لم يحدّد التيار الوطني الحرّ حتى الآن تاريخ إجراء المرحلة الثالثة من الانتخابات التمهيدية، بانتظار هدوء عاصفة نتائج المرحلة الثانية التي أجّجت نار الخلافات بين محازبيه الذين يستعدّون لخوض غمار الاستحقاق النيابي المفترض إجراؤه في أيار.
هذه المرّة ارتأى رئيس التيار جبران باسيل مهاتفة معظم المرشّحين، ومن ضمنهم النواب، وإبلاغهم بالنتائج من دون دعوتهم إلى منزله في البيّاضة كما فعل المرّة الماضية.
وقد خصّ البعض بلقاءاتٍ مباشرة في ظلّ تشكُّك كبير في النتائج بسبب قيام “قيادة التيار” نفسها بالاستطلاعات وعدم وضوح الآليّة والأرقام، والأهمّ عدم علانيّتها.
لم يحدّد التيار الوطني الحرّ حتى الآن تاريخ إجراء المرحلة الثالثة من الانتخابات التمهيدية، بانتظار هدوء عاصفة نتائج المرحلة الثانية التي أجّجت نار الخلافات بين محازبيه
يتقاطع هذا الواقع مع استنتاج يَعرِفه العديد من أهل التيّار، وحتى خصومه، وهو أنّ “تجربة الانتخابات الداخلية بكلّ عروضها “الديموقراطية” لا تحجب واقع أنّ جبران هو المقرّر الأوحد في الترشيحات والتحالفات بغضّ النظر عن لغة الأرقام”. حتى إنّ الحزبيين، الذين استبعَدوا أنفسهم من السباق الانتخابي لدواعي البيزنس أو الحسابات الشخصية، قد ينزلون بالباراشوت مجدّداً حين تَجهز اللوائح العونية بصيغتها النهائية، وذلك خلافاً للنظام الداخلي.
وكان باسيل قد تجاهل نصيحة قُدّمت له بعدم الركون إلى هذه الانتخابات، باعتبارها كفيلة بتظهير عمق الخلافات الداخلية.
“دَرس” جبران
لعلّ “الدرس” الأساس الذي تعلّمه جبران من الانتخابات التمهيدية داخل حزبه هو أنّ بعض النواب تحوّلوا إلى أرقامٍ صعبة لم يعد بإمكانه عقد الـDeals الانتخابية بمعزل عن قوّتهم الانتخابية.
نتحدّث هنا عن نواب أمثال آلان عون وسيمون أبي رميا وإبراهيم كنعان… هؤلاء تحوّلوا إلى “حالاتٍ خاصة” ضمن مناطقهم الانتخابية، ومشكلة باسيل معهم ليست الآن، إنّما بعد خروج ميشال عون من قصر بعبدا. وذلك بسبب التباعد بينهم وبين “الوريث” الحزبي والسياسي للتيار، وبسبب اقتناعهم بأنّ باسيل حاول في الفترة الماضية “كَسْرَهم” في مناطقهم، لكنّه لم ينجح.
وبعد طيّ هاتين المرحلتين يباشر التيار صوغ تحالفاته التي تسبقها المرحلة الثالثة من استطلاعات الرأي. وهي أزمة تفوق بتعقيداتها ونتائجها ما جنته أيادي جبران من سياساته داخل التيار التي فرّقت بين المحازبين ورفعت المتاريس بينهم وشقّت الصفوف الحزبية بصمت.
تفيد المعطيات أنّ أكثر من نائب عوني حزبي كانوا بصدد مقاطعة الانتخابات الداخلية، لكن في اللحظة الأخيرة عَدلوا عن “القرار الكبير” باستثناء أسود
فضيحة جزّين
وتُقدّم جزّين نموذجاً عن التخبّط داخل التيار الباسيلي. فهناك خلافٌ مُستشرٍ بين النائب زياد أسود والنائب السابق أمل أبو زيد تكفّلت الانتخابات الداخلية بتوسيع رقعته إلى حدّ توقّع أن يكون له تأثير على نتائج التيار في أيار المقبل.
