بين “تجربتَيْ” سعد الحريري وحسان دياب، يفضّل نجيب ميقاتي الحلّ الوسط، ضمن استراتيجيّته “المُستدامة” في الوقوف بالمنطقة الرمادية و”تفادي المشكل”.
مناسبة الحديث هو ما أُثير أخيراً عن “المرجع الصالح” لوضع جدول أعمال مجلس الوزراء، بعد تجاوز الفريق الشيعي الأصول الدستورية بإلزام الحكومة بضوابط وبنود محدّدة لا يمكنها تجاوزها ضمن “شروطه” لفكّ أسر مجلس الوزراء.
بأعصابٍ باردة، تجاوَزَ ميقاتي هذا الواقع الخطير المُستجدّ في وتيرة عمل المؤسسات. حتّى إنّه تفادى الدعوة مباشرة إلى جلسة لمجلس الوزراء بعد صدور “بيان العودة” لحركة أمل وحزب الله، حتى لا يَظهر كأنّه “منفّذٌ أوامر” جهات حزبية فحسب.
وقد كانت خطورة الأزمة المعيشية والاجتماعية والاقتصادية والمالية تستدعي التئام الحكومة فوراً لإقرار عشرات البنود التي تدخل ضمن نطاقٍ أقلّه ما سمح به الثنائي الشيعي لجهة “كلّ ما يتّصل بالشؤون الحياتية والمعيشية”.
تقول مصادر رئاسة الحكومة في هذا السياق: “إذا لم تُسلّم الموازنة بعد ظهر الخميس سيكون من الصعب دعوة مجلس الوزراء إلى الانعقاد يوم الإثنين”
لكنّ ميقاتي عاد وعَلِق في “مشكل” أكبر لجهة تشدّد رئاسة الجمهورية في لعب دورها الدستوري بالمشاركة في تحديد جدول أعمال مجلس الوزراء. لا يريد ميقاتي أن يكون “الحريري ستايل” ولا “دياب ستايل”، ولا أن “يُفجّرها” مع بعبدا.
كرّس سعد الحريري، ومن ضمن التنازلات التي أفرزتها التسوية الرئاسية، “عُرف” موافقة ومشاركة بعبدا الإلزامية في كلّ ما يُدرج على جدول أعمال الحكومة، والأدقّ القول، موافقة جبران باسيل، الصديق والشريك يومئذٍ… و”يلّلي بمون”. وأحياناً كثيرة كانت تطير بنود أو تسقط بنود في اللحظة الأخيرة بناءً على ما “يريده جبران”.
تمرّد حسّان دياب
بيد أنّ تجربة حسان دياب وضعت حدّاً لتنازلات الحريري. أكثر من مرّة توتّرت الأجواء في القصر الجمهوري، بعدما التزم دياب بما يقوله النصّ الدستوري لجهة وضع رئيس الحكومة بنود جدول الأعمال “وإطلاع رئيس الجمهورية مسبقاً عليها”. أي إنّه إطلاع لا أكثر وفق مقتضيات المادة 64 من الدستور التي تقول: “يدعو رئيس الحكومة مجلس الوزراء إلى الانعقاد ويضع جدول أعماله ويُطلِع رئيس الجمهورية مُسبقاً على المواضيع التي يتضمّنها وعلى المواضيع الطارئة التي ستُبحث”.
وأكثر من مرّة اعترض دياب على تدخّل باسيل في المشاريع والقرارات التي يتوافق عليها مع رئيس الجمهورية، ثمّ يعود الأخير ويتراجع عنها. وقد صارح عون في إحدى المرّات قائلاً: “بفَرد مرة يجي النائب باسيل ويقعد معنا”.
بالتأكيد سيتحاشى ميقاتي أيّ احتكاك مع عون أو باسيل، وبالطبع لن يُرخي الحبل لهما كما فعل الحريري. وغالباً ما يَصِف محيط ميقاتي العلاقة مع رئيس الجمهورية بـ”الجيّدة جدّاً”. لكنّ بند التعيينات، الذي يراه عون وباسيل أكثر من ضروري، قد يوتّر الأجواء بين الطرفين.
تعيينات المسيحيين
وعلى الرغم من أنّ باسيل تحاشى في الكلمة، التي ألقاها يوم الثلاثاء بُعيد اجتماع تكتّل لبنان القوي، الإشارة إلى موضوع التعيينات، إلا أنّه كان حاسماً في القول إنّ “الدستور يعطي رئيس الحكومة صلاحيّة وضع جدول أعمال مجلس الوزراء، ويتفاهم عليه مع رئيس الجمهورية”.
وأمس أشار النائب آلان عون في حديث إعلامي إلى أنّ “بند التعيينات سيُطرح في المرحلة المقبلة”. وتصرّ بعبدا على إقرار سلسلة تعيينات قضائية ودبلوماسية وإدارية وتعيينات القائمقامين والجامعة اللبنانية وعشرات تعيينات موظفي الفئتين الأولى والثانية، من حصّة المسيحيين.
