يواظب النظام الإيراني على تأكيد جدّيّته في المفاوضات التي ذهب إليها برؤية واضحة وبجدّيّة كاملة وبمقترحات بنّاءة. ويرتبط تحديد الوقت النهائي أو نهاية المفاوضات والتوقيع على النصّ النهائي للاتفاق الجديد، أو على الأقلّ إعادة إحياء الاتفاق القديم، بمدى التزام الأطراف الغربية التامّ بإلغاء ورفع العقوبات وعودة الجميع إلى تعهّداتهم.
أمّا المفاوض غير المباشر، الممثّل للإدارة الأميركية ومعه الأطراف الآخرون، فيردّون بأنّ المسؤوليّة باتت الآن في عهدة الجانب الإيراني مع اقتراب اللمسات الأخيرة على نهاية المفاوضات، وأنّ عليه أن يعود إلى الالتزام بتعهّداته، خاصة في وقف تخصيب اليورانيوم وإعادة بناء الثقة بسلميّة أنشطته النووية.
المندوب الروسي ميخائيل أوليانوف بدأ إعادة ترتيب أوراقه والحديث عن إمكانية عدم التوصّل إلى اتفاق في المدى القريب، لإدراكه أنّ بعض مياه الوساطة بدأت تتسرّب من بين أصابعه
هي لعبة الوقت بين واشنطن وطهران اللتين تتقاذفان كرته، التي ستبقى في منتصف الملعب في الأيام المقبلة، ولن تعلو صافرة تحريكها قبل معرفة الأجواء التي ستنتهي إليها جلسة الاستماع التي عقدتها لجنة العلاقات الخارجية في الكونغرس الأميركي مع المبعوث الخاص لإدارة البيت الأبيض في الأزمة الإيرانية روبرت مالي أمس الثلاثاء. وتُعتبر المرّة الأولى التي يتمّ استدعاء مالي للحضور أمام اللجنة والاستماع إلى إفادته حول المسار الذي سلكته وستسلكه مفاوضات فيينا والاتفاق مع إيران.
أسئلة محدّدة ومباشرة وضعتها لجنة العلاقات أمام وزارة الخارجية سيكون على المبعوث الأميركي مالي الإجابة عليها، وتتلخّص في نقاط محدّدة هي:
1- لماذا تمّ الاستغناء أو استبعاد موظفين في وزارة الخارجية عن الفريق المفاوض؟
2- ما هو موقف إدارة الرئيس جو بايدن من مسألة إلغاء العقوبات على إيران؟
3- لماذا لا يتمّ تنفيذ الجزء المتعلّق بالعقوبات على قطاع الطاقة الإيراني بشكل كامل؟
4- ما حالة البرنامج النووي الإيراني؟
5- وما المستوى الذي وصل إليه تخصيب اليورانيوم في إيران؟
تصويت الكونغرس
ستساهم إجابات مالي في تحديد مصير الجهود التي بذلتها إدارة بايدن خلال الأشهر العشرة الماضية من التفاوض، وإمكانية تمرير الاتفاق في الكونغرس في تصويت هشّ ومتزلزل بأغلبيّة مطلقة قابلة للانكسار. خاصة أنّ النواب المشاركين في جلسة الاستماع يمثّلون الجهة المتمسّكة بمبدأ “الضغوط القصوى ضدّ إيران” وكانوا من المعارضين لقرار تعيينه في هذا الموقع لِما يشكّل من مؤشّر إلى امكانية اعتماد الليونة في المفاوضات.
لن يكون مالي أمام تحدّي إقناع رجال الكونغرس بالإجابات التي سيقدّمها، بل سيكون عليه مع إدارة البيت الأبيض استكمال الجهود المعقّدة والمتداخلة لإقناع حلفاء واشنطن الإقليميين في منطقة الشرق الأوسط بأهميّة الخطوة التي ستتّخذها واشنطن بإعادة إحياء الاتفاق، خاصة مع تل أبيب والرياض ودول الخليج التي ترى نفسها في دائرة الاستهداف الإيراني. وهي مهمّة لن تكون يسيرة وسلسة في حال لم تتزامن مع الحصول على ضمانات إيرانية تؤسّس لمسارات تفاوضية حول برنامجها الصاروخي والباليستي والنفوذ الإقليمي والدور الذي تمارسه في أكثر من ساحة وعاصمة عربية وتحويلها إلى منطلق لتهديد عواصم أخرى.
