دفع الجيش الروسي بمزيد من التعزيزات العسكرية الكبيرة باتّجاه العاصمة الأوكرانية كييف، أمس مع دخول الحرب ضدّ أوكرانيا يومها السابع. وفي إطار متابعة هذا الحدث، استقى “أساس” من مصادر روسيّة موثوقة لدى دوائر القرار في الكرملين، معلومات عن سير العمليات العسكرية، فخرج بهذه المعلومات الخاصّة والخلاصات.
ميدانيّاً:
أوّلاً، على عكس كلّ التحليلات التي تحدّثت عن “فشل” الخطة الروسية لدخول العاصمة كييف خلال الأيام الثلاثة الأولى، فقد أكّدت المصادر أنّ هذه التكهّنات كلّها “غير صحيحة”، وأنّ الوقت اللازم لتنفيذ الخطة العسكرية الموضوعة من القيادة الروسية لهذا الهدف هي “أسبوعان وما فوق”، وذلك لأنّ الهمّ الأساسي لدى القيادة الروسية هو “عدم إيقاع خسائر بشرية في صفوف المدنيين الأوكرانيين”، خصوصاً أنّ هؤلاء هم جزء من الشعب الروسي، ولهذا تميّز التقدّم نحو كييف بـ”الحذر المدروس”، ثمّ التقدّم البطيء وصولاً إلى محاصرة العاصمة، ولاحقاً دخولها، أو التفاهم مع قيادتها.
تؤكّد مصادر من داخل العاصمة الروسية موسكو لـ”أساس” أنّ الحياة في الداخل الروسي “عادت إلى طبيعتها”، وأنّ القلق الذي ترافق مع بداية الحرب “بدأ بالتبدّد”
ثانياً، القيادة الروسية مصمّمة على الأهداف التي رسمتها منذ بداية دخولها الأراضي الأوكرانية قبل نحو أسبوع، وهي “لن تتراجع قبل تحقيق هذه الأهداف مهما بلغت الأثمان”.
أمّا أهداف العملية فهي كالتالي:
1- حياد أوكرانيا وسحب طلب انضمامها إلى حلف شمال الأطلسي “الناتو”.
2- تفريغ القوة العسكرية الأوكرانية من قواتها.
3- الاعتراف الأوكراني بأنّ “القرم” أراضي روسيّة.
4- ضرب النازية الجديدة الناشئة في أوكرانيا.
ثالثاً، تستعدّ روسيا منذ زمن لهذه الحرب، وقد باتت قواتها تسيطر على شرق أوكرانيا، فاستطاعت أنّ تقفل بحر آزوف والبحر الأسود بوجه الأوكرانيين. هي تعرف أنّ غرب أوكرانيا ليس إلى جانبها منذ البداية، فهذه المناطق “وقفت إلى جانب أدولف هتلر في مواجهة الاتحاد السوفياتي خلال الحرب العالمية الثانية”، ولذلك لن يتقدّم الروس إلى تلك المناطق على الإطلاق، وتحديداً نحو غربي نهر دنيبر الذي يفصل أوكرانيا من الشمال إلى الجنوب ويمرّ بالعاصمة كييف. وعليه، فإنّ العمليّات العسكرية “ستستمرّ إلى حين بلوغ كييف ومحاصرتها من أجل فرض الشروط الأربعة المذكورة أعلاه، وبعد تحقيقها ستنسحب روسيا من الأراضي الأوكرانية بالكامل”.
رابعاً، لا يمكن أن توافق على دخول أوكرانيا حلف “الناتو” لأنّ ذلك سيضيّق هامش المسافة بين حدود الحلف والعاصمة موسكو. والحديث عن أنّ روسيا انتهت أو خسرت رهاناتها أو أخطأت في حساباتها هو ذرّ للرماد في العيون فحسب، ذلك أنّ القيادة الروسية لم تستخدم قدراتها العسكرية الجدّيّة حتى اللحظة.
