“المملكة العربيّة السّعوديّة باتت تصنَع صواريخها الباليستيّة في قاعدة الوطح (أو الدّوادمي) قُربَ الرّياض بمُساعدةٍ صينيّة بعدما كانت تشتريها”. هذا ما نشرته شبكة CNN الأميركيّة، النّاطقة بلسان الحزب الدّيموقراطي، في تقريرٍ عُرِض يوم الخميس الماضي. الضّجّة التي أثارها التّقرير وكأنّه يعرض معلومات تُنشر لأوّل مرّة، هي في الحقيقة إعادة إنتاجٍ لتقرير نشرته صحيفة واشنطن بوست ، الدّيموقراطيّة الهوى أيضاً، مطلع سنة 2019.
لماذا تُعيد CNN نشر التّقرير الذي مضت عليه سنتان، وفي “الوقت الضّائع” ما بيْن الجلستين السّابعة والثّامنة من مُحادثات فيينا النّوويّة بين المجموعة الدّوليّة وأميركا وإيران؟ هل تُرسِل واشنطن إشارات لطمأنة عاصمة الملالي إلى أنّها لن تُناقش ملفّ برنامج صواريخها الباليستيّة في حال اكتملت “الصّفقة النّوويّة”؟
لَفتَ مصدرٌ في وزارة الخارجيّة الأميركيّة لـ”أساس” إلى أنّ إدارة بلاده تُدرك مخاوف السّعوديّة على أمنها بسبب قربها الجغرافيّ من إيران
لم يستبعد مصدر سعوديّ مسؤول عبر “أساس” هذه الفرضيّة، وقال إنّ من المُمكن أن تكون الغاية من نشره تزامناً مع تعليق مُحادثات فيينا النّوويّة مع إيران، طمأنة الأخيرة إلى أنّ الولايات المُتّحدة لن تبحث ملفّها الصّاروخيّ، خصوصاً أنّ “غريمتها الأولى في المنطقة، السّعوديّة” باتت تمتلك تكنولوجيا تصنيع الصّواريخ البعيدة المدى، هذا إن صدقَت معلومات الشّبكة الأميركيّة وقبلها واشنطن بوست.
في المُقابل، لَفتَ مصدرٌ في وزارة الخارجيّة الأميركيّة لـ”أساس” إلى أنّ إدارة بلاده تُدرك مخاوف السّعوديّة على أمنها بسبب قربها الجغرافيّ من إيران، وقال: “رُبّما ليست الصّين هي الشّريك الأنسب لهذا الأمر”.
قضيّة الصّواريخ السّعوديّة ليست جديدة. ففي العودة إلى سنة 2013، نشرَت صحيفة “التّلغراف” تقريراً يفيد أنّ صوراً للأقمار الصّناعيّة أظهرَت أنّ المملكة نصبت منصّتيْ صواريخ عابرة للقارّات من طراز DF-3 الصّينيّة، يصل مداها إلى 4,000 كلم، وتبلغ حمولتها 2 طن من الموادّ الشّديدة الانفجار، واحدة موجّهة إلى العاصمة الإيرانيّة طهران، والثّانية نحو العاصمة الإسرائيليّة تل أبيب.
يومئذٍ، لم تُعلّق السّلطات السّعوديّة على تقرير التّلغراف، حتّى جاءَت مُناورات “سيف عبدالله” سنة 2014 في شهر نيسان. في ختام المُناورات استعرضت “قوّة الصّواريخ الاستراتيجيّة الملكيّة السعوديةّ” عدداً من صواريخ DF-3 أو ما يُعرَف باسم “رياح الشّرق”، وصاروخيْ “غوري” و”شاهين” الباكستانيّيْن بمدى يراوح بين 1100 و2300 كلم. وجديرٌ بالذّكر أنّ هذه الصّواريخ الاستراتيجيّة قادرة على حمل رؤوسٍ نوويّة.
كانَت الرّسالة السّعوديّة يومئذٍ مُدوّية. إذ اُستُعرضَت الصّواريخ أمام حضورٍ تقدّمه وليّ عهد المملكة حينئذٍ، الملك سلمان بن عبدالعزيز، وعاهل البحرين الملك حمد بن عيسى آل خليفة ووليّ عهد أبو ظبي الشّيخ محمد بن زايد آل نهيان، ووزير الدّفاع الكويتيّ الشّيْخ خالد الصّباح، وقائد الجيش الباكستاني الفريق أوّل رحيل شريف. جاءَ ذلك تزامناً مع اقتراب توقيع الاتفاق النّوويّ بين إيران وإدارة الرّئيس باراك أوباما، الذي لم يلحَظ أيّ ضمانات تتعلّق بالبرنامج الصّاروخيّ الإيرانيّ.
