غيوم الحلّ تتجمّع في فيينّا، والأمطار بدأت تتساقط في جنوب لبنان، على صيغة احتمال حلّ نفطيّ. تماماً كما أنّ غيوم الخلافات السابقة، أمطرت صواريخَ ومحاولات تسلّل حدودية وربما تفجيرات مجهولة في بعض أطراف الجنوب.
للمرّة الأولى، وفق معلومات “أساس” من مصدر مسؤول في وزارة الخارجيّة الأميركيّة، تدرس واشنطن وطهران جدّيّاً إمكانيّة عقدِ لقاءٍ مُباشر للمرّة الأولى منذ بدءِ المُفاوضات النّوويّة في شهر نيسان الماضي. وقال المصدر إنّ الإيرانيين أبدوا “ليونة”، نقلها مُنسّق الاتحاد الأوروبيّ إنريكي مورا والمندوب الرّوسيّ في مُفاوضات فيينا ميخائيل أوليانوف، إلى الوفد الأميركيّ.
يخشى الأميركيّون من أن تعرقل إيران ملفّ ترسيم الحدود في حال عادت المُفاوضات النّوويّة خطواتٍ إلى الوراء
“تنازل” الإيرانيّين وقبولهم بالجلوس وجهاً لوجه مع الوفد الأميركيّ، جاء بعد استقالة عدد من عناصر الوفد احتجاجاً على “التّعامل الليّن المُفرِط” من رئيس الوفد روبرت مالي مع إيران.
في الوقت نفسه، كشف المصدر أنّ واشنطن طلبت من إيران ألا يصل دولارٌ واحدٌ من أموال “الاتفاق” إلى أذرعها في المنطقة. وطلب الأميركيّ ضماناتٍ إيرانيّة، في مُقابل أن تُقدّم واشنطن “ضمانة اقتصاديّة” تجعل “من شبه المُستحيل” أن ينسحب “أيّ رئيس مُستقبليّ من الاتفاق”. ولا يزال الوفد الأميركيّ ينتظر الجواب الإيرانيّ.
لهذا “أمطر” التفاؤل الحذر في بيروت. على إثر عودة الوفود إلى بلادها للتّشاور، تمهيداً لعودة قريبة إلى طاولة المُفاوضات لاستكمال البحث في إنهاء الاتفاق النّوويّ الإيرانيّ.
مُؤشّرات لبنانيّة ودوليّة
في لبنان، أمطار فيينّا واضحة. فقد علمَ “أساس” من مصدرٍ في الخارجيّة الأميركيّة أنّ الموفد الأميركيّ لترسيم الحدود البحريّة بين لبنان وإسرائيل عاموس هوكشتاين التقى الأحد الماضي وزير الطّاقة الإسرائيلي الذي أبلغه أنّ حكومته “تُريد حلّاً” لمسألة الحدود، يضمن مصالح تل أبيب الاقتصاديّة والأمنيّة.
وأضاف المصدر لـ”أساس” إنّ زيارة هوكشتاين لتل أبيب أحرزت “تقدّماً إيجابيّاً”، ويُتوقّع أن يصل بيروت مساء غد الثلاثاء للقاء المسؤولين ووضعهم في أجواء لقاءاته مع الإسرائيليين، وأن يُعلَن عن الإيجابيّة في هذا الملفّ أثناء زيارته.
المُتحدّث باسم الخارجيّة الأميركيّة نيد برايس قال قبل أيّام إنّ مفاوضات فيينا بلغت مرحلتها الأخيرة
لكن يخشى الأميركيّون من أن تعرقل إيران ملفّ ترسيم الحدود في حال عادت المُفاوضات النّوويّة خطواتٍ إلى الوراء.
في الملفّ النّوويّ، قال المسؤول الأميركيّ لـ”أساس” إنّ اتصال الرّئيسيْن الفرنسي والإيراني إيمانويل ماكرون وإبراهيم رئيسي قبل أيّام لم يكن من فراغ. واعتبرَ أنّ الفرنسيّين يُحاولون “حجز” حصّتهم الاستثماريّة في إيران مع الارتفاع النّسبيّ لمنسوب التّفاؤل في العاصمة النّمساويّة.
أما في العلن فإنّ المُتحدّث باسم الخارجيّة الأميركيّة نيد برايس قال قبل أيّام إنّ مفاوضات فيينا “بلغت مرحلتها الأخيرة”، مشيراً إلى أنّه “أمامنا أسابيع قليلة لإنجاز صفقة ما”، داعياً جميع الاطراف إلى اتّخاذ “بعض القرارات السياسية الصعبة”.
أمّا في تلّ أبيب فكان “التّفاؤل الحذر” يدفع رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت إلى رفع مستوى تهديداته تجاه إيران وبرنامجها النّوويّ. وكان بينيت قال قبل يوميْن إنّ “حملة إضعاف إيران قد بدأت”، وإنّها “تشمل مجالات نوويّة واقتصاديّة وسيبرانيّة وعمليّات علنيّة وسرّيّة، سواء من جانبنا أو بالتعاون مع الآخرين”.
وفي إشارة منه إلى التّقدّم الحاصل في فيينا، قال رئيس الحكومة اليمينيّ المُتطرّف إنّ “رفع العقوبات وتدفّق مليارات الدّولارات على النّظام الإيرانيّ يعنيان المزيد من الصّواريخ والطّائرات بدون طيّار و”الخلايا الإرهابيّة، والمزيد من الهجمات الإلكترونيّة والأنشطة الخبيثة”. وهذا يرتبط بما طلبه الأميركيون بخصوص الدولارات والأذرع.
مناورات الضّغط والطّمأنة العسكرية
للضّغط على إيران وأذرعها، وطمأنة الحلفاء في الوقت نفسه، إثر تقدّم المُفاوضات، قادت القوّات البحرية الأميركية، الثلاثاء الماضي، مناورات في البحر الأحمر جمعت 60 دولة، من بينها السعودية وباكستان ومصر والإمارات والبحرين وإسرائيل، في أوّل تدريب من نوعه يُعلَن عنه.
إقرأ أيضاً: فيينا تُزهرُ في لبنان واليمَن والعراق والرياض؟ (1)
للتذكير فإنّ أيلول الماضي شهد تسلّم قيادة المنطقة الوسطى الأميركية (CENTCOM) رسميّاً المسؤولية عن علاقة الجيش الأميركيّ مع إسرائيل، بهدف “تعزيز العلاقة الدفاعية الاستراتيجية بين الولايات المتحدة وإسرائيل، وتوفير الفرص لتعميق التعاون العمليّاتي بين الجيش الإسرائيلي والعديد من شركاء القيادة الأميركية في المنطقة”، بحسب ما جاء في بيان صدر عن الجيش الأميركي حينئذٍ. وهذا التطوّر يظهر الاستعداد العسكري المشترك، أميركياً وإسرائيلياً، في “المنطقة الوسطى”، أي الشرق الأوسط.
ما يعني أنّنا نعيش اللحظات الأخيرة في فيينا. وهي الحدّ الفاصل بين العودة إلى الاتّفاق، أو العودة إلى الحلّ العسكريّ الذي سيكون كارثيّاً على جميع الصُّعد.