالإضافة إلى تعقيدات وطول مدّة فحص حالاتهم للتثبّت من أنّ عودتهم إلى بلدانهم آمنة.

 

اتّجار بالبشر

تشير الإحصاءات الأخيرة إلى أنّ عدد الذين فرّوا من أوكرانيا منذ أن غزتها روسيا يوم 24 شباط إلى اليوم، بلغ أكثر من ثلاثة ملايين. ويُعدّ هذا النزوح أكبر هجرة جماعية للّاجئين في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية، بحسب المفوّض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين فيليبو غراندي.

مع تزايد أعداد الراغبين في الخروج من أوكرانيا والوصول إلى برّ الأمان في الدول المجاورة، يُتوقّع أن يصل عدد اللاجئين الأوكرانيين إلى 7 ملايين شخص قد ينزحون عن منازلهم نتيجة للصراع، بحسب الاتحاد الأوروبي.

عزّزت هذه الأرقام من ظهور عصابات تهريب البشر التي تعرض تهريب الناس إلى الدول المجاورة لأوكرانيا أو تسريع دخول المعابر الشرعية للمقيمين مقابل مبالغ مالية.

وكان عمّار الذي عمل طبيباً في مستشفى خاركوف الحكومي لأكثر من عشر سنوات قد اضطرّ إلى دفع 1.500 دولار عنه وعن عائلته المكوّنة من ثلاثة أشخاص لأحد المهرّبين لنقلهم عبر ممر آمن إلى الداخل الروماني بعدما تقطّعت بهم السبل عند الحدود.

يقول عمّار في اتصال مع “أساس” عبر تطبيق واتساب: “كنت خائفاً جدّاً على سلامتي وسلامة عائلتي، ولم يتمّ إبلاغنا بالوقت الذي سنتمكّن فيه من الدخول، ولذلك دفعت المبلغ. هناك الكثير من الطلاب الذين كانوا عند الحدود ولا يملكون النقود لدفعها للعبور. في الحقيقة يمكنني القول إنّ ما حصل ويحصل هو كارثيّ”.

من جهتها، تؤكّد منظمة “بعثة العدالة الدولية” )International Justice Mission(، وهي منظمة غير حكومية تركّز على حماية الأشخاص المستضعَفين من كلّ أشكال العنف، أنّها تعمل بشكل عاجل مع السلطات المحليّة وشركائها لاتّخاذ تدابير بالغة الأهمية لمكافحة الاستغلال والاتّجار بالبشر على الحدود.

 

تكلفة الخروج 500 $

تتقاطع هذه الشهادات مع تقرير لصحيفة “إندبندنت” البريطانية التي أكّدت أنّ تكلفة الطريق الآمن من أوكرانيا إلى بولندا بمساعدة “المهرّبين” تبلغ نحو 500 دولار، بحسب الأشخاص الذين تحدّثت إليهم الصحيفة. وقد تحدّث بعضهم عن تواطؤ عمّال الإغاثة مع مسؤولي الهجرة الأوكرانيين لإعطاء أولويّة عبور الحدود للأشخاص القادرين على دفع رسوم العبور عند النقاط الحدودية.

وقالت كارولينا ويرزبينسكا، من منظمة “هومو فيبر” لحقوق الإنسان، ومقرّها لوبلين في بولندا: “هذه ليست حالة افتراضية، لقد تلقّينا بالفعل تقارير عن حالات استغلال واتّجار بالبشر”.

لا يحتاج الأوكرانيون إلى تأشيرة دخول (فيزا) للسفر إلى دول الاتحاد الأوروبي، ولذا يمكن للنازحين الأوكرانيين السفر ودخول جميع دول الاتحاد الأوروبي والإقامة فيها لمدة 90 يوماً من دون فيزا، بشرط أن يحمل المسافر جواز سفر بيومتريّاً. ونظراً إلى الوضع الحالي والحرب في أوكرانيا، يُسمح للنازحين بعبور الحدود من دون جوازات سفر أيضاً.

واتّفق وزراء الداخلية الأوروبيون منذ أيام في بروكسل على منح “حماية مؤقّتة” في الاتحاد الأوروبي للّاجئين “الفارّين من الحرب” في أوكرانيا، إضافة إلى إمكانية الحصول على وظائف وخدمات رعاية اجتماعية.

