الغارة في صنعاء لكنّ دويّها وصل إلى طهران.
هي المرّة الأولى التي يجرؤ نظام عربي على إعلان قصفه أهدافاً إيرانية، ببيان رسميّ، وبتحديد الأهداف، في لهجة تحدٍّ غير مسبوقة، أعادت إلى الأذهان معنويات “التحالف العربي” يوم إعلان “عاصفة الحزم”، التي أعلنت انتهاء زمن وبداية زمن سعودي جديد.
هي ضربةٌ لم تتوقّعها إيران، ولا ذراعها اليمنيّة المُتمثّلة بميليشيات الحوثي، ولا حتّى حزب الله. ضربةٌ بمنتهى الدّقة طالت قاعدة الدّيلمي، حيث يتمركز خبراء إيرانيون، يحتمون بين أزقّة صنعاء، حيث أعلن التحالف العربي، “قصفَ مقرٍّ سّريٍّ لخبراء الحرس الثّوريّ الإيرانيّ وحزب الله”.
أكّدت المصادر أنّ تبادل المعلومات يأتي في إطار التّعاون الاستراتيجي التّاريخي مع السّعوديّة، وفي إطار مُكافحة برنامج “الطّائرات المُسيّرة الإيرانيّة” المُزعزعة للاستقرار في اليمن وفي الشّرق الأوسط
وقد جاء هذا الإعلان بتوقيت الرّياض، قبل أن تضبطَ طهران ساعتها النّوويّة، لتجلسَ على طاولة المُفاوضات مع المجموعة النّوويّة في فيينا. وهذا ليسَ تفصيلاً عابراً.
هكذا دخلَ الصّراع في اليمن منعطفاً جديداً، وحمل أربع دلالاتٍ غير مسبوقة:
أوّلاً: تزامنت الضربة والإعلان العربي عنها قبل أيام من انطلاق الجلسة السّابعة من مفاوضات فيينا النووية بين إيران والغرب. وحملت رسالة سعوديّة حاسمة تقول إن لا استقرار في المنطقة دون إيجادِ حلٍّ لمسألة الأذرع الإيرانيّة المُنتشرة على امتداد المنطقة العربية.
ثانياً: أكّدت الضّربة أنّ هويّة الصّراع في أرضِ اليمن هي بين العرب والإيرانيين، وليست بين اليمنيين والسعوديين. وكسرت الضربة “هالة” الحرس الثوري الإيراني، الذي كان يجول ويصول في أراضي العرب، مجنّداً المرتزقة، من دون أن يطاله أحد.
ثالثاً: وجّهت رسالة إلى حزبِ الله لتأكيد المؤكّد، بأنّ الحزب الآتي من لبنان يُقاتلُ العربَ من اليمن. وأنّ تصريحات وزير الإعلام اللبناني جورج القرداحي ليست إلا “صدىً” أو أصوات أبواق لآلة حزب الله العسكريّة، وحربه بالتكافل والتضامن مع إيران، على المملكة، من أرض اليمن.
رابعاً: تساءل مراقبون من أين حصلت قوات التحالف على المعلومات السريّة، وعمّا إذا كان قد حصل تغيّر استراتيجي في موازين هذه الحرب. ورجّح مراقبون أن الضربة الأخيرة جزء من بنك معلومات وأهداف حيوية لإيران وحزب الله في صنعاء ومحيط مطارها. ما قد يعيد رسم صورة المعركة اليمنية كلّها.
خامساً: كان مدوّياً الصمت الإيراني عقب الإعلان العربي عن قصف حرس الثوري. ما يؤذن بافتتاح زمن “الهجمة العربية المرتدّة” على الاحتلال الإيراني للدول العربية.
سادساً: أكّدت مصادر في وزارة الخارجيّة الأميركيّة لـ”أساس” أنّ الاستخبارات الأميركيّة قدّمت “معلومات قيّمة” للسّعوديّة عن مخازن وورش تصنيع وتجميع الطّائرات المُسيّرة والصّواريخ الباليستيّة في العاصمة صنعاء ومناطق أخرى”، وهذا دليل على أنّ التنسيق الاستخباري بين الرياض وواشنطن يتقدّم على عكس ما يقال.
أكّدت مصادر في وزارة الخارجيّة الأميركيّة لـ”أساس” أنّ الاستخبارات الأميركيّة قدّمت “معلومات قيّمة” للسّعوديّة عن مخازن وورش تصنيع وتجميع الطّائرات المُسيّرة والصّواريخ الباليستيّة في العاصمة صنعاء ومناطق أخرى”
ما هو موقف أميركا الرسمي؟
مستشار الأمن القومي الأميركي جاك سوليفان كان قد أعلن أنّ “أميركا تدعم الدفاع عن الأراضي السعودية بوجهها”، حين زار المملكة في تشرين الأول الماضي، بعد لقاء مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، حضره المبعوث الأميركي لليمن تيم ليندركينغ. وسريعاً جاءت الترجمة “الميدانية” لهذا “الدعم الأميركي”.
وأشارَت مصادر البيت الأبيض لـ”أساس” أنّ هذا اللقاء كان له دور كبير في تنسيق العمليّات وتزويد المملكة بالمعلومات الاستخباريّة اللازمة لحماية أراضيها والدّفاع عن نفسه.
وبحسب مصادر في وزارة الخارجيّة الأميركيّة، فإنّ تزويد التّحالف بهذا النّوع من المعلومات جاءَ ردّاً على اقتحام الحوثيين السّفارة الأميركيّة في اليمن، واحتجازهم مواطنين يمنيين يعملون موظّفين محليين في الّسّفارة.