الحراك يشير إلى اتفاق
على الرغم من الإرادة السياسية لدى واشنطن وطهران لإنهاء هذه الأزمة والتوصّل إلى تسوية تضمن للطرفين الخروج بنتائج قادرة على إقناع الرأي العام الداخلي بما تمّ التوصل إليه، فإنّ ما تشهده فيينا من اجتماعات مكثّفة للجان المتابعة والعمل لإنهاء التفاهمات حول العقوبات وأنشطة التخصيب، يعني وجود إرادة عمليّة أيضاً لإنهاء الجدل والتفاهم حول النقاط الخلافية المتبقّية بين الطرفين حول بعض العقوبات التي قد لا يشملها قرار الإلغاء. خاصة تلك التي تتعلّق بمسألتيْ حقوق الإنسان والإرهاب، وأيضاً الآليّة التي تضمن لواشنطن الحصول على ضمانات بتخلّي إيران عن الخطوات التي قامت بها في مجال تخصيب اليورانيوم وآليّات المراقبة وحدودها.
الفريق المفاوض المقيم في فيينا، ينتظر عودة الأطراف الغربية، بما فيها الأميركي و”الترويكا” الأوروبية، إلى الجلسة الحاسمة، والوقوف على نتائج الجهود التي بذلتها وزيرة الخارجية الألمانية في تل أبيب
اللوبي الإيراني المقرّب من الخارجية الأميركية والمتواصل مع البيت الأبيض والحزب الديمقراطي، يبدي تفاؤلاً كبيراً باقتراب لحظة الإعلان عن التوصّل إلى اتفاق مع طهران يقوم على مبدأ “ربح – ربح”. إذ يسمح بأن تلغي واشنطن جميع العقوبات التي تطول قطاعات النفط والتجارة والمال ونقل عائدات بيع الطاقة، ويسمح لإيران بمواصلة عمليات تخصيب اليورانيوم على أراضيها، مقابل استمرار واشنطن بفرض العقوبات التي تشمل قضايا حقوق الإنسان والإرهاب بما فيها تلك العقوبات التي عمد الرئيس السابق دونالد ترمب إلى تغيير طابعها النووي وأعاد إدراجها في خانة الإرهاب وتمويله. ومن ضمنها العقوبات المفروضة على قوات الحرس الثوري وأعضاء في مكتب المرشد الأعلى، وقد يبقى رئيس الجمهورية إبراهيم رئيسي في عداد المشمولين بها.
فيينا تنتظر
في المقابل، فإنّ الفريق المفاوض المقيم في فيينا حتى الآن، ينتظر عودة الأطراف الغربية، بما فيها الأميركي و”الترويكا” الأوروبية، إلى الجلسة الحاسمة، والوقوف على نتائج الجهود التي بذلتها وزيرة الخارجية الألمانية في تل أبيب، والحوارات التي أجراها المندوب الأميركي مالي مع تل أبيب والعواصم الخليجية.
فيما يبدو أنّ المندوب الروسي ميخائيل أوليانوف بدأ إعادة ترتيب أوراقه والحديث عن إمكانية عدم التوصّل إلى اتفاق في المدى القريب، لإدراكه أنّ بعض مياه الوساطة بدأت تتسرّب من بين أصابعه، وأنّ الحليف الإيراني لم يعد “محشوراً” في زاوية المفاوضات غير المباشرة، بالإضافة إلى شعوره بأنّ المفاوض الأميركي لديه الرغبة بالانتهاء من الملف الإيراني والتفرّغ للتطوّرات المتصاعدة في أوروبا الشرقية على الحدود الروسية الأوكرانية.
إقرأ أيضاً: غيوم حلّ في فيينّا… وأمطار “نفطية” جنوب لبنان؟
سمحت هذه الخريطة من التداخلات والتشابكات لأمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي شمخاني، المسؤول الذي يُعتبر المرجعيّة الأولى بعد المرشد الأعلى لمفاوضات فيينا والاتفاق النووي، بالتأكيد أنّ الخيارات الإيرانية الوحيدة الموضوعة على الطاولة أمام واشنطن ومجموعة 4+1، والتي لا تتبدّل ولا تتراجع، هي:
– الحفاظ على القدرات السلميّة النووية وتطويرها.
– تطوير القدرات الدفاعية لإيران (البرنامج الصاروخي والطائرات المسيَّرة).
– السياسات الإقليمية (التي تشكّل مصدراً لتعزيز الأمن الإيراني).