خامساً، القيادة الروسية متفاجئة جدّاً من الموقف الأوروبي التصعيدي. في نظرها، فإنّ الأوروبيّين “كشفوا عن وجههم الحقيقي”، فبعدما كانوا في السابق يتودّدون لروسيا ويتحدّثون عن “ضرورة تعميق العلاقة مع روسيا”، جاءت الأزمة لتُظهر زيف هذه الادّعاءات. وعليه، تعتبر موسكو أنّ القارّة الأوروبية بكاملها “باتت في قبضة الولايات المتحدة الأميركية وتنصاع لرغباتها”، لكن لا تبدي موسكو أيّ تراجع على الرغم من الكمّ الكبير من العقوبات التي فُرِضت ضدّها من الجميع.
سادساً، لا تنكر القيادة الروسية الخسائر البشرية التي تكبّدتها في الأيام الأولى للغزو، لكنّها بالتأكيد ليست كما يصوّرها الإعلام الغربي الذي يهيمن على ضخّ الأخبار حول العالم من وجهة نظر أحادية، ولا تزال هذه الخسائر حتى الآن “ضمن حدود توقّعات العملية العسكرية”.
سابعاً، على الرغم من المساعي الغربية من أجل إيصال المساعدات العسكرية إلى أوكرانيا، فإنّ القوات الروسية قد سيطرت كلّيّاً على الأجواء الأوكرانية، ولن تسمح بوصول هذه المساعدات إليها بأيّ شكل من الأشكال. فالمساعدات العسكرية التي يتحدّث عنها الغرب لن يستطيع إيصالها إلى الأوكرانيين لأنّ الأجواء الأوكرانية باتت في قبضة الروس، وسيتمّ قصف أيّ قافلة أو شاحنة محمّلة بالأسلحة قبل الوصول إلى أهدافها، وما الحديث عن إرسال المساعدات إلّا “بروباغاندا إعلامية”. أمّا المسيَّرة التركية “بيرقدار”، التي كبّدت القوات الروسية خسائر كبيرة في الأيام الأولى، فقد انتهت مفاعيلها هي الأخرى بعد قصف كامل المطارات العسكرية والسيطرة على الأجواء.
القيادة الروسية مصمّمة على الأهداف التي رسمتها منذ بداية دخولها الأراضي الأوكرانية قبل نحو أسبوع، وهي “لن تتراجع قبل تحقيق هذه الأهداف مهما بلغت الأثمان”
اقتصاديّاً:
ثامناً، بدأت السلطات الروسية باتخاذ إجراءات على الأرض من أجل تطمين المواطنين الروس، والحدّ من تأثير العقوبات وآثارها النفسية. ومن بين هذه الإجراءات:
1- “الكابيتال كونترول”.
2- منع خروج الأموال الناتجة عن بيع الحصص في الشركات أو الاستثمارات، وعرض السلطات الروسية شراء أيّ حصة لأيّ مستثمر أجنبي يريد بيع حصّته من دون السماح له بإخراج أمواله.
3- دعم الشركات المتوسطة إلى حين تخطّي الأزمة.
4- ضخّ العملات على أنواعها في السوق للحدّ من الهلع والازدحام عند ماكينات السحب الآلي.
تاسعاً، يملك المصرف المركزي الروسي نحو 680 مليار دولار من الاحتياطات، وهي موزّعة على الشكل التالي: 15% منها بالدولار الأميركي، 30% باليورو، فيما بقية الأموال بالذهب والعملة الصينية اليوان. فقد احتاط المركزي الروسي منذ فترة طويلة لسيناريو حربيّ مثل هذا.
عاشراً، لم يُخضع الاتحاد الأوروبي ولا الولايات المتحدة قطاع النفط والغاز الروسي للعقوبات، ولا حتى الموادّ الأساسية التي يحتاج إليها الغرب في صناعاته كالمعادن مثل الحديد أو النيكل، أو الخشب أو المعادن الثمينة مثل الألماس، وذلك لأنّ مصالحهما ستتأثّر، خصوصاً أنّه لن تكون قادرةً أيٌّ من الدول المصدِّرة للغاز، مثل قطر والجزائر والسويد، على “مدّ الأوروبيين بأكثر من 15% من كميّات الغاز التي تضخّها روسيا إلى أوروبا”.