وأكّدت المصادر أنّ تبادل المعلومات يأتي في إطار التّعاون الاستراتيجي التّاريخي مع السّعوديّة، وفي إطار مُكافحة برنامج “الطّائرات المُسيّرة الإيرانيّة” المُزعزعة للاستقرار في اليمن وفي الشّرق الأوسط. وأنّ مكافحة هذه الأنشطة “الإيرانيّة الخبيثة” هي أولويّة لدى الإدارة الأميركيّة وأنّها مسارٌ منفصلٌ عن التّفاوض حول الملفّ النّوويّ الإيرانيّ في فيينا.
في معلومات “أساس” عن “غارة الدّيلمي” أنّ التّحالف العربيّ استهدفَ مؤخّراً أكثرَ من موقعٍ يتبع للحرس الثّوريّ والحوثيين في صنعاء. وضرَبَ الحوثيّون أطواقاً أمنيّة مُشدّدة حول المواقع المُستهدفة ما صعّبَ عمليّة تقويم الخسائر البشريّة والمادّيّة
ماذا في التفاصيل؟
في معلومات “أساس” عن “غارة الدّيلمي” أنّ التّحالف العربيّ استهدفَ مؤخّراً أكثرَ من موقعٍ يتبع للحرس الثّوريّ والحوثيين في صنعاء. وضرَبَ الحوثيّون أطواقاً أمنيّة مُشدّدة حول المواقع المُستهدفة ما صعّبَ عمليّة تقويم الخسائر البشريّة والمادّيّة.
واللافت أنّه منذ شهر شباط الماضي، بدأت ميليشيات الحوثي هجوماً واسعاً على مُحافظة مأرب الاستراتيجيّة في محاولة للسيطرة عليها. استمدّ الحوثي يومها قوّته من الدّعم الإيرانيّ المفتوح، وإلى جانبه قرار الإدارة الأميركيّة بإلغاء قرار وزير الخارجيّة الأسبق مايك بومبيو باعتبار الميليشيات المدعومة من إيران مُنظّمة إرهابيّة، وتجميدها مبيعات أسلحة للسّعوديّة.
يومها، سوّق الإعلام الموالي لإيران أنّ سقوط مأرب ليسَ سوى مسألة وقتٍ. ومنذٌ ذلك الحين إلى اليوم سقطت مأرب في الإعلام الإيراني 15 مرّة كان آخرها قبل أسبوع… لكنّ الحقيقة أنّ مأرب تحوّلت إلى مستنقع استنزافٍ للحوثي ومن خلفه إيران. وقعت قوّات الحوثي في مصيدةٍ لطائرات التّحالف العربيّ التي أصابت الميليشيات بمقتلةٍ غير مسبوقة منذ بدءِ الصّراع في اليمن نتجَ عنها آلاف القتلى والمُصابين عدا عن الإصابات الفادحة بالمعدّات والنّاقلات والمُدرّعات.
مع الإخفاقات على جبهات مأرب، كان الحوثيّون يلجأون إلى محاولة استهداف الدّاخل السّعوديّ بالطّائرات المُسيّرة والصّواريخ الباليستيّة على وقع الإخفاقات الحوثيّة على جبهات مأرب، كانت “أميركا بايدن” تنعطفُ بموقفها من الأزمة اليمنيّة. فخرجَت تصريحات أميركيّة عديدة من وزير الخارجيّة أنتوني بلينكن ومُستشار الأمن القوميّ جايك سوليفان تؤكّد على إدانة الحوثيين والتزام واشنطن بأمن المملكة.
ردّ الفعل الأميركيّ بعد الغارة
بعد يومين من الغارة، وعلى بعد 50 كيلومتراً من الحدود السّعوديّة، في العاصمة البحرينيّة المنامة، خرجَ أوّل تصريحٍ أميركيّ على لسان وزير الدّفاع الأميركيّ لويد أوستن، الذي رفضَت المملكة سابقاً استقباله مرّتيْن. قال أوستن إنّ بلاده “ستُساعد السعودية في مواجهة هجمات الحوثيين من اليمن، وسنواصل دعم السّعودية حتى تصبح قادرة على صد كل هجمات الحوثيين”، مُشدّداً على “مواجهة التهديدات التي تمثلها المسيرات الإيرانية من أولوياتنا”.
إقرأ أيضاً: كيف ستردّ إيران على إسرائيل (2/2): اجتياح الجليل
كلام الجنرال أوستن عقبَ الغارة يؤكّدُ أنّ بلاده ساهمت في تزويد التّحالف بـ”بنك أهدافٍ”، وصفته مصادر دبلوماسيّة سعوديّة عبر “أساس” بأنّه “سيشكّل مفاجأة للميليشيات الحوثيّة ومن خلفها إيران وحزب الله”.
وأشارَت المصادر إلى أنّ الحرس الثّوريّ وحزب الله “يتحصّنون بين المدنيين والمنشآت المدنيّة مثل مطار صنعاء في اليمن”، لكنّهم “لن يكونوا بعيدين عن أعين القوّات الجوّيّة السّعوديّة في الأمكنة وفي اللحظات المُناسبة”.
هناك شيء استراتيجي يتغيّر في اليمن. أميركا غيّرت لهجتها وموقفها وسلوكها. السعودية و”التحالف العربي” ثابتان على موقفهما. والحوثيون يتساقط لهم آلاف القتلى على أبواب مأرب.
وللحديث تتمة.