حين عرض الإخوان على الخميني أن يكون خليفةً للمسلمين؟

مدة القراءة 7 د

في خريف 2019 نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” تفاصيل اجتماع جرى بين الحرس الثوري الإيراني والتنظيم الدولي للإخوان.

كان من بين بنود الاجتماع الاتفاق على العمل معاً ضدّ مصر والسعودية والإمارات، وكان من الاتفاقات أيضاً تقاسم السلطة بين الإخوان والحوثيّين في اليمن.

 

من دمشق إلى بغداد

في كتابي “الجهاد ضدّ الجهاد” عرضت جوانبَ من تاريخ وحاضر العلاقة بين الإخوان وطهران. وربّما لا يعرف كثيرون أنّ العلاقة بين جماعة الإخوان المسلمين وإيران تعود لعقودٍ طويلة. ويذهب البعض إلى أنّ أوّل علاقة بين الطرفين تعود إلى زيارة الخميني في شبابه للقاهرة ولقائه حسن البنّا، وزيارته المركز العامّ للإخوان في عام 1938.

جاءتْ الصداقة بين سيّد قطب ونوّاب صفوي بمنزلة نقلة كبيرة في التقارب بين الإخوان وإيران، وبين الأصوليّين السُّنّة والأصوليّين الشيعة. وقد كانت القاهرة ودمشق وبغداد محطّات أساسيّة في التقارب.

دخلتْ الثورة في إيران في صدام مع المسلمين في الداخل، ومع المسلمين في الخارج. ورحلَ الخميني من دون أن يكون هناك خليفة أو خلافة

في دمشق اشتكى مصطفى السباعي المراقب العامّ للإخوان المسلمين إلى نوّاب صفوي أنّ بعض شباب الشيعة ينضمّون إلى الحركات القومية العربية، وأنّ هذا يؤثّر على وجود الشباب في الجماعة. وكان أنْ صعَد نوّاب صفوي أحد المنابر وقال أمام عدد كبير من الشباب السنّي والشيعي: “من أراد أن يكون شيعيّاً حقيقيّاً فلينضمّ إلى صفوف الإخوان”. وقد عادَ مصطفى السباعي لاحقاً وانتقد صفوي والشيعة في كتابه “السُّنة ومكانتها في التشريع الإسلامي”.

 

رئيس شيعيّ لحزب إخوانيّ

لقد امتدَّ التقارب الشيعي الإخواني من مصر وسوريا إلى العراق، وحدثَ في عام 1960 أنْ رشّح الإخوان في العراق ناشطاً شيعيّاً لرئاسة حزبهم، وهو طالب الرفاعي أحد مؤسّسي حزب الدعوة المعارض لنظام عبدالكريم قاسم.

يذكر رشيد خيون أنّ الشيخ معن العجلي من مشايخ السُّنّة في جنوب العراق جاء مبعوثاً من الإخوان المسلمين إلى طالب الرفاعي ليطلب منه قبول رئاسته للحزب السّنّي الذي يمثّل الإخوان. كان الرفاعي على صلة قويّة بالجماعة، وعلى صداقة بمؤسّسها الشيخ الصواف، لكنّه اعتذر عن رئاسة حزبهم وقال: “أنا مع الإخوان ناصراً ومعيناً لا رئيساً”.

ويذكر محلّلون أنّ الإخوان أرادوا برئاسة الرفاعي لحزبهم أن يستفيدوا من المعارضة الشيعية لعبد الكريم قاسم من أجل الحصول على مكاسب سياسية.

 

من النجف إلى قُم

كان الشيعة في إيران وغيرها يعتمدون العراق كمرجعيّة دينية، وكانت النجَف، وليست قُم، هي الحوزة الكبرى التي يعود إليها شيعة العالم. وكان الشاه في إيران يُقِرّ ذلك الأمر ويعترف به. ويذكر هاشمي رافسنجاني في كتابه “حياتي” أنّ شاه إيران قد أرسل برقيّة عزاء عام 1961 إلى محسن الحكيم يعزِّيه عن رحيل المرجع العراقي حسين البرجردي، وقد كان ذلك اعترافاً بمرجعيّته.

