يُعتبر نائب صيدا الدكتور أسامة سعد من دعاة التغيير الشامل، ولا يريد أن تجرّه المصالح الانتخابية إلى تحالفات بالإكراه. لديه كتلة ناخبة مهمّة من الأصوات التفضيلية تفوق 9,500 صوت. وكان قد تحالف في انتخابات 2018 مع إبراهيم عازار في لائحة واحدة، ثمّ انفصل عازار عنه وانضمّ إلى كتلة التنمية والتحرير. علماً بأنّ اللائحة استفادت من أصوات “حزب الله” و”حركة أمل”. إلا أنّ أسامة سعد آثر الحفاظ على خطّه المستقلّ.
اليوم لا يزال سعد يدرس تحالفاته في انتخابات أيار العتيدة. وعمّا إذا كان من المحتمل أن يتحالف مع أعضاء من المجتمع المدني بعد نسفه الجسور مع جميع الأحزاب التي يحمّلها “مسؤولية خراب البلد”، يقول لـ”أساس”: “لست أدري، إذ يمكن أن أترشّح ويمكن ألّا أترشّح”. يقدّم أسامة سعد قراءة تحليلية خطرة في حال تعذُّر إجراء الانتخابات النيابية المقبلة: “لا يوجد أيّ سبب لتأجيل الانتخابات النيابية، لأنّ التأجيل هو دعوة صريحة للفوضى ولحمّامات دم في البلد. من يريد الذهاب في هذا الاتجاه فليتحمّل المسؤولية. سواء جرت الانتخابات أم لا فإنّ قوى السلطة تتحمّل مسؤولية هذه الأوضاع المأساوية التي يعيشها اللبنانيون وكلّ المخاطر الأمنيّة التي قد تنتج عنها. هم يتحمّلون مسؤولية أيّ نقطة دم تسقط لأنّهم هم من يدفعون البلد في اتجاه كلّ هذه التوتّرات التي يعاني منها الناس”.
يقول لـ”أساس”: “لست أدري، إذ يمكن أن أترشّح ويمكن ألّا أترشّح”
* هذا يعني أنّك تتوقّع أن تحصل اختلالات أمنيّة؟
– “إيه طبعاً. مع سلطة مماثلة غير مسؤولة تشكّل حكومة تجتمع 3 مرات ثمّ تصبح عاجزة عن الاجتماع، وبعد مرور 3 أشهر لا يمكنها أن تجتمع أو أن تتّفق على سياسة خارجية. ما هذه السلطة؟ سلطة شو هيدي؟!”.
كان والده النائب الشهيد معروف سعد يعتبر أنّ استقلال لبنان كان ناقصاً، ولا بدّ من تعميق بعده العربي. كذلك الدكتور أسامة يرى أنّ مكان لبنان الطبيعي هو في محيطه العربي. نسأله عن علاقاته الإقليمية ولِمَ ليست لديه مرجعية إقليمية. فيتعجّب ويجيب: “ليست لديّ علاقات من هذا النوع، ولماذا تكون لديّ علاقات إقليمية؟ شو خصني بهالقصّة؟ إنّها مسؤولية السلطة السياسية، وهي التي تقيم علاقات مع الدول وليست الأحزاب. قد تحصل زيارات سفراء من باب المجاملات الدبلوماسية لا أكثر ولا أقلّ. ومن المعيب أن يقول أيّ طرف سياسي إنّ مرجعيّته هذه الدولة أو تلك. يجب أن تحافظ القوى السياسية في البلد على استقلاليّتها الوطنية وقرارها الحرّ”.
* كيف تنظر إلى أزمة لبنان مع دول الخليج؟
– أسبابها معروفة، ولعلّ أهمّها هو انعدام التوافق الوطني على سياسة وطنية موحّدة للبلد. ومع أنّها أسهل شيء، فأيّة سياسة خارجية للبلد عليها أن تراعي حقائق عدّة، أولاها الاستناد إلى التاريخ والجغرافيا، أي موقع البلد والهويّة ومصالح شعبه. هذه هي العناصر الرئيسية التي يجب أن تستند إليها أيّة سياسة خارجية، فأين يتمّ تطبيقها؟
* إذاً أين يجب أن يكون لبنان؟ في محور إيران أم في المحور العربي؟
– “بالتأكيد ليس في محور إيران، أكيد لا! نحن جزء من جامعة الدول العربية، بصرف النظر عن الواقع العربي المشتّت. يوجد واقع عربي غير سليم، ويوجد استقواء على الواقع العربي من الأقوياء الإقليميين والدوليين، ولذلك تجدين تدخّلاً إيرانيّاً وتركيّاً، والعدو الإسرائيلي صار شريكاً في القرار العربي، وكذلك الأميركي والروسي، فأين المشروع العربي؟ أين الأمن القومي العربي؟ أين الرؤيا العربية لنهضة الشعوب العربية من واقعها المأساوي إلى واقع جديد؟ هل يتعلّق الأمر فقط بمآسي الشعب اللبناني؟ فماذا عن شعوب سوريا والعراق واليمن وكلّ هذه الشعوب التي تعاني من كلّ أشكال الهيمنة والسيطرة والتدخّلات، والفاقدة للمشروع النهضوي المشترك ولاستراتيجية تتعلّق بأمنها القومي المشترك؟
نحن في النهاية نعيش في جغرافيا واحدة تتأثّر بكلّ عوامل التدخّلات التي تحصل في المنطقة. ليس من مصلحة لبنان أن يدخل في محاور، إنّما عليه أن يكون في مكانه الطبيعي، أي أن يحافظ على هويّته العربية الطبيعية”.
