لم تلفح الحماوة الانتخابية بعد دائرة كسروان – جبيل، تماماً كما معظم الدوائر الانتخابية. حدّة الأزمة المالية والمعيشية واحتمال تأجيل الانتخابات النيابية وشحّ التمويل نقاط مشتركة بين غالبيّة المناطق. لكن وحدها كسروان، الدائرة الانتخابية السابقة لميشال عون و”عاصمة” الشرعية المارونية، تعيش إرباكاً انتخابياً لا سابق له سينعكس مفاجآت في صناديق الاقتراع عشيّة انتهاء الولاية الرئاسية. والأهمّ قد تكون البقعة التي ترسم آخر معالم “العونيّة السياسية”.
على أرض كسروان قد يخرج التيار الوطني الحر مهشّماً ومجرّداً من “درع الحماية” على مستوى الحزبيّين والحلفاء.
فهي الدائرة التي “خرّجت” ميشال عون رئيساً لتكتّل نيابي كبير، ثمّ رئيساً للجمهورية. وهي الدائرة الوحيدة التي تضمّ تقريباً خمس المقاعد المارونية، وسمحت عام 2018 برفع “حاصل” نواب تكتّل لبنان القوي إلى 29 نائباً بعد تدخّل رئاسي مباشر من “جنرال بعبدا” مَنع حصول فضيحة محاولة إسقاط العونيين قائد فوج المغاوير السابق شامل روكز بعدما ساواه بنفسه “أنا شامل وشامل أنا”.
على أرض كسروان قد يخرج التيار الوطني الحر مهشّماً ومجرّداً من “درع الحماية” على مستوى الحزبيّين والحلفاء
خسر التيار الوطني الحر حليفين كسروانيّيْن على طاولته هما نعمة إفرام وشامل روكز، إضافة إلى خسارة الحليف السابق زياد بارود الذي لم تتّضح معالم حراكه الانتخابي بعد. ويخوض التيار انتخابات كسروان حاليّاً عبر وزيرة الطاقة السابقة ندى البستاني، بعدما استبعَدَ النائب روجيه عازار نفسه عن السباق الانتخابي.
وتتقاطع الإحصاءات الانتخابية عند احتمال خروج التيار بنائب واحد فقط عن كسروان (البستاني)، وثانٍ عن جبيل هو سيمون أبي رميا بعدما منحته الدائرة قبل أربع سنوات أربعة نوّاب.
فعليّاً المعركة في كسروان هي على مقعدين من أصل خمسة مقاعد للموارنة. فلائحة التيار، وفق التقديرات، ستحظى في كسروان بحاصل واحد يضمن فوز البستاني، مع مقعد شبه مضمون لفريد الخازن وآخر لنعمة إفرام. و”ينشغل” من فوق الطاولة وتحتها لكي يحصل خرق من جانب لائحة المجتمع المدني التي لا وجوه بارزة فيها بعد.
بهاء في كسروان!
ويُسجّل كسروانيون دخول بهاء الحريري على خطّ انتخابات كسروان من خلال تبنّي ترشيح سليم الهاني، الذي تربطه علاقة بيزنس مع جيلبير الشاغوري، وتعرّف على بهاء من خلال سعد الحريري!! لكن يجزم كثيرون أن لا حظوظ له.
حتّى الآن لا وضوح في التحالفات وشكل اللوائح. وفيما سَرَت معلومات عن احتمال تحالف التيار الوطني الحر مع فريد الخازن بهمّة حزب الله لجمع حلفائه في المناطق، تنفي مصادر الخازن هذا الأمر.
أمّا المعالم الأوّليّة للّوائح فهي على الشكل التالي:
– لائحة التيار الوطني الحر التي تفتّش عن “ركّاب” من غير الحزبيين لرفع الحاصل. وأوّل الأسماء منصور البون، ويتمّ الحديث عن شقيق رئيس بلدية بقعتوتة أو ابنه بسبب شبكة المصالح مع جبران باسيل.
– لائحة القوات اللبنانية التي تضمن حتّى الآن فوز شوقي الدكاش (كسروان) وزياد حواط (جبيل)، وتسعى إلى حاصل ثالث يقول متابعون إنّه قد يتحقّق إذا تحالفت مع زياد بارود. وانضمّ إلى اللائحة حتّى الآن شربل عازار وأنطوان صفير. وكانت القوات قد سجّلت تقدّماً في انتخابات 2018 مقارنة بـ 2009. ونال الدكاش 10 آلاف صوت في كسروان، فيما نال زياد حواط أكثر من 14 ألف صوت، متخطّياً القدرة التجييرية للقوات نفسها.
-لائحة نعمة إفرام الذي يسعى إلى أن يكون واجهة للائحة محسوبة على المجتمع المدني، لكنّ لعبته مفضوحة وتتمّ محاربته على هذا الأساس بعد جلوسه طويلاً إلى طاولة تكتّل العهد القويّ، ولأنّه يتماهى مع “السيستم” الذي أوصل البلد إلى الانهيار. ويتحالف إفرام مبدئيّاً مع الكتائب والكتلة الوطنية، وهو من الطامحين إلى حاصل ثانٍ يوصل مرشّح الكتائب أو نائب جبيل الشيعي. وهو بالتأكيد لم يترك العونيين ليرتمي في أحضان القوات، لكنّه يستفيد من بعض أصوات محازبيها والمؤيّدين لها.
