خطوة هامة خطتها قوى التغيير في دائرة الشمال الثانية، طرابلس والضنية والمنية، إذ تمكّنت من أن تكون المبادرة في الحركة الانتخابيّة في الدائرة، سابقة بذلك القوى والتيارات السياسية التقليدية.
فقد نجحت في الانتقال من الاجتماعات وكلام الصالونات والقيل والقال عبر “الميديا”، إلى الإعلان عن ولادة ائتلاف “انتفض”، على بعد أسبوعين ونيّف من إقفال باب الترشّح للانتخابات النيابية.
ولمّا كانت مدينة طرابلس هي أرض الائتلاف التي سيخوض عليها المعركة الانتخابية، فإنّ لها حيّزاً خاصاً في الوثيقة السياسية، يبدأ من “تفعيل الحضور السياسي لطرابلس واستعادة دورها الريادي”، وينتهي بـ”التصدّي للصراعات المشبوهة المفتعلة في المدينة”
الوطن بخطر.. انتفض لإنقاذه
يضمّ ائتلاف “انتفض” الذي يُعرّف عن نفسه بأنّه تحالف قوى التغيير في الدائرة: “مجموعة نقابيّون أحرار، إتّحاد ثوّار الشمال، مجموعة الحراك المدني، مجموعة الحراك الشعبي في المنية، مجموعة ثوّار قبضة تشرين، ومجموعة الشمال ينتفض (والتي ينضوي فيها مجموعة حجر وبشر، نور طرابلس، منتديات طرابلس، ثوار الميناء، تيار قاوِم).
ومن أبرز الوجوه والشخصيات في هذا التحالف: واثق المقدم، ثائر علوان، سلاف الحاج، نعمة محفوض، هند الصوفي، مها المقدم، محمد علم الدين، جوزيف الحولي، محمد أسوم، رامي فنج، مصطفى العويك، هيثم سلطان، أمين الحريري، محمد ابراهيم، غسان خضر، أحمد حلواني، عميد حمود.
“الوطن بخطر انتفض لإنقاذه” هو عنوان الوثيقة السياسية للائتلاف، والتي تتضمّن بعض العناوين العريضة مثل مطلب “حصريّة السلاح في يد الدولة وحدها فقط”، و”التزام الدولة بالدستور وتطبيق إتّفاق الطائف وقرارات الشرعيتين العربية والدولية”، وتأكيد “انتماء لبنان الى محيطه العربي”، وضرورة “إلغاء نظام المحاصصة الذي هو أصل الفساد، والانتهاء من بدعة الديموقراطية التوافقية التي تتعارض مع النظام البرلماني”. كما تتضمّن الوثيقة بعضاً من الشعارات التي أضحت بعد 17 تشرين 2019 جزءاً من الأدبيات السياسية مثل العدالة الاجتماعية، والإنماء المتوازن، ودولة المواطنة…
وبما أنّ مدينة طرابلس هي أرض الائتلاف التي سيخوض عليها المعركة الانتخابية، فإنّ لها حيّزاً خاصاً في الوثيقة السياسية، يبدأ من “تفعيل الحضور السياسي لطرابلس واستعادة دورها الريادي”، وينتهي “بالتصدي للصراعات المشبوهة المفتعلة في المدينة”.
إرادة التغيير تجمع
ولمّا كانت مدينة طرابلس هي أرض الائتلاف التي سيخوض عليها المعركة الانتخابية، فإنّ لها حيّزاً خاصاً في الوثيقة السياسية، يبدأ من “تفعيل الحضور السياسي لطرابلس واستعادة دورها الريادي”، وينتهي بـ”التصدّي للصراعات المشبوهة المفتعلة في المدينة”.
هذا في الشكل، أمّا في المضمون فإنّ الائتلاف هو عبارة عن موزاييك يشمل عدداً كبيراً من النخب والشخصيّات التي برزت أيام انتفاضة 17 تشرين، ومنهم من له تجارب سابقة في معارضة السلطة ضمن الإطار المدني والنقابي منذ عام 2016، ومنهم أيضاً من راكم خبرة سياسية وانتخابية من خلال عمله مع بعض الأحزاب والتيارات السياسية في السابق. هذا وسبق لثلاثة منهم الترشح للانتخابات الماضية، وآخر له تجربة الترشح في الانتخابات البلدية 2016.
إنْ كان ائتلاف “شمالنا”، حسب بعض الإحصاءات، لديه القدرة على بلوغ حاصل أو اثنين، فائتلاف “انتفض” لديه القدرة على تسجيل اختراق ولو محدود في الدائرة الثانية
لذا لم يكن عملاً سهلاً أبداً الوصول إلى مرحلة إطلاق ائتلاف جامع لهذا العدد الكبير من قوى التغيير، حسبما يقول عضو الهيئة الإدارية لـ”انتفض” المحامي مصطفى العويك في حديث لـ”أساس”: “داخل كلّ مجموعة هناك مجموعات، ولكلٍّ منها تجربتها الخاصة، وفيها ما فيها من عشرات الآراء المتناقضة والرؤى المتضاربة التي يصعُب الجمع بينها، لكنّ إرادة التغيير عند الجميع هي التي سهّلت الوصول الى مرحلة إطلاق اتئلاف موحّد”.
