العهد مطوَّق… وبرّي يربح بالنقاط

مدة القراءة 7 د

بعد ساعات قليلة من صدور المرسوم الرئاسي، ردّ رئيس مجلس النواب نبيه برّي على “تحديد” رئيس الجمهورية ميشال عون جدول أعمال العقد الاستثنائي لمجلس النواب. كان الردّ دقيقاً، ليستكمل مسار “الحرب الكبرى” بينهما.

وهكذا اشتعلت “جبهة” الصلاحيّات مجدّداً، وتوتّرت الأجواء المتوتّرة أصلاً، فيما لم يوقف الوسيط الدائم، المدير العامّ للأمن العام اللواء عباس إبراهيم، مساعيه لتبريد النفوس المحقونة بين الطرفين.

مصدر نيابي لـ”أساس”: ردّ برّي لا يُفهَم منه سوى التحرّر الكامل من نصّ المرسوم الذي وقّعه رئيس الجمهورية لناحية البنود المُدرجة فيه

اعتبر عون أنّ تحديد جدول الأعمال من صلاحيّات رئيس الجمهورية وفق المادة 33 من الدستور التي تتيح له، بالتوافق مع رئيس الحكومة، الدعوة إلى عقودٍ استثنائية بمرسومٍ يُحدِّد افتتاحها واختتامها وبرنامجها. وتفيد المعلومات أنّ طلب عون عدم فتح دورة استثنائية كاملة حتى 22 آذار، موعد بدء العقد العادي لمجلس النواب، رفض بشكل مطلق من قبل الرئيسين برّي وميقاتي. وذهب برّي باتجاه العريضة النيابية لفتح الدورة الاستثنائية والتي حقّقت حتى يوم الأوّل من أمس 62 توقيعاً من النواب.

وأتى ردّ برّي “تعقيباً على النصّ” الرئاسي الذي أشار إلى افتتاح واختتام العقد الاستثنائي “وفق برنامج أعمال محدّد”، وذلك عبر تأكيد برّي أنّ “المجلس سيّد نفسه، ولا يقيّده أيّ وصفٍ للمشاريع أو الاقتراحات التي يقرّر مكتب المجلس طرحها، ويعود لرئيس الجمهورية حقّ الردّ بعد صدورها عن الهيئة العامّة إلى المجلس”، قائلاً “هذا حكم الدستور وما استقرّ عليه الاجتهاد”.

يقول مصدر نيابي لـ”أساس” إنّ “ردّ برّي لا يُفهَم منه سوى التحرّر الكامل من نصّ المرسوم الذي وقّعه رئيس الجمهورية لناحية البنود المُدرجة فيه. وهذا يعني أنّ المجلس لن يتقيّد بما ذكره المرسوم فقط من الاقتراحات، التي قد يقرّر مكتب المجلس طرحها على مجلس النواب، وقد يضيف إليها قوانين أخرى”.  

الحرب الساخنة

بات من المسلّم به أنّ الحرب الساخنة بين الرئاستين الأولى والثانية ستظلّل الأشهر المتبقّية من عمر العهد، وسيكون الخلاف على إقرار بعض القوانين ومساءلة الحكومة واستئناف مجلس الوزراء اجتماعاته إحدى أكثر جبهاتها اشتعالاً، خصوصاً أنّ الرأي السائد في القصر الجمهوري هو رفض أن تبحث الحكومة فقط في مشروع الموازنة، بل أن يشمل جدول أعمالها سلسلة ملفّات مصيرية يُفترض أن يلاقيها مجلس النواب في عقده الاستثنائي الذي يُفتَتح بدءاً من يوم الإثنين المقبل.

وأتى موقف رئيس الحكومة السابق سعد الحريري أمس، بعد موقف القوات اللبنانية، برفض المشاركة في طاولة الحوار التي دعا إليها رئيس الجمهورية، ليُكرّس واقع تطويق فريق العهد على كامل الجبهات، من الحكومة إلى مجلس النواب وصولاً إلى طاولة الحوار في بعبدا.

