لا يزال الأفق مسدوداً، وقد يبقى كذلك لفترة طويلة، بانتظار خرق ما يُعيد إحياء جلسات مجلس الوزراء لتسيير بعض الملفّات الاجتماعية المعيشية والمعالجات الترقيعيّة لا أكثر. أمّا الحلول الجذرية ذات الطابع الإنقاذي، فلا يبدو أنّها موضوعة على طاولة التنفيذ أو التحقيق، أقلّه في المدى المنظور.
لم يعُد خافياً أنّ رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ليس مستعجلاً أو متحمّساً لرئاسة جلسات مجلس الوزراء، خصوصاً أنّ الزمن بات داهماً إذا ما نجحت الضغوط الخارجية وفرضت على القوى اللبنانية الخضوع لاختبار صناديق الاقتراع، فحينئذٍ قد تصير القرارات الحكومية عبئاً على الجالسين إلى تلك الطاولة إذا ما قرّر لبنان السير بشروط برنامج صندوق الدولي التي ستتحوّل إلى حبال تلتفّ حول رقبة القوى السياسية بسبب القرارات غير الشعبية التي ستضطرّ الحكومة إلى اتّخاذها. لذلك من الأفضل اللجوء إلى سياسة تمرير الوقت بأقلّ الأكلاف الممكنة، وترك القرارات الصعبة إلى حينه.
يقول مطّلعون إنّ الأسبوع المقبل سيشهد بعض الاتصالات بين القوى الحكومية في محاولة لكسر الجمود
فضلاً عن ذلك، فإنّ ميقاتي كان يراهن على تحقيق “إنجاز العمر” لعلّه بذلك يكسب بعض التأييد الذي يسمح له بعبور حقل ألغام شروط صندوق النقد محميّاً بإنجاز الكهرباء، إذ كان يعتقد أنّ بالإمكان الاستفادة من الغاز المصري لتحسين وضعيّة التيار الكهربائي، وتقديمه “رشى انتخابية” تساعد على خوض الاستحقاق، بأقلّ الأكلاف الممكنة.
ولكن حتى الآن، ثمّة عراقيل كثيرة تحول دون تحقيق هذا الهدف، أهمّها:
– رفض الكونغرس الأميركي منح السلطات المصرية استثناء قانونياً يجيز لها بيع الغاز إلى لبنان من خلال ضخّه عبر أنابيب الخطّ العربي التي تعبر سوريا، ذلك لأنّ الكونغرس يرفض أن يستفيد النظام السوري من هذه “الهديّة” في هذا الوقت بالذات. وعليه، ترفض السلطات المصرية التعرّض لأيّ عقوبات في حال أقدمت على هذه الخطوة من دون استثناء قانوني.
– شروط البنك الدولي الذي سيموّل تمرير الغاز عبر الأراضي السورية، التي تتناول أكثر من جانب: تأليف هيئة ناظمة بصلاحيّات تقريرية لا استشارية، وهو شرط يرفض “التيار الوطني الحر” الانصياع له ويجاريه ميقاتي في رفضه، ورفع التعرفة، وهو أمر يستحيل تحقيقه إذا لم يتحسّن التيار الكهربائي، وضمان استمرارية عمل الشركات التي تدير معامل إنتاج الكهرباء من خلال توفير الدولارات الطازجة، وهو أمر يواجه رفض مصرف لبنان لأنّه سيتكفّل بهذا المطلب.
وعليه، يبدو “إنجاز” الكهرباء معلّقاً، ولا إمكانية في الوقت الراهن لتحقيقه، الأمر الذي يدفع رئيس الحكومة إلى التفكير مليّاً قبل أن يدعو إلى جلسة لمجلس الوزراء، لا يريدها رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل إلّا لتحقيق “هدفه الذهبي”، وهو إقرار سلّة تعيينات ضخمة من شأنها أن تعزّز حضوره في الإدارات وفي السلك الدبلوماسي وغيره من الأٍسلاك، قبل أن يستعدّ رئيس الجمهورية لمغادرة قصر بعبدا مع انتهاء ولايته، ودخول البلاد شغوراً رئاسياً لا يعرف أيٌّ من القابضين على القرار توقيت نهايته.
في هذه الأثناء، يقول مطّلعون إنّ الأسبوع المقبل سيشهد بعض الاتصالات بين القوى الحكومية في محاولة لكسر الجمود، من دون أن يعني ذلك أنّ الرسالة التي سيوجّهها رئيس الجمهورية يوم الإثنين ستأتي في هذا السياق، ذلك لأنّ بعض المقرّبين منه يشيرون إلى أنّ خطابه ينطلق من حالة “الشلل” المؤسساتي الحاصلة، بفعل تعليق عقد جلسات مجلس الوزراء، ثمّ السقطة التي تعرّض لها المجلس الدستوري، التي تشير إلى سقطة أعلى المؤسسات القضائية، وهو ما يعني، وفق المقرّبين، أنّ روحيّة قيام الدولة، وهي الهدف الأساس الذي قام على أساسه تفاهم “مار مخايل”، قد سقطت بدورها.
إقرأ أيضاً: باسيل الضعيف والحزب المأزوم: زواج بالإكراه
من هنا يشير المقرّبون إلى أنّ رئيس الجمهورية سيتدخّل من باب دوره حامياً للدستور، الذي هو أساس قيام الدولة، لوضع النقاط على الحروف، ورسم خارطة طريق السنة الأخيرة من العهد، التي تشمل وفق بعض المطّلعين: الموقف من الحدود البحرية وترسيمها، النازحين، التدقيق الجنائي، الانتخابات النيابية… والعلاقة مع بقيّة الأطراف. ويُفترض أن تكون كلمته المتلفزة توطئة لتلك التي سيدلي بها جبران باسيل في الثاني من كانون الثاني المقبل، والتي ستكون خطاباً مفصّلاً للعناوين التي سيطرحها عون.