كما أرسل الشاه أيضاً وفداً إلى النجف ليعزّي الحوزة العلمية عن رحيل أبي الحسن الأصفهاني. وعلى نحوٍ عامّ كانت سلطة الشاه تتقرّب من علماء النجف.

لكنّ ذلك قد تغيّر كثيراً بعد الثورة الإيرانية عام 1979، حين أصبحت قُم ذات السطوة العليا، وأصبح شيعة العرب يتَّجهون إلى إيران بعدما كان شيعة إيران يتّجهون إلى العراق.

الطريق إلى طهران

وقف الإخوان إلى جانب ثورة الخميني، وأوفدوا مجموعة منهم لزيارة الخميني في طهران فور وصوله إليها. وكان يوسف ندا قد قام باستئجار طائرة خاصّة أقلّت وفداً من جماعة الإخوان إلى هناك، وكانت طائرة الإخوان هي ثاني طائرة تصل إلى طهران.

التقى وفد الإخوان رئيس الحكومة الإيرانية مهدي بازركان، وأكّد له دعم الجماعة للخميني وثورته، والتقوا وزير الخارجية إبراهيم يزدي الذي ساعد في نزول الطائرة واستقبالها. وكان يزدي من أقرب رجال الخميني إليه.

نشرتْ “مجلّة المجتمع” التي يصدرها الإخوان في الكويت بياناً أعلنت فيه الجماعة تضامنها مع الخميني، ودعت كلّ الحركات الإسلامية في العالم إلى دعم ومساندة الثورة الإيرانية. وعن ذلك الدعم يقول عمر التلمساني: “حين قام الخميني بالثورة أيّدناه ووقفنا بجانبه”.

أيّد إخوان تونس ثورة الخميني وغالوا في مديحها، وقال التونسي راشد الغنّوشي: “بنجاح الثورة الإيرانية يبدأ الإسلام دورة حضارية جديدة. إنّ إيران اليوم بقيادة آية الله الخميني القائد العظيم والمسلم المقدام هي المنتدبة لحمل راية الإسلام”.

ووصف فتحي يكن، مسؤول الإخوان في لبنان، الخميني بأنّه “مجدِّد الإسلام”. وقال مهدي عاكف الذي تولّى موقع المرشد العامّ في الجماعة: “إنّ الإخوان المسلمين يؤيّدون مفاهيم وأفكار آية الله الخميني مؤسّس الجمهورية الإسلامية”.

 

الخميني.. خليفة المسلمين!

تذكُر بعض المصادر أنّ الإخوان المسلمين قد عَرَضُوا على الخميني أن يعلن الخلافة، وأن يكون هو خليفة المسلمين. وحسب مجلّة “المجلّة” في عددها الصادر في 16 شباط 2013 فإنّ الوفد الإخواني الذي زار إيران عام 1979 قد عرض على الخميني مبايعته خليفةً للمسلمين، بعد الاتفاق على أنّ خلافات الصحابة حول الخلافة والإمامة هي خلافات سياسية.

مرَّت سنوات وبدأ العدُّ التنازلي. انكسَرت الثورة وتوحّشت الدولة، وانهارتْ طموحات المطالبين بـ”أمميّة إسلامية”.

دخلتْ الثورة في إيران في صدام مع المسلمين في الداخل، ومع المسلمين في الخارج. ورحلَ الخميني من دون أن يكون هناك خليفة أو خلافة.

جاء خامنئي ومضتْ علاقة الإخوان معه كما كانت العلاقة مع الخميني، لكنّ الظروف كانت قد تغيّرت كثيراً، والثورة الإسلامية الإيرانية فقدتْ جاذبيّتها وصدقيّتها.

وجَدَ الطرفان في ثورة كانون الثاني المصرية عام 2011 فرصة كبرى لدعم تحالف إقليمي واسع ما بين الإخوان وإيران. وَصَفَ خامنئي الإخوان عقب ثورة كانون الثاني بـ”أبناء حسن البنّا”، وامتدح تاريخهم وفكرهم. وقال مستشار المرشد علي أكبر ولايتي إنّ “الإخوان هم الأقرب إلى إيران من بين كلّ الحركات الإسلامية. نحن والإخوان أصدقاء، وإيران تقوم بدعمِهم. والإخوان هم الأقرب إلينا عقائديّاً من بين كلّ الجماعات الإسلامية”.

