رفض الحزب التطبيع: مع إسرائيل؟ أو مع العرب؟

مدة القراءة 6 د

ارتفعت في الأيام الماضية نبرة التحذير لدى قيادات “حزب الله” من مغبّة “التطبيع” بين لبنان وإسرائيل. ويكاد لا يمرّ يوم واحد من دون صدور موقف من قيادات الصف الأوّل في الحزب ينبّه إلى هذا الأمر. فهل ما يشي بذلك فعلاً على قاعدة أن “لا دخّان بلا نار”؟

تولّى الأمين العامّ للحزب حسن نصر الله الجواب على هذا السؤال في المقابلة التي أجرتها معه قناة “العالم” الإيرانية التلفزيونية لمناسبة الذكرى الـ43 للثورة التي قادها الخميني. إذ تحدّث عن نشوء “محور المقاومة ودور حزب الله وسائر أعضاء هذا المحور، والانتصارات المتتالية والمستمرّة لهذا المحور في مواجهة أميركا وإسرائيل”. وأكمل محمد الحسيني فكرة نصرالله هذه، في مقال له على موقع “العهد الإخباري” التابع للحزب، فقال إنّ “إيران الثورة والدولة والنظام أصبحت بعد 43 عاماً قائدة محور المقاومة والممانعة ضدّ قوى الاستكبار الغربي و”إسرائيل” وأتباعها من عرب التطبيع والاستسلام، بدءاً من فلسطين المحتلّة، مروراً بلبنان وسوريا والعراق، وصولاً إلى اليمن”.

هل من مبالغة في القول إنّ مشكلة لبنان بسبب حزب الله هي عدم التطبيع مع عالمه العربي؟

إذاً هناك “محور” بقيادة إيران يزعم حزب الله أنّه يمتدّ جغرافيّاً من البحر المتوسط إلى البحر الأحمر. لكنّ البحث سيتوسّع إذا ما جرى التدقيق في هذا الزعم. أمّا لبنان، الذي يقع كما يقول نصرالله ضمن هذا المحور، وهذا ما يهمّ الحديث عنه الآن، فهو “يشهد”، بحسب كلام نائب الأمين العامّ للحزب الشيخ نعيم قاسم في لقاء سياسي في الضاحية الجنوبية لبيروت في 4 شباط الجاري، لكن لم يجرِ توزيع نصّه، قال فيه: “يمكن يطلع أحد ويقول، ما بدنا نواجه إسرائيل. طيب، الآن فهمنا. لماذا لا تريد أن تواجه إسرائيل؟ بدّك تعمل مثل أبو ظبي؟ تعمل تطبيع مع إسرائيل؟ إذا أنتم تقبلون يا دعاة الانفتاح على إسرائيل والتطبيع معها، فنحن لا نقبل. مَن يقبل أن تدخل إسرائيل إلى لبنان وتعيث فيه فساداً إذا كان قادراً أن تعمل إسرائيل ذلك فليتواطأ معها وليُرِنا ماذا سيفعل. نحن سنكون مقاومة وسنمنع هذا الأمر بالعطاءات بالدم والتضحيات حتى نمنع إسرائيل من أن تدوس هذه الأرض الطاهرة”.

من المؤكّد أنّ نعيم قاسم لم يكن قد بدأ عمله الحزبي، عندما انتهت حياة الرئيس المنتخَب بشير الجميّل في 14 أيلول 1982 تحت أنقاض المبنى في الأشرفية الذي كان بشير موجوداً فيه قبل أن يدمّره الانفجار. ومن المؤكّد أيضاً أنّ قاسم لم يقرأ كتاب جورج فريحة الصادر عام 2017، بعنوان “مع بشير: ذكريات ومذكّرات”. وكان الكاتب رئيس المستشارين للرئيس الراحل. وهو أجاب على سؤال: “ما هي حقيقة علاقة بشير مع إسرائيل، وحدودها ومراميها؟”.

 

لقاء نهاريا مع بشير

حول لقاء نهاريا، وهو الأخير الذي جمع الجميّل مع مناحيم بيغن رئيس وزراء إسرائيل آنذاك في الأول من أيلول عام 1982، كتب فريحة يقول: “الحقيقة الكاملة هي أنّ قادة إسرائيل اجتمعوا في جلسة مغلقة في نهاريا بحضور بشير وأمين حزب الكتائب جوزف سعادة وجورج فريحة فقط. أخذتُ شخصيّاً محضر اللقاء بالإنكليزية. وأكتفي بالقول إنّ المحادثات فشلت لعدم تجاوب بشير مع بيغن بموضوع معاهدة السلام لأنّ الرئيس المنتخب أصرّ على أن تكون المعاهدة برضا كلّ اللبنانيين، والمسلمين بنوع خاص، وبعد خروج الجيش السوري المتبقّي في لبنان. وكان بشير يتصرّف في هذا الاجتماع المغلق، كرئيس للجمهورية وكرجل دولة”.

