مرّت العلاقات الإماراتية التركية بعقد مرير بين 2012 و2021 وصلت خلاله العلاقة إلى أدنى مستوى منذ بداية العلاقة الدبلوماسية بين البلدين. وقد كانت العلاقات بين البلدين في تنامٍ متزايد منذ زيارة المغفور له الشيخ زايد، طيّب الله ثراه، لتركيا في العام 1984. وقد احتفلت تركيا بقدوم الضيف الكبير احتفالاً يليق بمقام الزعيم الكبير.
عند وصول حزب العدالة والتنمية إلى سدّة الحكم في 2002، تعزّزت العلاقات الإماراتية التركية أكثر فأكثر رغبة من تركيا بتعزيز هويّتها الإسلامية والشرق أوسطية. وكان يُنظر إلى تركيا بكثير من الإعجاب المستحقّ بفضل نجاحاتها السياسية والاقتصادية وحصافتها في إدارة العلاقة بين الدين والسياسة عبر تأكيد علمانيّة أتاتورك لكن من دون تهميش الهويّة التاريخية لهذا البلد الكبير.
وقد وصلت العلاقات إلى أوجها حين قام الرئيس التركي السابق عبدالله غول في 2012 بزيارة لأبو ظبي على رأس وفد كبير. ولكنّ هذه اللحظة كُتب لها ألا تدوم بسبب ديناميكيّات إقليمية ليس للإمارات أو تركيا دخل مباشر فيها. وكان أوّل هذه الأحداث تراجع حظوظ انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، الذي غيّر توجّه تركيا من الغرب إلى الشرق. وكانت هويّة ومصالح تركيا الشرق أوسطية بادية للعيان. ولعلّ دخول المنطقة هذا أدّى إلى تضارب المصالح مع بعض القوى الإقليمية الأخرى.
هناك عدّة ملفّات ترتبط بالتوتّرات الإقليمية التي يستطيع الطرفان التأثير الإيجابي فيها وإيجاد صيغ جديدة ومبتكرة للحلول السياسية
والعامل الثاني، الذي أسهم في تغيير ديناميكية العلاقات في المنطقة، هي الأحداث والاضطرابات التي بدأت في تونس وانتشرت في دول عربية عديدة. وقد رأت فيها أنقرة فرصةً لركوب هذا الحصان الرابح من أجل تأثير أكبر في المنطقة. ولكنّ هذه المغامرة السياسية أدّت إلى ردّة فعل لدى الدول الوازنة، وإلى افتراق بين تركيا ودول المنطقة.
أمّا ثالثة الأثافي فهي محاولة الانقلاب العسكري الفاشلة في 2016 التي أجّجت حكومة العدالة والتنمية ضدّ الخصوم في الداخل والخارج، فبدأت أنقرة توزّع الاتّهامات يمنة ويسرة، فتعقّدت علاقات تركيا بكثير من دول المنطقة.
والعامل الرابع كان وصول الرئيس دونالد ترامب إلى البيت الأبيض بأجندة “أميركا أوّلاً”، وضربه كلّ التحالفات والصداقات التي لا تدرّ أيّة منفعة على الولايات المتحدة. وقد آثر ترامب دول الخليج على ما سواها في المنطقة، فتعمّق الشرخ بين تركيا وهذه الدول.
ودخلت العلاقات في معادلة صفريّة، فكان أيّ مكسب لطرف خسارةً للطرف الآخر، وأيّ خسارة لطرف مكسباً للثاني. إلا أنّه مع مضيّ الوقت أصبح طرفا العلاقة خاسرين، أو أنّ المعادلة تحوّلت من صفريّة إلى معادلة سلبيّة. وقد صوَّب إدراك تلك الحقيقة مسار العلاقات بين أبو ظبي وأنقرة، فرأينا الزيارتين المتتاليتين الإماراتيّتين لتركيا، وزيارة الرئيس رجب طيب إردوغان لدولة الإمارات أخيراً.
والحقيقة أنّه إذا ما اتّبع الطرفان مصالحهما بتبصّر فسيكون هناك أرضيّة مشتركة كبيرة للتعاون بينهما. فكلا البلدين تقدّم اقتصاديّاً بشكل كبير، وسيكون لتعاونهما الاقتصادي أثر واسع في تعافي البلدين وازدهارهما بعد جائحة كورونا. لذا يهتمّ البلدان بتحقيق الاستقرار في المنطقة، ويدركان أن لا تقدّم اقتصادياً واجتماعياً وتقنياً من دون تحقيق الاستقرار في الإقليم الذي عاش اضطرابات لعقد من الزمن.
وهناك عدّة ملفّات ترتبط بالتوتّرات الإقليمية التي يستطيع الطرفان التأثير الإيجابي فيها وإيجاد صيغ جديدة ومبتكرة للحلول السياسية. ولعلّ أوّل هذه الملفّات الصراع في سوريا التي تتعافى بعد معاناتها طويلاً ويلات الحرب الأهلية. وبإمكان الإمارات وتركيا التعاون لتحقيق نوع من الاستقرار.
اليمن والصومال والعراق وليبيا ولبنان تعاني أيضاً عدم الاستقرار بدرجات متفاوتة. ولدى الطرفين الكثير ممّا يستطيعان أن يقدّماه لتعزيز السلم الأهلي في هذه البلدان، والأهمّ منح مساعدات عسكرية وتقنية لمكافحة الحركات الإرهابية والميليشيات المؤدلجة. وقد عانت تركيا الإرهاب، واليوم تصدّ دولة الإمارات هجمات الميليشيات الحوثية عن ترابها الوطني. ولا يمكن أن تتعايش الدولة والميليشيات المسلّحة، فإمّا الدولة أو الميليشيات، لكن لا يمكن الجمع بين الاثنين.
إقرأ أيضاً: أردوغان في الإمارات: بانتظار السعودية ومصر
بلا شكّ هناك فرص واسعة للتعاون بين البلدين في المجالات الاقتصادية المختلفة، بدءاً من السياحة إلى التصنيع العسكري والاستثمار والتعاون الثقافي والأكاديمي. والأهمّ من ذلك التركيز على الدبلوماسية العامّة، وعلى علاقة الشعبين التاريخية التي ستشكّل الأسس الرئيسة لعلاقات دائمة ومتميّزة.