بعد عدوان تموز 2006 على لبنان، خلصَت لجنة التحقيق الإسرائيلية “فينوغراد”، التي أُوكِلَت إليها مهمّة البحث في أسباب الإخفاق، إلى أن لا مهرب لإسرائيل من الاعتماد على قوّاتها البرّيّة وتطويرها في أيّ مواجهة مقبلة، وهذا ما فعله ويفعله الجيش الإسرائيلي منذ 2006.
لكن لن يكون الوضع على الجبهات في أيّ مواجهة مُقبلة مع إيران مُماثلاً لحرب تمّوز على الإطلاق. فبعد الثّورة السّوريّة في عام 2011، باتت إيران موجودة على الحدود مُباشرةً في الجولان، وتعملُ منذ سنوات على إنشاء ميليشيات في المنطقة تضمّ سوريين وعراقيين وأفغاناً ويمنيّين للمشاركة في المواجهة مع إسرائيل.
قبلَ أيّامٍ، ذكرَت صحيفة “معاريف” الإسرائيليّة أنّ احتمال شنّ هجومٍ على إيران في الأشهر القليلة المقبلة “ضئيلٌ”، وقد يستغرق الاستعداد له أكثر من سنة
والمُفارقة أنّ حدود الجولان باتت موصولة جغرافيّاً مع طهران عبر طريق البوكمال – بغداد – طهران.
وعليه فإنّ إسرائيل ستكون على موعدٍ مع ما لا يقلّ خطورة عن القصف الصّاروخي والطائرات المُسيَّرة، وهو الحرب البريّة مع لبنان وسوريا وقطاع غزّة في وقتٍ واحد. هذا من دون إغفال تهديدات السّيّد نصرالله الدّائمة بأنّ حزب الله سينقل أيّ مواجهة مع الجيش الإسرائيلي إلى الدّاخل عبر ما سمّاه “اجتياح الجليل”. وهذه تجربة لم تخُضها إسرائيل منذ نشأتها. وقد أعدّ الحزب فرقةً خاصّةً لهذه المُهمّة سمّاها “فرقة الرّضوان” تيمّناً بالاسم الحركي لقائده العسكريّ السّابق عماد مُغنيّة، الذي اغتيل في عمليّة استخباريّة أميركيّة – إسرائيليّة مُشتركة في دمشق في شباط 2008. وقد خاضت هذه الفرقة مواجهات واكتسبت خبراتٍ في اقتحام المُدن والقرى في الحرب الدّائرة على الأراضي السّوريّة منذ 10 سنوات.
وقد عملَ الحزب منذ سنة 2011 على تطوير دفاعاته الجويّة والبحريّة. وفي هذا الصدد، أفاد مصدرٌ أمنيّ لـ”أساس” أنّ حزبَ الله استعمل منظومة دفاع جوّي في منطقة الهرمل من طراز S200 قبل أسبوعين للتصدّي لصواريخ إسرائيليّة أُطلقت نحو الأراضي السّوريّة من أجواء السّاحل الشّمالي للبنان. ولم يأخذ هذا الخبر حقّه في “تغيير قواعد الاشتباك”، من خلال ضرب الصواريخ الإسرائيلية من داخل لبنان، ردّاً على القصف الإسرائيلي لأهداف في سوريا من الأجواء اللبنانية.
هل تل أبيب قادرة على الهجوم؟
ظهر في تل أبيب رأيٌ معاكسٌ يقول إنّ الضّربة العسكريّة ضدّ إيران بعيدة المنال. فإيران عملت خلال السّنوات الماضية على تطوير دفاعاتها الجويّة وتحصين منشآتها، ويتخوّف المسؤولون الإسرائيليون من تضرّر العلاقة مع واشنطن في حال شنّت إسرائيل هجوماً على المنشآت النّوويّة الإيرانيّة.
وقبلَ أيّامٍ، ذكرَت صحيفة “معاريف” الإسرائيليّة أنّ احتمال شنّ هجومٍ على إيران في الأشهر القليلة المقبلة “ضئيلٌ”، وقد يستغرق الاستعداد له أكثر من سنة.