لذلك ستستمرّ العملات الصعبة بدخول روسيا. ولم يشمل طرد القطاع المصرفي من نظام “سويفت” كلّ المصارف الروسية. لهذا يقوم العديد من الشركات الآن بنقل حساباته من المصارف المطرودة من هذا النظام إلى مصارف أخرى لم تتأثّر بالعقوبات.
حادي عشر، السماح للشركات الروسية المستوردة للموادّ الأوّلية من الخارج بشراء العملات الصعبة (دولار ويورو) من أجل استيراد الموادّ الأوّلية من الخارج مثل الموادّ الصناعية أو الموادّ الغذائية.
دبلوماسيّاً:
ثاني عشر، العلاقة مع الصين ومواقفها لم تحِد في نظر القيادة الروسية عن المتوقّع. فالصين تعلم جيّداً أنّ الدور سيأتي عليها بعد روسيا. وأظهرت موسكو ارتياحاً كبيراً إلى الموقف العربي بشكل كامل، وكشفت المصادر عن اتصال هاتفي بين الرئيس الروسي بوتين ووليّ عهد أبو ظبي محمد بن زايد تناول “القضايا المهمّة المتعلّقة بالتعاون بين البلدين”.
لم تنسَ المصادر الخاصّة أن تشير إلى موقف الإمارات داخل مجلس الأمن حيث امتنعت عن التصويت ضدّ موسكو، وقابلته الأخيرة بالمثل من خلال “التصويت وليس الامتناع عن التصويت” على قرار إدراج جماعة الحوثي على قائمة العقوبات في ظلّ حظر السلاح.
أمّا الانزعاج والعتب فكانا على لبنان، وقد بديا واضحين من خلال بيان السفارة الروسية الأخير. بحسب المصادر، فإنّ المحاولات التي أظهرها الفرقاء اللبنانيون من أجل تبرير مضمون بيان وزارة الخارجية اللبنانية، ثمّ محاولات تدوير الزوايا والتنصّل من مضمونه، لم تجدِ نفعاً، لأنّ القيادة الروسية تعرف مَن يقف خلف هذا البيان، ولهذا “تحمِّل الرئيس ميشال عون وصهره الوزير جبران باسيل المسؤولية بالدرجة الأولى، ثمّ بالدرجة الثانية الرئيس نجيب ميقاتي الذي تحمّله عتباً خفيفاً”، خصوصاً بعدما “بعث إلى القيادة الروسية بيان تبرُّؤ من البيان”.
إقرأ أيضاً: حرب أوكرانيا.. زيلينسكي آخر من يعلم
ماذا يدور في موسكو؟
تؤكّد مصادر من داخل العاصمة الروسية موسكو لـ”أساس” أنّ الحياة في الداخل الروسي “عادت إلى طبيعتها”، وأنّ القلق الذي ترافق مع بداية الحرب “بدأ بالتبدّد”، خصوصاً بعد الإجراءات التي اتّخذتها القيادة الروسية والتي خفّفت من الضغوط، ما خلا القليل من الترقّب والحذر، والتظاهرات الرافضة للحرب، التي “لم تخرج حتى اللحظة عن حدود المألوف والمعروف”.
أمّا الضغوط التي تُمارَس على طبقة الأثرياء الروس من خلال فرض العقوبات عليهم، فتعتبر المصادر أنّهم قد يتضرّرون جرّاء العقوبات، لكن “يستحيل أن يقفوا في وجه القيادة الروسية، لأنّ هذه الطبقة لصيقة بالرئيس فلاديمير بوتين، وهي موالية له ولتركيبة النظام الروسي”.