يتصاعد الصراع الأميركي الروسي سياسيّاً وعسكريّاً. ظاهريّاً يتمحور هذا الصراع حول أوكرانيا التي تشكّل خطّ تماس بين الكرملين وحلف شمال الأطلسي.
حشدت روسيا أكثر من مئة ألف جندي حتى الآن على الجبهة، وحشدت قوات بحريّة في بحر البلطيق في الشمال وفي البحر الأسود في الجنوب.
بالمقابل انهمرت الأسلحة المتطوّرة الحديثة من الولايات المتحدة ومن الدول الأوروبية على أوكرانيا، وارتفعت نبرة التهديدات بفرض عقوبات غربية أميركية – أوروبية على روسيا لا سابق لها. ولمّا انفجر التمرّد الداخلي في كازاخستان، اعتبر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أنّه المقصود وليس الرئيس الكازاخستانيّ، وأنّ الهدف هو توجيه ضربة من الخلف لقطع الطريق أمام الجسر الآسيويّ بين موسكو وبكين. من هنا، ومع احتدام عمليّة عضّ الأصابع بين موسكو – بوتين وواشنطن – جو بايدن، ترتفع علامة الاستفهام الكبيرة: أين تقف الصين من هذا الصراع؟
يتصاعد الصراع الأميركي الروسي سياسيّاً وعسكريّاً. ظاهريّاً يتمحور هذا الصراع حول أوكرانيا التي تشكّل خطّ تماس بين الكرملين وحلف شمال الأطلسي
ليست العلاقات الأميركية – الصينية على ما يرام. فالصين تحاول استرجاع تايوان إلى الوطن الصيني الأمّ، ولو بالقوّة العسكرية. والولايات المتّحدة تريد استخدام تايوان رأس جسر إلى البحر الصيني حتى لو اقتضى الأمر الاعتراف بها دولة مستقلّة.
هنا تختلط الأوراق السياسية والعسكرية. فالصين تتحالف مع كوريا الشمالية التي أصبحت قوّة نووية وصاروخية. والولايات المتحدة متحالفة مع كوريا الجنوبية واليابان. ولها في الدولتين قواعد وقوات عسكرية (جويّة وبحريّة).
العرب بين الصين وأميركا
يتكامل الاستنفار العسكري، الذي أعلنه حلف شمال الأطلسي في الجبهة الأوروبية في مواجهة موسكو، مع استنفار عسكري مماثل في بحر الصين وفي المحيط الهادئ. يُلقي هذا الأمر الضوء على أبعاد المناورات العسكرية البحرية المشتركة التي جرت بين القوات البحرية الروسية والصينية بمشاركة إيران، وقبل ذلك على المناورات المماثلة التي جرت بين القوات البحرية الأميركية والبريطانية بمشاركة السعودية في بحر العرب والمحيط الهندي. وسبقت ذلك مناورات أميركية – إسرائيلية مشتركة في شرق البحر المتوسط، تحت عين القوات الروسية الموجودة في المنطقة.
وهناك قوات بحرية فرنسية في المتوسط وفي البحر الأسود. وقوات بحرية روسية في بحر البلطيق حول الدول الإسكندينافية.
من هنا قد يؤدّي أيّ خطأ في الحسابات السياسية إلى ما لا تُحمد عقباه. وما أكثر الأخطاء السياسية في وضع متوتّر ومع علاقات تفتقر إلى الحدّ الأدنى من الثقة بالآخر.
فماذا تعني كلّ هذه التحرّكات؟
قد تكون فقط للتهديد والابتزاز السياسي من هنا أو من هناك. لكنّ احتمالات الخطأ ليست قليلة في وضع شديد الاضطراب، وأيّ خطأ، حتّى لو لم يكن مقصوداً، يمكن أن يؤدّي إلى ما لا تُحمد عقباه.
من هنا تنشأ خطورة هذه التطوّرات. ذلك أنّ الانفجار إذا وقع، لا سمح الله، فإنّه قد يؤدّي إلى كارثة إنسانية شاملة، بحيث تكون الحرب العالميّة الثالثة نهاية الحروب.
يقول بوتين إنّه لا ينوي اجتياح أوكرانيا. لكنّ الرئيس بايدن لا يصدّق، ولا دول حلف شمال الأطلسي التي تنظر بقلق إلى ما تعتبره أكبر حشد عسكري روسي منذ انتهاء الحرب الباردة يتجمّع على حدود أوكرانيا الشرقية مع روسيا.
فإذا لم تكن الغاية الاجتياح، فما هي إذن؟
يجيب المعلّقون الروس بأنّ روسيا قد تقدم مضطرّة على إعلان مناطق شرق أوكرانيا دولة مستقلّة. ذلك أنّ سكّان هذه المناطق هم روس ويتمسّكون بقوميّتهم وبانتمائهم إلى الكرملين. وقد تعرّضت أوكرانيا للمجاعة في عهد الرئيس جوزف ستالين وذهب ضحيّتها ثلاثة ملايين ماتوا جوعاً. حدث ذلك في عام 1933. ولا تزال وقائع تلك المجاعة تحفر حتى اليوم في الذاكرة الجماعية للأوكرانيين. وعندما تمرّدت أوكرانيا على قرارات الرئيس بوتين أوقف ضخّ الغاز والنفط إليها في شتاء قارس لتأديبها، إلا أنّ ذلك لم يؤدِّ إلا إلى المزيد من الكراهية والرغبة في فكّ الارتباط. وهو ما تلقّفه حلف شمال الأطلسي ليتمدّد شرقاً حتى حدود روسيا المباشرة.. وهنا بيت القصيد!
فيما كان الكرملين منصرفاً إلى معالجة تداعيات ارتماء أوكرانيا في أحضان حلف شمال الأطلسي، تلقّى طعنة في الظهر عندما اهتزّ النظام المتحالف معه في كازاخستان. لذلك أرسل قوات روسية لقمع تمرّدٍ اتّهم الكرملين الاستخبارات الأميركية مباشرةً بافتعاله والتحريض عليه.
كان قمع التمرّد شديداً وعنيفاً وهو درس فهم الأوكرانيون أنّهم يمكن أن يتعرّضوا لمثله أيضاً. ولتبديد هذا الهاجس، كان الموقف التضامني الأميركي – الأوروبي مع أوكرانيا مدعوماً بالحشود العسكرية وبالدعم العسكري المباشر.
إقرأ أيضاً: إنّها الحرب الأهليّة الباردة
لذلك يبدو أنّ العالم كلّه، بما في ذلك العالم العربي، وليس أوكرانيا وكازاخستان وحدهما، يقف على كفّ عفريت.
مَن قال إنّ الحرب الباردة قد طُويت صفحاتها وانتهت؟!