وتفيد المعطيات في هذا السياق أنّ أكثر من نائب عوني حزبي كانوا بصدد مقاطعة الانتخابات الداخلية، لكن في اللحظة الأخيرة عَدلوا عن “القرار الكبير” باستثناء أسود.
في المرحلة الثانية، التي توسّعت خلالها عملية التصويت للمرشّحين من المحازبين إلى المؤيّدين، عاد أسود وتقدّم على أبو زيد بفارق ضئيل.
بالنتيجة، خلاف أسود-أبو زيد يتعمّق أكثر. ووفق المعطيات، أبلغ الطرفان باسيل أنّهما لن يوافقا على أن يكونا معاً في لائحة واحدة في الانتخابات المقبلة، وأنّ على باسيل الاختيار بين واحدٍ منهما.
وهذا يعني أنّ باسيل قد يتلقّى ضربة قاسية في جزّين مع احتمال حصول التيار على حاصل واحد، أي نائب ماروني من أصل مقعدين مارونيّين ومقعد كاثوليكي، أو صفر حاصل بعدما تمكّن في انتخابات 2018 من أن يظفر بنائبين هما زياد أسود (ماروني) وسليم خوري (كاثوليكي) من خلال التحالف مع عبد الرحمن البزري والجماعة الإسلامية.
الخيار الصعب
لذلك يبدو باسيل أمام خيار صعب. فإذا التزم بأمل أبو زيد على اللائحة سيذهب زياد أسود نحو التصعيد، وإذا “أخذ” أسود على اللائحة قد يكون لديه مشكلة فعليّة في التحالفات وتبادل الأصوات مع الثنائي الشيعي والشخصيات السنّيّة في صيدا بسبب مواقف الأخير الهجومية والعالية السقف بالاتجاهين.
وقد رُصِد في هذا السياق قيام وفد من التيار برئاسة أبو زيد بزيارات انتخابية في الفترة الماضية للنائب بهيّة الحريري والأمين العام للتنظيم الشعبي الناصري أسامة سعد والرئيس السابق لبلدية صيدا عبد الرحمن البزري والجماعة الإسلامية من دون مشاركة أسود.
باسيل قد يتلقّى ضربة قاسية في جزّين مع احتمال حصول التيار على حاصل واحد، أي نائب ماروني من أصل مقعدين مارونيّين ومقعد كاثوليكي، أو صفر حاصل
باسيل يلحق… بأسود
حزب الله سيجد نفسه أمام معضلة انتخابية في ظلّ الخلاف المستشري بين حركة أمل والتيار، فيما صبّ الثنائي الشيعي أصواته التفضيلية في الانتخابات الماضية لمصلحة إبراهيم عازار (11,663 صوتاً) متفوّقاً بها على أسود (4,393 صوتاً).
والأرجح أنّ حزب الله سيترك الحرّية لناخبيه، خصوصاً في حال ترشيح أسود الذي اعتمد منذ سنوات خطاباً تصعيدياً بوجه حزب الله وحركة أمل وتيار المستقبل عاد جبران باسيل وتلحّف به قبيل أشهر من انتخابات أيار 2011، تماماً كما فعل مع حركة أمل قبل انتخابات 2018 ليعود ويخطب ودّها مجدّداً بعد إقفال صناديق الاقتراع.
لذا يمكن القول إنّ باسيل عاد اليوم لينطق بلسان زياد أسود وناجي حايك والأخير التقى قبل أسابيع أحد حكام واحدة من دول مجلس التعاون الخليجي، وطبعاً ليس السعودية.
يُذكَر أنّ قوة أبو زيد، ابن مليخ، ليست فقط في خدماته في دائرته الانتخابية و”ملاءته” الماليّة، إنّما أصوات الناخبين الشيعة في قرى جبل الريحان.
وحتّى الآن يبدو الحليف الأكثر احتمالاً في دائرة جزّين-صيدا، التي تضمّ خمسة مقاعد (2 سُنّة، 2 موارنة، كاثوليكي)، هو عبد الرحمن البزري الذي لا يوفّر التحالف معه الحاصل المطلوب للائحة التيار.