بكلامٍ آخر، هذه التّرسانة الاستراتيجيّة هي لحماية المملكة العربيّة السّعوديّة، والخليج العربيّ ككُلّ، من أيّ تهديدٍ مُحتمل ومن أيّ جهة أتى، وفي المُقدّمة إيران.
رفضَ المصدر السعوديّ تأكيد أو نفي ما أوردته الشّبكة الأميركيّة، لكنّه قال لـ”أساس” “إنّ المملكة تفعل ما هو الأصلحُ لها ولشعبها ولأمنها ضمن ما يُوافق القوانين والمواثيق الدّوليّة مع أيّ دولةٍ تراها القيادة السّعوديّة أهلاً لذلك”.
كانَ واضحاً في تقرير CNN مدى “الانزعاج” الأميركيّ من المعلومات الواردة. ووصَل هذا “الانزعاج” إلى حدّ التّلويح بفرض عقوبات أميركيّة على الضّالعين بالبرنامج الصّاروخي السّعوديّ.
رفضَ المصدر السعوديّ تأكيد أو نفي ما أوردته الشّبكة الأميركيّة، لكنّه قال لـ”أساس” إنّ المملكة تفعل ما هو الأصلحُ لها ولشعبها ولأمنها ضمن ما يُوافق القوانين والمواثيق الدّوليّة مع أيّ دولةٍ تراها القيادة السّعوديّة أهلاً لذلك
وفي هذا الإطار، قالت مصادر وزارة الخارجيّة الأميركيّة لـ”أساس” إنّ “السّعوديّة شريكٌ استراتيجيّ للولايات المُتّحدة، لكنّ واشنطن تدرُس إمكانيّة فرض عقوبات على شخصيّات صينيّة على صلة بتطوير البرنامج الصّاروخيّ في المملكة، وليس على مؤسسّات أو شخصيّات سعوديّة”.
وردّاً على سؤال عن القيام بنقل تكنولوجيا صواريخ باليستيّة حسّاسة بين الصّين والسّعودية، قال متحدّث باسم وزارة الخارجية الصينية لـCNN إنّ البلدين “شريكان استراتيجيّان، وحافظا على تعاونٍ ودّيٍّ في جميع المجالات، بما في ذلك مجال التجارة العسكريّة”. وأضاف أنّ “هذا التعاون لا ينتهك أيّ قانون دولي، ولا ينطوي على نشر أسلحة دمار شامل”.
التّرسانة الصّاروخيّة السّعوديّة
بحسب موقع Global Fire Power، تحتلّ المملكة المرتبة الـ17 على صعيد القوّة العسكريّة من بين 140 دولة. وتُشير التّقارير إلى أنّ السّعوديّة تمتلك 7 قواعد صاروخيّة، و300 منصّة إطلاق صواريخ مُتنوّعة.
تتنوّع الصّواريخ التي تمتلكها السّعوديّة. إذ أشار موقع “الدّفاع العربي” إلى أنّ المملكة تمتلك صواريخ “غروم 2” أو “رعد 2” الأوكرانيّة، وهي نظير صواريخ “إسكندر” الرّوسيّة بمدىً يراوح بين 50 و550 كلم.
وإلى جانب الصّواريخ القصيرة المدى، تمتلك “قوّة الصّواريخ الاستراتيجيّة الملكيّة السّعوديّة” صواريخ متوسّطة وبعيدة المدى من عائلة “رياح الشّرق” الصينيّة. إلّا أنّ عدد هذه الصّواريخ الباليستيّة بمختلف أجيالها غير معلوم، وذلك في إطار الحفاظ على السّريّة العسكريّة. لكن في الوقت عينه، تُلفت المواقع المُختصّة إلى أنّ عائلة صواريخ “رياح الشّرق” تضمّ أجيالاً مُتنوّعة من مدى 1500 حتّى 6000 كلم، مُعظمها قادرٌ على حمل رؤوسٍ نوويّة إذا دعت الحاجة.
إقرأ أيضاً: السعودية تكسر هيبة الحرس الثوري الإيراني
وتُؤكّد جميع التّصريحات السّعوديّة أنّ المملكة لا تسعى إلى حروبٍ في المنطقة، ولا إلى سباق تسلّح. لكن في الوقت عينه، يُؤكّد المعنيّون في الرّياض أنّ بلاد الحرميْن لن تقف مُتفرّجة على إصرار إيران على المضيّ في زعزعة استقرار المنطقة، والإصرار على التّسلّح بما يُهدّد أمن جيرانها. وهذا ما أكّده وليّ العهد الأمير محمّد بن سلمان في آذار 2018، في مقابلة مع شبكة “CBS” التلفزيونية الأميركيّة، بقوله: “في حال طوّرت إيران القنبلة الذريّة، فالسّعودية ستردّ بالمثل بأسرع وقت”… وللبحث تتمّة.