تتسارع الأحداث على الأرض بين روسيا وأوكرانيا. لم تعد العاصمة كييف بعيدة عن صواريخ “جيش القيصر” الذي يحاصرها ويُمطرها بنيرانه منذ الليلة الأولى للغزو.
ما يحصل في أوكرانيا ليسَ تفصيلاً عابراً. هو أوّل حدثٍ عسكريّ يُعيد العالم إلى الحرب الباردة بين الاتحاد السّوفياتي السّابق والولايات المُتّحدة، تلك الحرب التي كانت تنبئ بنشوبٍ حربٍ عالميّة ثالثة.
للوقوف على تفاصيل تداعيات ومعاني دخول الجيش الرّوسي أوكرانيا، حاور “أساس” الأستاذ المُحاضر في العلاقات الدّوليّة في جامعة بيزا الإيطاليّة الدّكتور أنطوان متّى. وهو العميد السّابق لكليّة الإعلام في الجامعة اللبنانيّة – الفرع الثّاني.
تتسارع الأحداث على الأرض بين روسيا وأوكرانيا. لم تعد العاصمة كييف بعيدة عن صواريخ “جيش القيصر” الذي يحاصرها ويُمطرها بنيرانه منذ الليلة الأولى للغزو
“صواريخ كوبا” وتقسيم برلين؟
يعتبر الدكتور متّى أنّ “الاجتياح الرّوسي لأوكرانيا، أوجدَ تطوّراً جديداً في العلاقات الدوليّة، وتحديداً بين روسيا الفيدراليّة والولايات المُتّحدة. إذ إنّه التطوّر الأول منذ انهيار المعسكر الاشتراكي والنظام السّوفياتي”.
بحسب متّى، “ما يحصل اليوم شبيه بأزمة “الصّواريخ الكوبيّة” سنة 1962، يوم حاولت موسكو في عهد نيكيتا خروتشوف أن تقيم في كوبا قواعد صواريخ قُبالة السّواحل الأميركية، وكانت نتيجتها تسوية أفضت إلى إنشاء الجيش الأميركي قاعدة غوانتانامو على الأراضي الكوبيّة لمنع أيّ تقدّم روسي في المستقبل”.
يعتبر الدّكتور المُحاضر في العلاقات الدّوليّة أنّ “الحدث يُشبه أيضاً ما جرى في برلين سنة 1948 بعد تقسيم ألمانيا إلى شرقية وغربية، حينما قامَ الأميركيون بمدّ جسر جوّيّ لمنع الشّطر الغربيّ من السقوط”.
أين أميركا والغرب؟
يُلاحظ متّى أنّ سياسة أميركا تغيّرت عن سياسة ما بعد الحرب العالمية الثانية وفترة الحرب الباردة. يلمسُ اليوم “تراخياً” أوروبيّاً–أميركيّاً. ويضرب المثل بموقف إدارة الرّئيس الأسبق باراك أوباما يوم احتلّ الجيش الروسي شبه جزيرة القرم التي تعود إلى أوكرانيا. فاليوم السّياسة التي تعتمدها إدارة الرئيس جو بايدن هي سياسة “دبلوماسيّة العقوبات”، سواء أكانت اتجاه إيران أو اتجاه روسيا، ولا تعتمد سياسة المواجهة العسكريّة.
ما يحصل في أوكرانيا ليسَ تفصيلاً عابراً. هو أوّل حدثٍ عسكريّ يُعيد العالم إلى الحرب الباردة بين الاتحاد السّوفياتي السّابق والولايات المُتّحدة، تلك الحرب التي كانت تنبئ بنشوبٍ حربٍ عالميّة ثالثة
هذا التّراخي تجلّى عندما صرّح الرئيس بايدن في خطابه قبل أيّام أنّه لن يرسل جنوداً أميركيين إلى أوكرانيا، وهو ما شكّل ثغرة كبيرة فتحت الباب أمام جيش موسكو للتقدّم، وإعلان انفصال “دونتسك” و”لوهانسك”. ويعتقد متّى أنّ دبلوماسيّة العقوبات لا تجدي، وأنّ على أميركا أن تقوم بسياسة مواجهة، ليست بالضرورة الحرب، لإيجاد التّوازن مع روسيا.
ويضرب مثلاً: “لو أرسلت واشنطن قوّات إلى أوكرانيا لكانت تجنّبت الغزو ومنعت انفصال الإقليمين”. ويضيف: “لا تستطيع أوروبا أن تواجه روسيا إذا كانت أميركا على الحياد”.
ويخشى أن “يُمارس بوتين سيّاسة “قضمٍ جغرافيٍّ جديدة”، ويُكرّر في أوكرانيا سيناريو اجتياح السّوفيات لأفغانستان في 1979 لتنصيبِ حُكمٍ موالٍ لهم بقيادة بابراك كارمل بعدما شعروا بالخطر من النّظام القائم بقيادة الملك ظاهر شاه”.
ويضيف: “الأخطر أن تُقدم الصين على خطوة مُماثلة اتجاه تايوان بعدما وضعت يدها على هونغ كونغ”.
ماذا عن المُفاوضات النّوويّة في فيينا؟
يعتبر الأستاذ المُتخصّص بالعلاقات الدّوليّة أنّ “ملف المُفاوضات النّوويّة مع إيران في العاصمة النّمساويّة صارَ ملفّاً ثانوياً، وذلك لأنّ إدارة بايدن، في الأصل، غير قادرة على معالجة الملف النووي الإيراني بجدّيّة لأنّها أوكلت الملفّ إلى أحد الذين أوجدوا صفقة 2015، المبعوث الخاص إلى إيران روبرت مالي”، الذي يصفه الدّكتور متّى بأنّه “يكره العرب السُنّة”.
إقرأ أيضاً: إيران تستفيد من غزوة أوكرانيا!
يكشفَ ختاماً لـ”أساس” أنّه “خلال زيارة الرّئيس الإيرانيّ إبراهيم رئيسي موسكو أخيراً حاول أن يُبرِمَ حلفاً مع روسيا بعدما أبرم اتفاقات بمئات مليارات الدّولارات مع الصّين، في محاولة منه لإنشاء محور صيني – روسي يحميه من الضغوط الأميركية، لكنّ هذه المحاولة لم تعطِ نتيجة لأنّ العقوبات ليست عند الروسي بل عند الأميركي”.
أما في ما يتعلّق بلبنان، فيعتبر أنّ “المنطقة في وضع ترقّب، وربّما “تطير” الانتخابات في لبنان، خصوصاً أنّ المُجتمع الدّولي لا يهتمّ حاليّاً بالملفّ اللبنانيّ”.