باسيل الذي، من باب معايرة “الحلفاء” الذين تركوا طاولة تكتّل لبنان القوي، سبق أنّ هدّد في أحد خطاباته باحتمال “توجّهنا لخوض الانتخابات بمرشّحين حزبيين فقط”، لا يبدو مرتاحاً إلى وضعه “الحزبي” في كلّ الأقضية، ومنها دائرته الانتخابية: الشمال الثالثة.
يعود ذلك إلى ضعف تحالفاته، وفتح باسيل حروباً بوجه الجميع تقريباً، وتراجع شعبيّة التيار في المناطق، ولأنّ المفاضلة بين المرشّحين الباسيليين في بعض المناطق كجزّين وبعبدا وجبيل وكسروان سيؤثّر سلباً على القواعد… والأهمّ لأنّ العهد في “آخر أيّامه”.
في بعبدا التيّار… “تيّاران”
بعبدا مثلاً، حيث حصد التيار في الانتخابات الماضية نائبين، ستخرج من انتخابات أيّار بنائب واحد هو آلان عون، فيما تمّ استبعاد حكمت ديب من السباق الانتخابي.
وسيواجه التيار في بعبدا لائحة من عونيين سابقين، تحت مسمّى “الخطّ التاريخي”، يرأسها ابن شقيق رئيس الجمهورية نعيم عون والقيادي السابق في التيار رمزي كنج، بالإضافة إلى قوى معارضة كالكتائب والكتلة الوطنية والمجتمع المدني.
وفي كسروان “ستزمّ” الكوتا من نائبين إلى نائب واحد مع التزام باسيل بترشيح وزيرة الطاقة السابقة ندى البستاني، وانضمام شامل روكز إلى لائحة منافسة. وفي جبيل قوّة سيمون أبي رميا تفرض نفسها على باسيل فيما عينه على نائب جبيل الشيعي.
مقعد زحلة المارونيّ “بخطر”
أما في زحلة، حيث حصد النائب سليم عون في الانتخابات الماضية 5,567 صوتاً، فإنّ التيار يحتاج إلى 13 ألف صوت لينال الحاصل الانتخابي.
وسليم عون الحزبي القويّ، الذي حلّ أوّلاً في الاستطلاع الداخلي، بحاجة إلى رافعة أصوات أبعد من حليفه حزب الله ليُبقي على مقعده. حيث إنّ الأخير لن يكون قادراً على رفده بأكثر من ألفي صوت لضمان المقعد الشيعي له، فيما حركة أمل تغرّد تماماً خارج السرب العوني.
يُذكَر أنّ تحالف حزب الله-التيار في زحلة حجمه حاصل ونصف الحاصل. وفي انتخابات 2018 أدّى التحالف مع تيار المستقبل إلى تجيير بين 10 و12 ألف صوت للّائحة، والتحالف مع ميشال الضاهر، الذي غادر لاحقاً طاولة تكتّل لبنان القوي، جيرّ للّائحة بين 9 و10 آلاف صوت.
إقرأ أيضاً: العهد مطوَّق… وبرّي يربح بالنقاط
وثمّة من يقول بأنّ المعركة الحقيقية في زحلة ستكون على المقعديْن الماروني والأرثوذكسي، خصوصاً مع فكّ التحالف الانتخابي بين المستقبل والتيار وكسر الجرّة بين التيار وضاهر.
في المتن، سيخسر التيار قدرته على حصد ثلاثة حواصل، وتحالفه مع “الطاشناق” لن يكون كافياً للخروج بغلّة من ثلاثة نواب ماروني وأرثوذكسي وكاثوليكي.
وفيما يتسلّى الوزير السابق إلياس بو صعب بـ “اللعب بأعصاب” إبراهيم كنعان عبر تسريبه للإعلام بأنّه الأقوى متنيّاً، مع العلم أنّه لم يترشّح في الانتخابات الداخلية، فإنّ التيّار مُربَك في تحالفاته المتنيّة، وقد يُخفّض سقفه إلى حدّ التحالف مع حفيد ميشال المرّ، الطارئ على اللعبة الانتخابية، ووريث مقعد آل المرّ، بِحكم شجرة العائلة، بعد انكفاء رئيسة اتحاد بلديات المتن الشمالي ميرنا المرّ، صاحبة شبكة العلاقات الواسعة متنيّاً والأقوى نفوذاً، عن الترشّح للانتخابات.