ما حدث في دولة الإمارات العربية المتّحدة هو شأن لبناني بكلّ ما في الكلمة من معنى. والصواريخ الباليستيّة الخمسة والطائرات المسيَّرة، التي أعلنت جماعة الحوثي أنّها هاجمت بها أبو ظبي، كان دويّها مسموعاً بوضوح في بيروت.
عندما تواترت الأنباء عن سقوط ثلاث ضحايا في الهجوم، اشتعلت خطوط التواصل بين لبنان والإمارات لمعرفة من هم الضحايا، لأنّ من بينهم قد يكون لبنانيّون، ولا فرق ما هو مذهبهم أو طائفتهم، لأنّ مجموعات كبيرة من كلّ الطوائف اللبنانية أصبحت تعيش هناك، خصوصاً في السنوات الأخيرة، ومع تزايد أعداد المهاجرين مع انفجار الأزمة في نهاية 2019. ولم تهدأ النفوس إلا بعد معرفة أنّ الضحايا هم باكستاني وهنديّان، فانهالت الرحمة عليهم.
الصواريخ الباليستيّة الخمسة والطائرات المسيَّرة، التي أعلنت جماعة الحوثي أنّها هاجمت بها أبو ظبي، كان دويّها مسموعاً بوضوح في بيروت
لعلّ هذه المقدّمة ضرورية لمقاربة ما جرى في عاصمة دولة الإمارات، التي تمثّل الموئل الثاني بعد المملكة العربية السعودية، وقبل سائر دول مجلس التعاون الخليجي، من حيث استضافتها للّبنانيين الساعين وراء الرزق. وهنا نتحدّث عن مئات الألوف ممن ينتشرون في أنحاء الخليج العربي.
كان من البديهي أن تنطلق من بيروت حملة استنكار واسعة النطاق لِما حدث في أبو ظبي. لكنّها، وللأسف، لم تكن جامعة. فقد انبرى “حزب الله” وحده، وبكلّ قواه الإعلامية، للدفاع عن الهجوم. لكأنّ الأخير هو من أطلق الصواريخ والمسيّرات! فهل من مبالغة في هذا الوصف؟
كتبت صحيفة “الأخبار” عن هذا التطوّر غير المسبوق في حرب اليمن: “أرسلوا (الإماراتيون) من يطلب هدنة إعلامية، أقلّه، مع حزب الله. وقالوا إنّهم لا يريدون استمرار الحملة المباشرة عليهم في خطب الأمين العام للحزب. وعرضوا خدمات تخصّ لبنان. لكنّهم سمعوا أنّ الملفّ الأهمّ، بالنسبة إلى إيران أو الحزب في لبنان، هو الملفّ اليمني”.
بالطبع، لا بدّ من التريّث للتأكّد ممّا أوردته الصحيفة. لكن يمكن التأكيد تماماً أنّ حرب اليمن هي فعلاً “الملفّ الأهمّ”، وذلك “بالنسبة إلى إيران أو الحزب في لبنان”. فقبل الهجوم الحوثي الأخير على الإمارات، ومنذ العام 2015، كان “الملفّ اليمنيّ” هو “الأهمّ” لطهران والضاحية. ولا سيّما أنّ المرشد الإيراني نفسه قد أوكل إلى نصر الله العناية بملفّ اليمن، في موازاة توكيل القائد السابق لـ”فيلق القدس” في الحرس الثوري الإيراني، الجنرال الراحل قاسم سليماني، بملفّ العراق. وقد بات واضحاً أنّ الأمين العامّ لـ”حزب الله” كان يتعامل طوال هذه الأعوام مع حرب اليمن كوكيل للمرشد ينشد النجاح في مهمّته. ويكفي هنا العودة قليلاً إلى الوراء لمتابعة كيف كان الأمين العام منتشياً بالانتصارات التي كان يحقّقها الحوثي على جبهة مأرب، وكاد في أحد الأيام أن يتولّى بنفسه إعلان نبأ سقوط مأرب بيد الحوثيين. لكنّ الرياح هبّت بما لا يشتهي المحور الإيراني في اليمن. لا بل إنّ الحرب هناك صارت مصدر لوعة يومية لهذا المحور بفعل التقدّم المذهل لـ”قوات العمالقة” اليمنية الجنوبية بغطاء من قوات التحالف. ولم يعد خافياً أنّ غضب نصرالله، الذي انفجر في الرابع من الجاري لمناسبة الذكرى السنوية الثانية لمقتل سليماني، وتحوّل إلى حملة غير مسبوقة ضدّ السعودية، كان تحت وطأة انهيار المحور الإيراني في حرب اليمن.
وفق بعض المعلومات، فإنّ مطار بيروت كان ولا يزال النافذة الرئيسية والسريعة لهذا التعاون. وقبل ذلك، كانت المنافذ البحرية والبرّية وسيلة لنقل العتاد والمقاتلين قبل أن تطرأ ظروف أدّت إلى تقليص الاعتماد على هذه المنافذ
مقدّمة المنار وتهديد لبنانيي الخليج
مَن استمع إلى مقدّمة النشرة المسائية لقناة “المنار” التلفزيونية التابعة لـ”حزب الله”، وشاهد كيف تعاملت مع الهجوم الحوثي على أبو ظبي، يفهم ما هي علاقة الحزب بالصراع الدائر هناك. إذ بلغ الأمر بالقناة أن كرّرت وصف نصرالله للوجود اللبناني الكبير في الخليج العربي بأنّه “رهينة”. فقالت هي أيضاً: “بعد بيانات أمر الطاعة لدول الجوار، لم يتلكّأ لبنانيّو الإقامات الذهبية والدولار، فاستشاطوا غضباً لاستنكار العملية اليمنية، وكادوا أن يطالبوا بـ1559 و1701 يمنيّ، فالإمارات لم تعد بلداً آمناً للإقامة، وربّما تصبح بلداً غير آمن لهم سياسياً، إن واصل اليمنيون عملية الهجوم على حكام الإمارات كما يؤكّدون”. وفي هذا تهديد مباشر للبنانيين المقمين في الخليج، ولعائلاتهم، وأيضاً للبنانيين المتعاطفين مع دول الخليج، وللذين يرون في الوقوف إلى جانب العرب موقفاً وطنياً يحمي تاريخ لبنان ومستقبله، ومصالح أبنائه.
قبل ستّة أعوام، أورد الإعلام نبأ تشييع “حزب الله” الشيخ عبد الملك الشامي، الذي وُصِف بأنّه الزعيم الروحي للحوثيين، ودفنه قرب ضريح القائد العسكري البارز للحزب عماد مغنية في الضاحية الجنوبية لبيروت. ومنذ ذلك الحين، نشأت مؤسسات تابعة للحوثيين في الضاحية، ولا سيّما منها الإعلامية، هذا فضلاً عن التعاون اللوجيستي الذي وفّر الحزب من خلاله للحوثيين إمكانات هائلة للتسلُّح والتدرُّب. ووفق بعض المعلومات، فإنّ مطار بيروت كان ولا يزال النافذة الرئيسية والسريعة لهذا التعاون. وقبل ذلك، كانت المنافذ البحرية والبرّية وسيلة لنقل العتاد والمقاتلين قبل أن تطرأ ظروف أدّت إلى تقليص الاعتماد على هذه المنافذ.
إقرأ أيضاً: كيف سترد الإمارات على العدوان الحوثي؟
هل من المبالغة القول إنّ مسيَّرات الحوثي التي استهدفت أبو ظبي بالأمس، قد تكون انطلقت من الضاحية أيضاً؟