بات من المسلّم به أنّ الحرب الساخنة بين الرئاستين الأولى والثانية ستظلّل الأشهر المتبقّية من عمر العهد، وسيكون الخلاف على إقرار بعض القوانين ومساءلة الحكومة واستئناف مجلس الوزراء اجتماعاته إحدى أكثر جبهاتها اشتعالاً

لا حكومة من “خُرم” الموازنة

حتى من “خُرم” الموازنة لا يبدو استئناف مجلس الوزراء جلساته متاحاً، أقلّه خلال الأسبوعين المقبلين. تعترض ذلك موانع سياسية وأخرى متعلّقة بـ”وضعيّة” الموازنة نفسها التي لا تزال تحتاج إلى ورشة مفتوحة لبحث أرقامها في وزارة المال قبل وصولها إلى الأمانة العامّة لمجلس الوزراء.

الأمر المؤكّد في المشهد، الذي تلا لقاء ميقاتي والرئيس عون صبيحة الأربعاء، هو فقدان رئاسة الجمهورية كلّ أوراق المناورة في شأن فتح الدورة الاستثنائية لمجلس النواب تحت ضغط العريضة النيابية التي كانت حاضرة بتواقيعها لتُلزِم عون بالعقد الاستثنائي.

مناورة ميقاتي

الأمر الثاني المؤكّد أنّ درب الحكومة غير سالك حتى إشعار آخر. ولفت أمس موقف المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان الذي قال إنّ “أسباب تعليق جلسات الحكومة معروفة جداً، والجريمة السياسية تبدأ بالخناجر المسمومة، وليس بالضحية، مشيراً إلى أنّ “المطلوب ضمان سياسي، بعيداً عن لعبة المكائد لأنّ المشكلة بدأت بالسياسة وبها تنتهي”.

وقد ربط الثنائي الشيعي صدور موقف صريح منه في شأن انعقاد الحكومة لإقرار الموازنة، بعد وصولها إلى رئاسة الحكومة… لكن حتى ذلك الحين “الله بيفرجها”.

فقول ميقاتي من قصر بعبدا إنّ موازنة 2022 باتت جاهزة، ليس صحيحاً لأنّها “ليست جاهزة”. وكعادته يُبخّر ويُملّح ويناوِر ثمّ يصطدم بالحائط.

وزير المال يُكذّب ميقاتي

وفي السياق نفسه، أتى “وعد” ميقاتي بأنّه فور تسلّمه الموازنة خلال اليومين المقبلين، سيدعو إلى اجتماع مجلس الوزراء لإقرارها وإحالتها الى مجلس النواب. لكنّ الواقع غير ذلك، وكذلك وزير المال يوسف خليل الذي يقول في مجالسه إنّ الموازنة تحتاج أقلّه إلى أسبوعين للانتهاء منها.

وحتّى تأكيد ميقاتي أنّه “سيتمّ الإفراج اليوم (أي الأربعاء الفائت) عن الاستحقاقات المالية التي كان سبق أن وعد بها موظّفي القطاع العام والإدارات العامة”، ثبُتَ عدم صحّته.

دولار الموازنة

وفق المعطيات أنجزت وزارة المال الشقّ المرتبط بالموادّ القانونية في الموازنة، لكنّ معضلة الأرقام لا تزال قائمة. وفيما لم يُحسَم النقاش المتعلّق بانتهاء العمل رسميّاً بسعر صرف الدولار عند 1507 ليرات مقابل الدولار الواحد، فإنّ وزارة المال ستكون عاجزة عن تحويل مشروع الموازنة 2022 إلى رئاسة الحكومة من دون بتّ مسألة سعر الصرف الذي سيتمّ على أساسه استيفاء واردات الخزينة، وبالتالي السعر الذي سيتمّ تثبيت أرقام الموازنة وفقه.

والمقرِّر الرئيسي لهذه العملية هو مثلّث رئيس الحكومة وحاكم مصرف لبنان ووزير المال في ظلّ وجود أسعار صرف متعدّدة ومتفاوتة لم يسبق لأيّ نظام مالي لأيّ دولة أن شهد مثيلاً لها سابقاً.