يثير استغلال النازحين وتقاضي الرشى منهم عند الحدود والاتّجار بالبشر قلق المنظمات الدولية التي تتخوّف من استمرار هذه التجارة التي يصبح الإنسان فيها سلعة، وتتعرّض حياته للخطر وهو يبحث عن حلم بحياة أفضل.

ويتّهم ناشطون في مجال حقوق الإنسان السلطات الرومانية بغضّ الطرف عن نشاط مهرّبي البشر الذين يبتزّون المهاجرين العرب وغيرهم من الجنسيّات الأخرى، ويتقاضون منهم مبالغ ماليّة مقابل تسريع دخولهم رومانيا.

حديث الصورة: حشود هاربة في محطة تحاول الوصول إلى القطار. وتُظهر الصورة تزاحم مدنيين في محطة قطارات بمدينة إيربين الأوكرانية لركوب القطار إلى العاصمة كييف ومغادرة البلاد من هناك.

 

لا ممرّات آمنة

مع تفاقم الأوضاع في أوكرانيا واشتداد حدّة المعارك، وردت شهادات كثيرة من مهاجرين أو لاجئين عرب تحدّثوا عن حالات تهريب، وابتزاز، واستغلال، ودفع رشى على الحدود من أجل العبور.

يجد أكثر من عشرة آلاف طالب عربي، بينهم لبنانيون ومغربيون ومصريون، أنفسهم عالقين في أوكرانيا على وقع الغزو الروسي، فيما تطرح إعادتهم إلى أوطانهم معضلة لحكوماتهم التي ليس لبعضها تمثيل دبلوماسي في كييف، الأمر الذي يضطرّهم إلى دفع رشى لمهرّبين من أجل ممرات آمنة إلى الدول المجاورة لأوكرانيا.

من بين هؤلاء الطالبة المغربية رنا فرحات، التي لم تجد وسيلة للخروج من مدينة كييف، التي باتت المعارك على مشارفها. تقول رنا في اتصال مع “أساس” إنّه “في ظلّ تعذّر استخدام وسائل النقل العامّ المعطّلة أو المكتظّة يدفع الكثيرون رشى ومبالغ ماليّة للوصول إلى الحدود ودخول الدول المجاورة، لكنّ هذه المبالغ لا تتوافر لدى الجميع، وأنا واحدة منهم”.

تشعر رنا بالقلق على مصيرها ومصير آخرين في العاصمة الأوكرانية كييف، وتؤكّد أنّها في حال تمكّنت من الفرار من المدينة فستكون مجبرة على دفع مبالغ مالية لتعبر جحيم الحرب عبر النقاط الحدودية والممرّات الآمنة.

إقرأ أيضاً: ماذا يفعل 5 آلاف مقاتل سوري في أوكرانيا؟

في المقابل أوضح رئيس قسم الطوارئ في الصليب الأحمر البريطاني، لوك ترديغت، أنّه “شعر بالفزع” لسماع تلك التقارير بشأن الرشى واستغلال اللاجئين، وأنّه كان على اتصال بزملائه في المنطقة لإثارة هذه القضية “على سبيل الاستعجال” وللتأكّد من صحّتها.

مواضيع ذات صلة

لبنان بالخيار: حرب مفتوحة أم فصل المسارات؟

هو أشبه بفيلم رعب عاشه اللبنانيون منذ يوم الثلاثاء الفائت. في الوقت الذي بدأ الحزب بتحقيقاته الداخلية للوقوف على أسباب الخرق ومن يقف خلفه، تستعدّ…

ماذا أرادَ نتنياهو من عمليّة “البيجر”؟

دخلَت المواجهة المُستمرّة بين الحزب وإسرائيل منعطفاً هو الأخطر في تاريخ المواجهات بين الجانبَيْن بعد ما عُرِفَ بـ”مجزرة البيجر”. فقد جاءَت العمليّة الأمنيّة التي تخطّى…

ما بعد 17 أيلول: المدنيّون في مرمى الحزب؟

دقائق قليلة من التفجيرات المتزامنة في مناطق الضاحية والجنوب والبقاع على مدى يومين شكّلت منعطفاً أساسياً ليس فقط في مسار حرب إسناد غزة بل في تاريخ الصراع…

ألغام تُزَنّر الحكومة: التّمديد في المجلس أم السراي؟

ثلاثة ألغام تُزنّر الحكومة و”تدفشها” أكثر باتّجاه فتح جبهات مع الناقمين على أدائها وسط ورشتها المفتوحة لإقرار الموازنة: 1- ملفّ تعليم السوريين المقيمين بشكل غير…