يؤكّد العويك لـ”أساس” أنّ “ائتلاف “انتفض” سيخوض الانتخابات بلائحة كاملة في الدائرة الثانية، لتكون لائحة تغييريّة كاملة الدسم، لكنّ الائتلاف لن يُعلن عن أسماء مرشّحيه قبل إقفال باب الترشيحات منتصف الشهر المقبل، لأنّه يريد إبقاء الباب مفتوحاً أمام كلّ الشخصيّات والقوى التغييرية الأخرى في الدائرة للانضمام إليه وتوحيد الجهود”، داعياً “الجميع الى الترفّع عن الصغائر وتغليب روح الجماعة على الأنا التي تشكّل العائق الأكبر في وجه توحّد قوى التغيير ليس في طرابلس فقط بل في كلّ لبنان”.
الشمال ينفرد!
على صعيد آخر، فإنّه يُحسب لقوى التغيير في الشمال نجاحها في القفز فوق الخلافات وتضارب الرؤى، لإنتاج ائتلاف تغييري من دون أيّ مشاركة مع القوى المعارضة التي كانت لها تجارب في السلطة، وهو الأمر الذي تفرّدت به محافظة الشمال حتى الساعة.
ففي الدائرة الثالثة هناك “شمالنا”، وفي الدائرة الثانية “انتفض”، في حين أنّ باقي الدوائر، ولا سيّما تلك التي تحظى باهتمام إعلامي كبير، تعاني من تخبّط قوى التغيير فيها وتصاعد حدّة الصراعات الداخلية، وهو ما يجعلها أقرب إلى خوض الانتخابات بعدّة لوائح في الدائرة الواحدة، وهذا أكثر ما تتمنّاه وتسعى إليه قوى السلطة.
الوصول الى خطوة إطلاق الائتلاف استوجب عقد اجتماعات فاق عددها ربّما عدد جلسات الحوار اللبناني منذ أيّام الطائف وصولاً الى حوار بعبدا في عهد الرئيس ميشال سليمان، وذلك فقط من أجل الإتّفاق على إطارٍ جامع
وإنْ كان ائتلاف “شمالنا”، حسب بعض الإحصاءات، لديه القدرة على بلوغ حاصل أو اثنين، فائتلاف “انتفض” لديه القدرة على تسجيل اختراق ولو محدود في الدائرة الثانية، خاصة بُعيد انسحاب الرئيس سعد الحريري وما تركه من فراغ على الساحة السنّيّة، وذلك وفق ما يردّد عدد من أعضائه في مجالسهم الخاصة. وهم يستندون في كلامهم إلى بعض استطلاعات الرأي التي ترْكُن إليها الهيئة الإدارية في الائتلاف وتثق بأرقامها.
أما بالنّسبة إلى تمويل الحملات الانتخابية، وعلى الرّغم من أنّ أعضاء الائتلاف يؤكّدون أنّه تمويل ذاتي، وأنّهم يخوضون الانتخابات بما تيسّر، أو كما يُقال بـ”اللحم الحيّ”، إلّا أنّ معلومات “أساس” تشير إلى تلقّي الائتلاف دعماً ماليّاً من “نحو الوطن” و”كلّنا إرادة”.
وإن كان التعاون بين المنصّتين والائتلاف غير مرئي نسبيّاً، إلا أنّه ينسجم مع أهداف المنصّتين بدعم المجموعات المعارضة لتمكينها من رفع مستوى الجهوزيّة لخوض الانتخابات والتواصل مع الكتل الناخبة.
التغيير هو “أنا” فقط ؟
بيد أنّ ائتلاف “انتفض” يُعاني، كما كلّ المجموعات التغييرية، من تضخّم مُفرط في “الأنا”. إذ يعتقد كلّ واحد في نفسه أنّه الأصلح للترشّح، ما خلا قِلّة، وأنّ التغيير لا يمكن أن يأتي إلّا من خلاله، وهنا لبّ المشكلة. وهذا ليس سرّاً بل هو أمر معروف ويتمّ التداول به بكثْرة في الشارع الطرابلسي.
تفاقمت تلك المشكلة وازدادت اتّساعاً بُعيْد انسحاب الحريري. إذ بدا أنّ هناك كُثرٌ ممّن يروْن في أنفسهم القدرة على الحلول مكانه في كرسي الزعامة، وهذا حقّهم، لكنّ الرغبة شيء والقدرة شيء آخر تماماً.
الوصول الى خطوة إطلاق الائتلاف استوجب عقد اجتماعات فاق عددها ربّما عدد جلسات الحوار اللبناني منذ أيّام الطائف وصولاً الى حوار بعبدا في عهد الرئيس ميشال سليمان، وذلك فقط من أجل الإتّفاق على إطارٍ جامع. مع الإشارة الى وجود مجموعات تغييرية أخرى خارج إطار الاتئلاف، مع أنّ بعضها كانت تسير معهم نحوه، إلّا أنّها سقطت في الطريق إليه، لنفس المشكلة أيضاً، أي “الأنا”.
إقرأ أيضاً: عكار: أحلام عونية – سورية والناخب سُنّي
وتلك “الأنا” هي السبب الرئيسي في عدم تحديد أسماء المرشحين حتى الآن، خوفاً من انفراط عقد الائتلاف بسرعة قياسية. فالثقة مفقودة، والسكاكين مشحوذة، ولا يوجد إتّفاق على أسماء المرشحين، ولا حتى على طريقة اختيارهم.
وإذا كان هذا حالهم اليوم وهم لايزالون في طور الترشح، فكيف سيكون حالهم عندما يجالسون، في حال نجاحهم، دهاقنة السياسة من أجل إصلاح الخلل في التوازنات السياسية مثلما يقولون ويطالبون؟