سواء جرت الانتخابات أم لا فإنّ قوى السلطة تتحمّل مسؤولية هذه الأوضاع المأساوية التي يعيشها اللبنانيون وكلّ المخاطر الأمنيّة التي قد تنتج عنها
يرفض أسامة سعد الحديث عن “مرجعيات سنّيّة” أو عن “أزمة في الزعامة السنّيّة”، ذلك أنّه يرفض بالأصل مقاربة أيّ موضوع من زاوية طائفية. يرى أنّ “الأزمة موجودة في البلد برمّته وليس لدى الزعامة السنّيّة فحسب”. ويتساءل: “هل الباقون ممتازون وعظماء؟! الباقون أيضاً دمّروا البلد ومؤسساته. تحمل الأزمة طابعاً وطنياً، وهي تطول الجميع، وليست أزمة سنّية ولا شيعية ولا درزية ولا مسيحية… بل أزمة وطنية. حين يعاني الشعب اللبناني هذه المعاناة كلّها، هل يمكننا الحديث عن سنّي وشيعي ودرزي ومسيحي؟ عيب الحكي في هذه الأمور”.
النائب أسامة سعد عضو في لجنة الأشغال والطاقة والمياه النيابية، وفي لجنة فرعية تدرس مشروع قانون اللامركزية الإدارية بمجلس النواب. وتعقيباً على طرح رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل موضوع اللامركزية الإدارية والمالية الموسّعة، يشير أسامة سعد إلى أن “ليس من نصّ في اتفاق الطائف يتعلّق باللامركزية المالية”، شارحاً أنّ “اللامركزية الإدارية هي لتسهيل أمور الناس، وتسهم في جانب منها في التنمية. أكثر من مشكلة تواجه مشروع اللامركزية الإدارية، والحالة الطائفية الموجودة في البلد قد أن تأخذ اللامركزية إلى مطارح كالفيدرالية الطائفية. الأمر الثاني أنّ الدولة المركزية ضعيفة، واللامركزية حتّى تنجح وكي تكون فعّالة، تحتاج إلى دولة مركزية قوية وإلا تفشل”.
* من أين نشأت فكرة اللامركزية المالية؟
– مع الأسف، وردت في المشروع الذي يُدرَس حالياً وليس في اتفاق الطائف. هذا المشروع قدّمته مجموعة من النواب، وقد تطرّق إلى صندوق سيادي واستقلالية مالية لمجالس الأقضية، بحيث يحقّ لمجلس القضاء أن يعقد مع دول وشركات عابرة للقارّات، أي غير وطنية، اتفاقات تتّصل باستثمارات في مشاريع. يوجد خلل في هذا الموضوع. لا أذكر من قدّمه من النواب، وهو قيد الدراسة في لجنة فرعية شكّلتها اللجان المشتركة. أنا مع دراسة هذا الموضوع، لكن أتحدّث عمّا يجب أن يكون. لا بدّ من دولة مركزية قوية، وألا تكون الحالة الطائفية الموجودة في البلد هي المهيمنة. بالإضافة إلى أنّ الموضوع المالي دقيق وحسّاس، ولا يجوز أن تذهب الأمور في اتّجاه تقديم نموذج وكأنّنا نقيم نوعاً من الفيدرالية.
* يقيم أسامة سعد علاقات وطيدة مع المخيّمين الفلسطينيّين في صيدا: عين الحلوة والميّة وميّة.
“علاقتنا بالمخيّمات قديمة تعود إلى زمن مجيء اللاجئين الفلسطينيين إلى لبنان. أصبح العديد من الإخوة الفلسطينيين جزءاً من نسيج المدينة الاجتماعي، ويوجد تزاوج بين اللبنانيين والفلسطينيين ومصالح تجارية ومؤسّسيّة مشتركة وسواها، وللإخوة الفلسطينيين دور أساسي في حياة المدينة السياسية والاقتصادية”.
إقرأ أيضاً: أسامة سعد (1/2): “كلّن” مسؤولون عن الخراب.. والحزب منهم
يؤيّد أسامة سعد بما لا لبس فيه قرار وزير العمل مصطفى بيرم منح الفلسطينيين حقّ العمل في أعمال كانت محجوبة عنهم (الطبّ، الصيدلة، الصحافة إلخ…)، ويقول: “لا يشكّل هذا الأمر إنصافاً فقط لناس يعيشون في لبنان غصباً عنهم نتيجة تهجير العدو الصهيوني لهم واحتلال أرضهم وإبعادهم إلى لبنان ودول عربية أخرى ودول العالم. هم موجودون في لبنان نتيجة العدوان عليهم، وهذا لم يكن خيارهم. يجب أخذ هذا الأمر بالاعتبار. كذلك يجب التنبّه إلى أنّ هذا شعب يتمتّع بحقوق إنسانية ووطنية، وهو لا يريد الجنسية اللبنانية ولا يسعى إليها، بل هدفه العودة إلى بلاده. أنا مع إعطائهم حقوق العمل لا لإنصافهم فحسب، بل لأنّ من المعيب أن يظهر لبنان بمظهر الدولة التي تمارس التمييز العنصري”.