وتشدّد أوساط باسيل على أنّه لن يكون “مقبولاً كربجة مجلس الوزراء ومنعه من بتّ تعيينات أساسيّة، ومن ضمنها المدير العام للماليّة الذي يُفترض أن يكون دوره محوريّاً في مرحلة التفاوض مع صندوق النقد الدولي”.
ووفق معلومات “أساس” ستبدأ رسمياً بعد ظهر الإثنين مسيرة المفاوضات بين الوفد اللبناني ووفد صندوق النقد الدولي، وسيُعقد الاجتماع الأوّل عبر تقنيّة “زوم”
أمّا لناحية تعيين بديل عن رياض سلامة فتقول الأوساط: “نعلم أنّ الكلّ ضدّنا، لكنّ هذا لا يمنعنا من خوض معركة وضع حدّ لولايته الممدّدة ومحاسبته على ارتكاباته”.
الموازنة الإثنين أو الخميس؟
أمّا على خطّ الموازنة، فقد شدّد ميقاتي طوال الأيام الماضية على وزير المال يوسف خليل لتسليمه مشروع الموازنة في مدّة أقصاها بعد ظهر اليوم الخميس.
وتقول مصادر رئاسة الحكومة في هذا السياق: “إذا لم تُسلّم الموازنة بعد ظهر الخميس سيكون من الصعب دعوة مجلس الوزراء إلى الانعقاد يوم الإثنين”.
وحتّى يوم أمس لم يكن فريق وزير المال قد أنهى فذلكة الموازنة التي تتضمّن تلخيصاً عن الموازنة، وبياناً عن الحالتين الاقتصادية والمالية، والسياسة المالية التي تنوي الحكومة اعتمادها، وأبرز المشاريع والإصلاحات.
ووفق معلومات “أساس” ستبدأ رسمياً بعد ظهر الإثنين مسيرة المفاوضات بين الوفد اللبناني ووفد صندوق النقد الدولي، وسيُعقد الاجتماع الأوّل عبر تقنيّة “زوم”، ولذلك ضغط ميقاتي من أجل عقد جلسة الحكومة الأولى، التي ستلتئم في قصر بعبدا، قبل ظهر اليوم نفسه.
وأُدرِج على جدول الأعمال، الذي لا يزال قيد الإعداد، وقبل المباشرة ببند الموازنة، البنود الملحّة المتعلّقة بمستحقّات موظفي القطاعين العامّ والخاصّ والأجراء والمتعاقدين، والبنود المُرتبطة بالمساعدات الاجتماعية، وأيضاً القرارات التي ستكون “على سبيل التسوية”، حول الموافقات الاستثنائية التي أصدرها رئيسا الجمهورية والحكومة خلال فترة التعطيل الحكومي، وبنود مرتبطة بموافقات على استقالة موظفين، وموافقات على عقود ضرورية تعود للأجهزة الأمنيّة.
ولم يُعرف بعد إذا كانت الموازنة ستتضمّن مشروع قانون يجيز تمديد الصرف على أساس القاعدة الاثني عشريّة، مع العلم أنّ وزير المال أرسل طلباً في هذا الخصوص إلى رئاسة الحكومة.
يُذكر أنّ مجلس النواب أقرّ في 15 كانون الثاني 2021 اقتراح القانون 213 الذي يُجيز “جباية الواردات وصرف النفقات على أساس القاعدة الاثني عشرية اعتباراً من أوّل شباط 2021 ولغاية صدور موازنة العام 2021. ويتمّ ذلك قياساً على أرقام الاعتمادات المرصودة في موازنة العام 2020 على أن يؤخذ في الاعتبار ما أُضيف إليها وما أُسقط منها من الاعتمادات الدائمة”.
ومن المعلوم أنّ موازنة 2021 بقيت عالقة في أدراج مجلس النواب ولم تقرّ، وهي مع مشروع موازنة 2022 قد أُدرجت على جدول أعمال الدورة الاستثنائية لمجلس النواب.
إقرأ أيضاً: الثنائي يدخل الحكومة.. حاملاً “مطرقة” التعطيل
وكان وزير المال السابق غازي وزني، وبتأخير نحو خمسة أشهر، قد حوَّل مشروع موازنة 2021 إلى الأمانة العامّة لمجلس الوزراء. ولأنّ الحكومة كانت في مرحلة تصريف أعمال رفض دياب انعقاد مجلس الوزراء لإقرارها، ثمّ أُحيلت إلى مجلس النواب، واستمرّ الصرف على أساس القاعدة الاثني عشرية.
وتقول مصادر نيابية إنّ بعض أرقام موازنة 2021 غير واقعية وبعضها معرّض للإبطال.