هناك “محور” بقيادة إيران يزعم حزب الله أنّه يمتدّ جغرافيّاً من البحر المتوسط إلى البحر الأحمر. لكنّ البحث سيتوسّع إذا ما جرى التدقيق في هذا الزعم

يورد فريحة من محضر اللقاء: “كان بيغن أوّل المتكلّمين في تلك الخلوة، فقال: “أصرّ إصراراً شديداً على ضرورة عقد معاهدة سلام بيننا. وعلينا أن نبادر فوراً إلى تهيئة قاعدتها والجو الذي يلائمها. فشعبنا في إسرائيل بدأ يهزأ بنا. يسألنا أين بشير؟ ما باله لم يقُل حتى الآن ولو كلمة واحدة مهمّة بيننا وبينه؟”.

وخاطب بيغن بشير قائلاً: “ما طلبت منك شيئاً قبل انتخابك. أمّا اليوم فأنت الرئيس. قال الرئيس شمعون إنّ لبنان لن يعقد معاهدة صلح مع إسرائيل. أبوك أيضاً (بيار الجميّل) قال إنّ لبنان جزء من العالم العربي. وهو يعني أنّه لا يوافق الآن على عقد معاهدة سلام معنا. وإذا كنت أيضاً لا تريد هذه المعاهدة، فقلْ كلمتك بصراحة، وسنبقى 3 آلاف سنة أخرى من دون سلام. ألا ترى أنّ عليك أن تشكر أولئك الذين خلّصوك من الفلسطينيين؟”.

لم يذكر التاريخ منذ نشوء دولة إسرائيل عام 1948 حتى اليوم، أنّه كانت هناك محاولة لإبرام سلام بين هذه الدولة وبين لبنان، مثل تلك التي جرت عام 1982، لكنّها باءت بالفشل. وهناك الكثير الذي كُتب حول تلك المحاولة، لكنّ الخلاصة المفيدة أنّ بشير الجميّل الذي وُصف بأنّه وصل إلى الرئاسة الأولى على الدبّابات الإسرائيلية، لم يلبِّ طلب إسرائيل بإبرام سلام فيما كانت إسرائيل قد أصبحت في بيروت، العاصمة العربية الأولى والأخيرة التي احتلّتها الدولة العبرية.

 

لا تطبيع

بالعودة إلى لبنان اليوم، فهل هناك “ما يُشتمّ منه رائحة تطبيع”، كما يوحي حزب الله؟ بالتأكيد، ليست هناك مثل هذه “الرائحة”، إلا إذا كان الحزب يقصد أنّها موجودة في شبكات التجسّس التي أنشأتها إسرائيل، وتمّ الكشف عنها، وتبيّن، بحسب ما ذكره الإعلام الموالي للحزب، أنّ عناصر من “التعبئة” التابعة له قد تورّطوا فيها.

إقرأ أيضاً: لماذا أعلن “السيّد” الحرب على الجيش؟

في التدقيق أكثر في كلّ حملة حزب الله ضدّ محاولة إيجاد تطبيع بين لبنان وإسرائيل، يتبيّن عمليّاً أنّها تقود إلى إنهاء التطبيع بين لبنان والعالم العربي، لا فرق في ذلك بين دولة وأخرى. حتى إنّ دولة الكويت، وهي التي قادت أخيراً مبادرة لتطبيع العلاقات بين دول الخليج العربي وبين لبنان، اكتشفت بعد أيام فقط من تبلّغها الردّ الرسمي على مبادرتها، محاولة تهريب شحنة من حبوب الكبتاغون انطلقت من بيروت باتجاه الكويت. وما زالت الإمارة حتّى اليوم تتابع تفاصيل “خليّة دعم وتمويل حزب الله ماليّاً”، وقد قرّر القضاء الكويتي تجديد الحبس لـ6 متّهمين “في قضية الانضمام إلى حزب محظور، وغسل الأموال، والتخابر”.

هل من مبالغة في القول إنّ مشكلة لبنان بسبب حزب الله هي عدم التطبيع مع عالمه العربي؟

مواضيع ذات صلة

“الحزب” لرئيس الحكومة: إصرِف من جيْب الحكومة!

بين الميدان وغرف المفاوضات المُحصّنة في تل أبيب و”الثلاثاء الأميركي الكبير”، سقطت الرهانات على وقف لإطلاق النار يسبق فتح صناديق الاقتراع في الولايات المتحدة الأميركية….

لبنان يدخل العصر الأميركيّ؟

لطالما كان وجود الأميركيين العميق في لبنان، حيث تأسّس الحزب، عنواناً جذّاباً للبحث والنقاش، لا سيما أنّ العلاقة بينهما وبين كلّ منهما بالمكوّنات الأخرى، تغيّرت…

المبادرة الأردنيّة في طور الاستيضاح والاستيضاح المضادّ: من وراءها؟

من خارج سياق التوقّعات والتقديرات الدبلوماسية، ارتفع منسوب التفاؤل خلال الساعات الماضية بعد تسريب ما وصفه الإعلام الإسرائيلي بمسوّدة اتّفاق خطّه الموفد الأميركي آموس هوكستين…

هل تتبدّل اليونيفيل أم يتمّ توسيع صلاحيّاتها؟

تتزايد ضغوط الولايات المتحدة الأميركية بقوّة لإيجاد تنميط مختلف للقرارات الدولية، خاصة حول  دور قوات الطوارئ الدولية العاملة في الجنوب اللبناني التي تميل واشنطن إلى…