وتركَّزَ تقرير الجريدة العبريّة على “حجم الضّرَر الذي ستُلحقه إسرائيل بالمنشآت النّوويّة الإيرانيّة”. ونقلت عن “دبلوماسيّ سابق” قوله: “ينبغي الفهم أنّ إيران دولة على عتبة النووي بكلّ الأشكال. حتّى الهجوم لن يغيّر ذلك”.
وزير الدّفاع بيني غانتس: يتعيّن على إسرائيل التعاون مع الولايات المتحدة بشأن الملفّ النووي”، و”ضمان استمرار الحوار مع طرفيْ المتراس في الولايات المتحدة
لكنّ الكلام المُغاير للجوّ العامّ في إسرائيل جاء على لسان رئيس الوزراء الأسبق إيهود أولمرت الذي قالَ لإذاعة “103 FM” الإسرائيلية إنّ “إسرائيل لا تملك خياراً عسكرياً فعليّاً ضدّ إيران”. وأضاف: “لقد اعتقدت قبل 10 سنوات أنّ الأموال التي تُخصّص للخيار العسكري، والاستعدادات له، كانت هدراً لمليارات كثيرة من الدولارات على أمر لا فرصة له في النجاح من البداية”.
وأشار إلى أنّ “إسرائيل لن تقود معركة عسكرية واسعة ضدّ إيران، وكلّ الاستعدادات والتهديدات كان الهدف منها إخافة الأميركيين”، مضيفاً: “نحن متعلّقون بالولايات المتحدة أكثر من أيّ جهة أُخرى”.
بدوره، قال وزير الدّفاع بيني غانتس إنّه “يتعيّن على إسرائيل التعاون مع الولايات المتحدة بشأن الملفّ النووي”، و”ضمان استمرار الحوار مع طرفيْ المتراس في الولايات المتحدة، والحفاظ على البقاء فوق الأحزاب، وعدم الانزلاق إلى السّياسة الأميركيّة الداخليّة كما حدث في الماضي”، وفق ما ذكرت صحيفة “هآرتس”.
وفي الصّحيفة نفسها، ذكرَ المُحلّل العسكريّ عاموس هائيل أنّ “مسؤولين إسرائيليين شاركوا في المؤتمريْن الأمنيّين الإقليميّين في أبو ظبي والمنامة لاحظوا تغييراً في اللهجة عند الإماراتيين والبحرينيين، إذ بات التّوجّه أكثر اعتدالاً وتصالحيّاً”، على حدّ وصفه.
وكان رئيس الاستخبارات السّعوديّ الأسبق الأمير تركي الفيصل قد سأل في مؤتمر المنامة مُستشار الأمن القوميّ الإسرائيلي إيال هولاتا: “لماذا لا يتمّ تفكيك الأسلحة النّوويّة الإسرائيليّة ما دام الجميع يريد تفكيك القدرة النّوويّة لإيران؟”. وتوجّه إلى مُنسّق ملفّ الشّرق الأوسط في البيت الأبيض بيرت ماكغورك بالقول: “لماذا لا نذهب إلى منطقة خالية من السّلاح النّوويّ؟ كُلّنا نعرف ضمان التّفوّق العسكريّ لإسرائيل، لذا هي لا تحتاج إلى أسلحة نوويّة لمنعنا من تهديدها”.
إقرأ أيضاً: هكذا ستحاصر إيران إسرائيل في المعركة المقبلة (1/2)
ومع إصرار أكثر الأطراف في تل أبيب على ضرب البرنامج النّوويّ الإيرانيّ وتردّد البعض، واعتماد إيران على أذرعها المُنضوية تحت لواء فيلق القدس من بيروت وصولاً إلى صنعاء لزجّ المنطقة برمّتها في أيّ مواجهة بينها وبين إسرائيل، يصعبُ التّكهّن بمُجريات الأمور التي قد تنفجرُ في العاصمة النّمساويّة فيينا، فتُشعل شظاياها الشّرق الأوسط…
وإنّ غداً لناظره قريب.