– لائحة النائب فريد الخازن الذي تجزم أوساطه أنّه حافظ على الـ9 آلاف صوت تفضيليّ في كسروان مع ألفيْ صوت في جبيل، ويحتاج إلى حليف الضرورة ليصل إلى العتبة. ويتمّ الحديث عن تحالف قد يجمعه مع ابن جبيل فارس سعيد وابن كسروان منصور البون أو مع واحد منهما. وللخازن أيضاً خيار ثانٍ “قيد الطبخ”. وقد فازت لائحة الخازن في الدورة الماضية بمقعدين، فاز بأحدهما مصطفى الحسيني عن المقعد الشيعي. وقد تحالف يومها مع فارس سعيد والكتائب.
يُسجّل كسروانيون دخول بهاء الحريري على خطّ انتخابات كسروان من خلال تبنّي ترشيح سليم الهاني، الذي تربطه علاقة بيزنس مع جيلبير الشاغوري
رفع الحاصل؟
وفارس سعيد قد يجد نفسه، إذا اقتضت الضرورة الانتخابية، متحالفاً مجدّداً مع فريد الخازن حليف خطّ الممانعة. هذا ويلحظ عارفو سعيد تغييراً في النبرة والمضمون بين مجالسه الخاصة وكلام المنابر حين يتحدّث عن حزب الله وشيعة جبيل.
يقول سعيد أمام زوّاره: “أرى نفسي أقرب إلى فريد الخازن، لكنّ بيننا تباعداً في السياسة”.
وفي سياق “خبريّات” كسروان الانتخابية، التقى كلّ من منصور البون وفارس سعيد ببهاء الحريري أخيراً في فرنسا. ويبدو أنّ مرشّح الحريري سليم الهاني يفضّل سعيد على اللائحة من دون البون بسبب القوة الانتخابية للأخير، ولأنّ أيّ لائحة تجمع هذا الثلاثي قد تتوّج البون نائباً عن كسروان.
معضلة شامل روكز
حتّى الآن يعاني شامل روكز معضلة انتخابية قد تخسّره مقعده النيابي بسبب محاربة التيار وباسيل له، وتركيز الرئيس عون على توفير درع حماية لوريثه جبران، إضافة إلى عدم وضوح هويّة اللائحة التي سيؤلّفها أو يلتحق بها، مع العلم أنّه يسعى إلى التماهي مع غير الحزبيين.
المجتمع المدنيّ
ضمن سياق حراك المجتمع المدني في كسروان-جبيل، تتواصل “نحو الوطن” برئاسة رندلى بيضون مع نعمة إفرام. وثمّة خلافات اليوم بين إفرام والكتائب بسبب رفض سامي الجميل تبنّي ترشيح النائب السابق غسان مخيبر (انضمّ إلى “مشروع وطن”) في المتن. فيما “كلّنا إرادة” (برئاسة ألبير كوستانيان-الكتائبيّ السابق)، التي تُعدّ جزءاً من المجتمع المدني، تجيّر كلّ رصيدها لسامي ومرشّحيه في المناطق. في المقابل ترفض “نحو الوطن” وضع يدها في يد الأحزاب، وينشط حزب “سبعة” في السياق نفسه.
لكن ضمن اللعبة الكسروانية، التي تغلب عليها العصبيّات العائلية، وتستنفر الأحزاب والشخصيّات المستقلّة لجذب المتردّدين، لا خبز لـ”المجتمع المدني وجماعة الثورة”، خصوصاً إذا تعدّدت اللوائح وتشتّتت الأصوات.
ويجري الحديث عن احتمال انضمام يمنى الجميّل إلى لائحة إفرام تحت شرط تخلّي الأخير عن ترشيح سليم الصايغ. حتّى الآن لم تحسم يمنى ترشيحها في المتن أو كسروان أو زحلة.
“الشيطان الأكبر”
تحوّل حزب الله في الدائرة الانتخابية التي تضمّ خمسة مقاعد للموارنة في كسروان، ومقعدين مارونيّين ومقعداً شيعيّاً في جبيل، إلى ما يشبه “الشيطان الأكبر” لناحية محاذرة الأحزاب والشخصيات الكسروانية التحالف معه علناً والاستفادة من بلوك شيعي محسوب عليه يفوق تسعة آلاف صوت، بما في ذلك حليفه الأوّل التيار الوطني الحر الذي لم يتحالف معه أيضاً عام 2018.
إقرأ أيضاً: انتخابات “آخر العهد”: ماذا سيبقى من التيّار؟
ويحاول الحزب عدم تكرار خطأ الانتخابات الماضية بتبنّي ترشيح حزبيّ، بل يسعى إلى أن يكون من ضمن النسيج الجبيليّ. ويتمسّك التيار بمرشّحه السابق للانتخابات ربيع عوّاد المرفوض من حزب الله، فيما “جارٍ التفتيش” لدى الحزب عن مرشّحه في الدائرة.