في الأمتار الأخيرة، وبعدما كان وزير الخارجيّة الإيرانيّ حسين أمير عبد اللهيان يُخطّط للذّهاب إلى فيينا مطلع الأسبوع المُقبل لتوقيع الصّيغة النّهائيّة لإعادة إحياء الاتفاق النووي، بحسب معلومات “أساس” من مصادر أميركيّة رسميّة… أدّت “عوامل خارجية” إلى تعطيل المفاوضات النووية في فيينّا، بحسب ما أعلن مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل.
ما لم يكن في حُسبان إيران بات هو الحقيقة. فهي لم تتوقّع على مدى الأشهر الـ11 الماضية من عمر المفاوضات النّوويّة في فيينّا أن تأتي “أسباب العرقلة” من “الصّديق المُفترَض”، وهو روسيا.
في العاصمة النّمساويّة فيينا، حَزَم رؤساء وأعضاء الوفود حقائبهم وعادوا إلى بلادهم. جميعهم لم يُكتب لهم النّجاح في مهمّة إعادة الحياة إلى الاتفاق النّوويّ لعام 2015. وذلك بعدما أصبحت العرقلة الرّوسيّة أمراً واقعاً باعتراف الجميع، بعد اندلاع الحرب الرّوسيّة – الأوكرانيّة.
قد يكون مندوب روسيا ألكسندر أوليانوف هو الوحيد الذي نجح في مهمّةٍ “غير مُعلنة” هي “وقف الاتفاق” كي لا يكون أداةً تُستخدم ضدّ روسيا في أسواق الطّاقة بعد رفع العقوبات عن إيران.
بحسب معلومات “أساس” من مصادر أميركيّة رسميّة… أدّت “عوامل خارجية” إلى تعطيل المفاوضات النووية في فيينّا، بحسب ما أعلن مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل
مشارف الانهيار
ومثل بوريل أشار كبير المفاوضين الفرنسيين في فيينا فيليب إيريرا إلى أنّ توقّف المحادثات النووية مع إيران سببه “عوامل خارجية”، محذّراً من خطر انهيار الاتفاق.
كذلك كان موقف المبعوثة البريطانيّة إلى فيينا ستيفاني القاق التي قالت: “ينبغي حلّ العوامل الخارجية خلال الأيام المقبلة وإلّا فسينهار الاتفاق”، ولفتت إلى أنّ طهران وواشنطن عملتا بجدّ لحلّ القضايا الأخيرة، وأنّ 3 دول أوروبية مُستعدّة لتوقيع الاتفاق.
بدوره، انتقد دبلوماسيّ أوروبيّ في تصريح لـ”رويترز” ما سمّاه أخذ روسيا المحادثات النووية رهينةً، مشدّداً على أنّه في حال استمرارها في عرقلة المحادثات، فيجب النظر في خيارات أخرى للاتفاق.
إذاً صارَ توقّف المُحادثات النّوويّة في فيينا إلى حين حلّ الأزمة الرّوسيّة – الأوكرانيّة أمراً شبه محسوم. لكن ماذا بعد توقّف التّفاوض النّوويّ؟
يتخوّف الأميركيّون والغربيّون من أن تلجأ طهران إلى تحريك “أوراقها” في الشّرق الأوسط. إذ تلجأ إيران إلى الأوراق الأمنيّة والعسكريّة في كلّ مرّة تسعى فيها إلى الحصول على تنازلات غربيّة. لكن في هذه المرّة قد تسعى إيران إلى تحريك “أوراقها” للضّغط على صديقتها المُفترَضة “روسيا”.
وسط هذا المشهد وتزامناً مع “تصعيد المطالب” الرّوسيّة في العاصمة النّمساويّة، كان رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت يزور الرّئيس الرّوسي فلاديمير بوتين نهاية الأسبوع الماضي.
المواجهة بين إيران وروسيا؟
ظهرَت أولى نتائج زيارة بينيت لموسكو في عرقلة الاتفاق النّوويّ. لكنّ النتيجة الأخرى التي ظهرت كانت بعد 24 ساعة من مُغادرة بينيت الأراضي الرّوسيّة. فقد أغارت طائرات إسرائيليّة، ليلَ الأحد الماضي، على مواقع تابعة للحرس الثّوريّ الإيراني قُرب العاصمة السّوريّة دمشق. وإن كانت هذه الغارات تُشبه المئات التي سبقتها من حيث الشّكل، إلّا أنّها تختلف في مضمونها بنقطتيْن أساسيّتيْن:
1- تزامنها مع لقاء بوتين – بينيت. وهذه رسالة روسيّة – إسرائيليّة لإيران تقول إنّ الغارات مُستمرّة وبموافقة روسيا ولن تتوقّف بسبب ما يجري في أوكرانيا.
2- تجنّب روسيا إخطار الجانب الإيرانيّ بالغارات الإسرائيليّة قبل دقائق قليلة، كما كانت تجري العادة لتجنّب سقوط خسائر بشريّة كبيرة. هذا ما أدّى إلى مقتل عناصر من الميليشيات الموالية لإيران وضابطيْن من حرسِ الثّورة الإيرانيّ.
من جهة أخرى، يؤكّد إعلان إيران بشكلٍ رسميٍّ مقتَلَ ضابطيْها بغارةٍ إسرائيليّة نيّتها الرّد. وتُدركُ طهران أنّ ردّها على الغارة الإسرائيليّة هذه المرّة لن يكون بوجه واشنطن، بل موسكو.
قد يلجأ “الباسدران” إلى الرّدّ على مقتل ضابطيْه من لبنان، لكنّ احتمال ذلك ضئيلٌ أمام احتمال الردّ من “الجولان” لعدّة اعتبارات:
– أوّلها أنّ السّاحة السّوريّة مفتوحة، واستخدامها للرّدّ على الغارة الإسرائيليّة لن يخرج عن قواعد الاشتباك.
– ثانيها أنّ الجولان أرضٌ سوريّة مُحتلّة. وهي قريبة جغرافيّاً من مناطق جنوب دمشق، حيث يستهدف سلاح الجوّ الإسرائيلي المواقع الإيرانية.
– ثالثها أنّ إيران لا تريد الدّخول في مواجهة عسكريّة شاملة، خصوصاً أنّها تسعى إلى العودة للاتفاق النّوويّ.
– رابعها الوجود الرّوسيّ على الأرض السّوريّة. وهنا يكمن القصد الذي تسعى إليه إيران: “الرّدّ على تل أبيب وموسكو”.
إقرأ أيضاً: إيران إلى جانب أوروبا في وجه الروس!!
لا يصبّ استخدام إيران الأراضي اللبنانيّة في مصلحة هذه المعادلة. فالجيش الرّوسيّ يتمركز على سواحل سوريا. وتوجد فرق من الشّرطة العسكريّة الرّوسيّة في محافظة درعا جنوب البلاد المُطلّة على هضبة الجولان المُحتلّ. لذلك سيمثّل الردّ الإيراني انطلاقاً من سوريا خرقاً للضمانات الرّوسيّة لإسرائيل بعدم استخدام جنوب سوريّا قاعدةً لعمليّات إيران.
كثرَت التحليلات في الآونة الأخيرة عن احتمال أن تلجأ طهران إلى الرّدّ على مقتل ضابطيْها الأسبوع الماضي، لكنّ تحليلاً واحداً لم يأتِ على ذكر أنّ إيران، إن لجأت للرّدّ، فإنّها تردّ على موسكو والكرملين، وليسَ على تل أبيب.