والسؤال الكبير: هل يمكن تثبيت سعر صرف واحد للمعاملات الرسمية وكلّ ما يمكن أن يُدخل إيرادات إلى الخزينة العامة بمنأى عن خطة التعافي المالي والاقتصادي التي تحتاج إلى توافق سياسي مفقود حتى الآن وإلى حين انعقاد مجلس الوزراء؟

مساءلة الحكومة

يمرّ الوقت ثقيلاً جداً، وبكلفة عالية، على ميشال عون وفريقه السياسي على بعد أربعة أشهر فقط من دخول مدار الانتخابات النيابية. و”مَطلبه” بأن تكون جلسات الحكومة غير محصورة فقط بالموازنة لم يَضمن الالتزام به من جانب الأفرقاء السياسيين قبل وضع توقيعه على مرسوم الدورة الاستثنائية لمجلس النواب. مع العلم أنّه أبلغ مقربين منه أنّ ميقاتي لن يلتزم بالدعوة إلى جلسة لمجلس الوزراء، ولكن ماذا يفعل أمام عريضة النواب التي تلغي الحاجة إلى توقيعه لفتح الدورة الاستثنائية.

ووفق المعلومات، تمّ التوافق بين عون وميقاتي على جدول أعمال العقد الاستثنائي مع تحفّظ من رئيس الحكومة على البند الأخير في شأن مساءلة الحكومة.

وتقول أوساط رئاسة الجمهورية ولو “متأخّرة” إنّ “عون لم يكن أصلاً ضدّ فتح دورة استثنائية لأنّها مطلب ضروري لملاقاة عمل الحكومة. وقد وُضِع جدول الأعمال بما يتناسب مع المصلحة العامّة في إقرار القوانين الملحّة”.

وضمّن عون جدول أعمال العقد الاستثنائي “القوانين المصدّقة، التي قد يطلب رئيس الجمهورية إعادة النظر فيها”، وهو ردّ قانون الدولار الطالبيّ “بهدف تحصينه وتحقيق المساواة بين الطلاب اللبنانيين”.

وتضمّن المرسوم أيضاً مشاريع أو اقتراحات قوانين ملحّة تتعلّق بالانتخابات النيابية ومشاريع القوانين التي ستُحال إلى مجلس النواب، وهذا يعني إلزامية اجتماع الحكومة لإحالتها.

إقرأ أيضاً: عون يستسلم أمام العريضة النيابيّة

ووردت في المرسوم اقتراحات القوانين الطارئة والمستعجلة والضرورية المتعلّقة بالإصلاحات اللازمة والضرورية أو بخطة التعافي المالي أو بالأوضاع المعيشية الملحّة التي يقرّر مكتب المجلس طرحها على المجلس، وذُكِر فيه بالتحديد اقتراح القانون الرامي إلى تمديد العمل بالقانون رقم 200/2020 حول تعليق العمل بالسريّة المصرفية، والكابيتال كونترول، واقتراح قانون استعادة الأموال المحوَّلة إلى الخارج، ومشروعيْ قانونيْ الموازنة للعامين 2021 و2022.

وجميع البنود التي وردت في مرسوم الدورة الاستثنائية، سبق لعون وباسيل أن تطرّقا إليها في خطابيْهما الأخيرين من بعبدا وميرنا الشالوحي.

مواضيع ذات صلة

مشاورات “الأعياد”: لا 65 صوتاً لأيّ مرشّح بعد!

تَجزم مصادر نيابية لموقع “أساس” بأنّ المشاورات الرئاسية في شأن جلسة التاسع من كانون الثاني قد تخفّ وتيرتها خلال فترة الأعياد، لكنّها لن تتوقّف، وقد…

السّيناريو البديل عن الانتخاب: تطيير الجلسة تحضيراً لرئاسة ترامب!

في حين يترقّب الجميع جلسة التاسع من كانون الثاني، يحتلّ عنوانان أساسيّان المشهد السياسي: من هو الرئيس المقبل؟ وهل يحتاج موظّفو الفئة الأولى، كقائد الجيش…

1701 “بضاعة” منتهية الصّلاحيّة؟

لا شكّ أنّ ما يراه المسؤولون الإسرائيليون “فرصة لا تتكرّر إلّا كلّ مئة عام” في سوريا تتيح، بعد سقوط نظام بشار الأسد، اقتطاع منطقة من…

الثنائي وترشيح عون: سوياً ضده… أو معه

كعادته، وعلى طريقته، خلط وليد جنبلاط الأوراق عبر رمي قنبلة ترشيحه قائد الجيش العماد جوزف عون لرئاسة الجمهورية، ليحرّك مياه الرئاسة الراكدة. قبيل عودته إلى…