يهوى الكواليس متجنباً الأضواء. مؤسساتي حتى العظم. تألّق في المصارف التي عمل فيها ولم يضع اسمه كعنوان لأي إنجاز، بل كان حريصاً على أن ينسبه إلى الفريق والمصرف.
انتقل بصندوق الزكاة من منطق “الدكانة” إلى منطق “المؤسسة”. لم يرفع لافتة في عائشة بكار عندما تسلّم رئاسة مجلس أمناء صندوق الزكاة، ولم يَمُنّ على الصندوق بزكاة أمواله. فهي طاعة من ضمن الطاعات الواجبة على المؤمن. لم يُحدث عاصفة عندما أُحرج فأخرج، فهو لا يهوى المعارك داخل البيت الواحد.
أبناء عمومته يلقّبونه بالعميد، فيما أصدقاؤه ينادونه بالدكتور، أمّا العاملون في صندوق الزكاة فيشيرون إليه قائلين: إنّه “صمام الأمان”، ومن جهته يتحدّث عنه والده الحاج إبراهيم متفاخراً فيستبدل اسمه عندما يذكره قائلاً: “ابني الحبيب”.
يشبه بيروت وبيروت تشبهه، يحمل ملامح أبنائها في تفاصيل وجهه وجلسته على رأس المؤسسات التي أدارها أو في ذاك المقهى عند الشاطئ البيروتي صباح كلّ يوم أحد أو قبل المغيب. يسكن المدينة وأزقّتها وتسكنه أوجاع البيارتة وآلامهم. هو منهم وهم صورة عنه. يعمل بصمت بعيداً عن الإعلام متجنّباً الضجيج لدرجة استفزاز كلّ من يعاونه ويرافقه في درب العطاء. لا يثير ضجّة إن عمل أو أعطى أو سعى، وكما يقول ناسه في أمثالهم الشعبية: “يده اليسرى لا تعلم بما تفعله يده اليمنى”.
لن يغيب عماد عيتاني عن عمل الخير ولو غاب عن صندوق الزكاة في هذا الزمن اللئيم
عماد إبراهيم عيتاني أو “الدكتور”، كما يلقّبه ويناديه الجميع.
صاهر عكّار فتزوّج ابنة غسان المرعبي كبير المراعبة في السهل والجرد كما يُقرّ الجميع، فاعتنى بفقرائها ومساجدها مطلقاً بين قراها أعمال الخير والكثير من المشاريع، واصطفى لنفسه وعائلته مزرعة في البقاع، فكان مزارعاً في سهولها، ناقلاً عمل الخير معه. هو كالسنبلة التي ذكرها الله في القرآن الكريم ليصف فئة من المؤمنين فقال: “مَثَلُ الذين يُنفقون أموالَهم في سبيل الله كمَثَلِ حبّةٍ أنبتت سبعَ سنابلَ في كلِّ سنبلةٍ مائةُ حبّةٍ والله يضاعفُ لِمَن يشاءُ والله واسع عليم” }سورة البقرة، الآية 261{.
آخر نشاط للشيخ الدكتور مروان قباني مؤسّس صندوق الزكاة قبل أن توافيه المنيّة كان تكريم الدكتور عماد بدرع من صندوق الزكاة. لم يكن الحفل في شهر أيلول 2006 تكريماً وحسب، بل كان بمنزلة حفل تسليم قبل 6 سنوات للراية من صاحب الأمانة لِمَن يستحقّ أن يحمل الأمانة. حوّل الدكتور عماد عيتاني صندوق الزكاة عبر رئاسته لمجلس أمنائه في العام 2012 خلفاً لعدنان الدبس إلى مؤسّسة شفّافة لا تصرف ليرة لبنانية واحدة من دون “شيك مصرفي” أو “وصل رسمي”. وفوق كلّ ذلك دقّة وجدّيّة في التدقيق.
انزعج منه الكثيرون وأقلق الكثيرين، وهو لا يبالي ما دام أميناً على حقوق الفقراء والمساكين. دخل صندوق الزكاة كبيراً مكرّماً، وخرج منه قبل أسابيع بإرادته كبيراً عزيزاً لا يبالي بأيّ تكريم.
كلّ ما هو عليه عماد عيتاني ليس بالشيء الغريب. هي خلاصة لا ينكرها من يعرف والده، ذاك البيروتيّ العريق، المتفاخر بأخبار المدينة زقاقاً زقاقاً وسوقاً سوقاً، صانع أمجاد نادي النجمة، حاضن لاعبيه في الأيام الصعبة عندما كان اللبنانيون يختبئون في الملاجئ. كان وحيداً يحرص على إيصال مكافآت جميع اللاعبين وتوفير احتياجاتهم اليوميّة كي يبقى نادي النجمة البيروتي بطلاً في العرين.
كان والده الحاج إبراهيم كبير تجّار سوق الخضار قبل أن ينتقل إلى الغربة وثلوج كندا. تلك البلاد البعيدة، حيث بنى مدناً ومؤسّسات يفتخر بها. وهو أيضاً رائد جمعيّة “بني العيتاني”، وهو المغيث الكبير عندما يُطلَق صوت النفير.
إقرأ أيضاً: أسامة سعد (2/2): تأجيل الانتخابات… دعوة إلى الفوضى والدّم
عماد عيتاني ابن هذا الرجل الكبير. نال شهادة الدكتوراه في الاقتصاد من جامعة شيكاغو، تلك الجامعة التي يُصنَع فيها التاريخ. ثمّ انتقل إلى كندا متخصّصاً في مجال تمويل شركات الطاقة قبل أن يعود إلى لبنان محاضراً بطلّاب الدراسات العليا في الجامعة الأميركية في بيروت. بعد ذلك انتقل إلى العمل المصرفي عام 1997، فانضمّ إلى بنك عودة ورأس أعمال التجزئة المصرفية للبنك، ثمّ عُيِّن نائباً للمدير العامّ، ثمّ مديراً عامّاً.
لن يغيب عماد عيتاني عن عمل الخير ولو غاب عن صندوق الزكاة في هذا الزمن اللئيم.