وحين تولّى الدكتور محمد مرسي السلطة في مصر كانت إيران أوّل دولة في العالم تهنّئ الرئاسة الجديدة بالفوز. ولمّا قامت ثورة 30 حزيران 2013، أطلق عبد الرحمن بيراني، المراقب العامّ للإخوان في إيران والمقرّب من الرئيس حسن روحاني، تظاهرات تنادي بعودة مرسي وإسقاط النظام في مصر.

 

فرع الإخوان في إيران

تشير كتابات إلى أنّ الإخوان حاولوا تأسيس فرع للجماعة بين السُّنّة في إيران، مستثمرين علاقتهم المباشرة بالنظام الحاكم. وقد كان أوّل قائدين لفرع الإخوان السُّنّة: ناصر سبحاني وأحمد مفتي زادة، وكلاهما من الأكراد، وقد عَمِلا باسم “جماعة الدعوة والإصلاح في إيران”.

لكنّ إيران قد رفضتْ تماماً أيّ نشاط “ديني سياسي” للسُّنّة في إيران، وقامت الاستخبارات الإيرانية بإعدام ناصر سبحاني عام 1990، وسجنَت مفتي زادة لعشر سنوات. وحسب بعض المصادر، فقد قامت السلطات الإيرانية بقتله بالسمِّ عقب خروجه من السجن عام 1993.

إقرأ أيضاً: آية الله السيّد الدكتور إبراهيم رئيسي.. عصر العطش

كان من الواضح أنّ إيران هي التي تستخدم الإخوان، فيما يظنُّ الإخوان أنّهم يستخدمون إيران، وأنّ العلاقة بين طهران والجماعة قد سمحتْ بتمدُّد إيران إلى العالم السُّنّي، لكنّها لم تسمح أبداً بتمدّد الإخوان داخل إيران. وكان دور الإخوان الإيرانيين مرسوماً من قبل النظام، بحيث يظهر حين تكون المصلحة في ظهوره، ثمّ يتوارى مع اختفاء المصلحة.

كان الإخوان يرَوْن في إيران “دولة الخلافة”، وكانت إيران ترى في الإخوان “مجرّد ورقة”!

 

* كاتب وسياسيّ مصريّ. رئيس مركز القاهرة للدراسات الاستراتيجيّة. عمل مستشاراً للدكتور أحمد زويل الحائز جائزة نوبل في العلوم، ثمّ مستشاراً للرئيس المصري السابق عدلي منصور..

له العديد من المؤلَّفات البارزة في الفكر السياسي، من بينها: الحداثة والسياسة، الجهاد ضدّ الجهاد، معالم بلا طريق، أمّة في خطر، الهندسة السياسية.

عضو مجلس جامعة طنطا، وعضو مجلس كليّة الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة.

مواضيع ذات صلة

الصراع على سوريا -2

ليست عابرة اجتماعات لجنة الاتّصال الوزارية العربية التي عقدت في مدينة العقبة الأردنية في 14 كانون الأوّل بشأن التطوّرات في سوريا، بعد سقوط نظام بشار…

جنبلاط والشّرع: رفيقا سلاح… منذ 100 عام

دمشق في 26 كانون الثاني 2005، كنت مراسلاً لجريدة “البلد” اللبنانية أغطّي حواراً بين وليد جنبلاط وطلّاب الجامعة اليسوعية في بيروت. كان حواراً باللغة الفرنسية،…

ترامب يحيي تاريخ السّلطنة العثمانيّة

تقوم معظم الدول التي تتأثّر مصالحها مع تغييرات السياسة الأميركية بالتعاقد مع شركات اللوبيات التي لها تأثير في واشنطن، لمعرفة نوايا وتوجّهات الإدارة الأميركية الجديدة….

الأردن: 5 أسباب للقلق “السّوريّ”

“الأردن هو التالي”، مقولة سرت في بعض الأوساط، بعد سقوط نظام بشار الأسد وانهيار الحكم البعثيّ في سوريا. فلماذا سرت هذه المقولة؟ وهل من دواعٍ…