هل من تسوية “بالمفرّق” بعد الأعياد؟

مدة القراءة 5 د

“سقطة”، على هذه الكلمة اتفق رئيس المجلس الدستوري القاضي طنّوس مشلب، المقرّب من رئيس الجمهورية، ومصادر ودوائر قصر بعبدا، في وصف قرار المجلس الدستوري، أو بالحريّ “اللاقرار”.

زوّار رئيس تكتل لبنان القوي النائب جبران باسيل ينقلون عنه سخطه من الـ”لا قرار”، ومن مشهد الانقسام داخل المجلس الدستوري وعجزه عن إصدار قرار بالطعن المقدّم من تكتّل لبنان القوي حول تعديلات قانون الانتخاب.

حلف باسيل مع حزب الله عجز عن توفير “قرار يتّخذه المجلس الدستوري لمصلحة الطعن”. وفي المعلومات أنّ فريق رئيس الجمهورية يشعر كأنّه تلقّى “الضربة القاضية” من الجميع، وبمشاركة حليفه الأساسي. وفي المعلومات أيضاً أنّ الخلاف بين حزب الله والتيار الوطني الحرّ يُخفي تباينات أو خلافات بين “الثنائي الشيعي”. فحزب الله الذي قام بمسعى بين حليفيه اللدودين، سعى إلى إقناع رئيس مجلس النواب بعدم التدخّل في قرار المجلس الدستوري لأنّ عدم قبول الطعن سينعكس  سلباً في الانتخابات على كلّ القوى السياسية، وليس فقط على باسيل.

تشير الأوساط المتابعة التي تتحدّث عن احتمالات مفتوحة: احتمال استمرار “النكايات” بين برّي وباسيل، أو استمرار التصعيد بين باسيل وميقاتي، أو الذهاب إلى العمل على إمرار الصفقة

يدرك حزب الله أنّ الكلّ مأزوم. حليفه المسيحي مأزوم والرئيس سعد الحريري مأزوم ورئيس الحزب التقدّمي الاشتراكي وليد جنبلاط مأزوم أيضاً، وكذلك هو حال “الثنائي الشيعي” المأزوم، وسط معاناة شارعه على الرغم من ضمانه المقاعد النيابية الشيعية. وبالتالي حاول حزب الله في مسعاه الأخير الحدّ من الخسارات المتراكمة على القوى السياسية قناعةً منه بأنّ اقتراع الآلاف من المغتربين لـ128 نائباً سيغيّر من المعادلات وسيقلب الأكثرية إلى أقليّة.

طبعاً، من المعلوم أن لا اصطفاف للأكثريّة مقابل الأقليّة يشبه الاصطفاف القديم، غير أنّ من مصلحة حزب الله أن يبقى حليفه المسيحي هو الأقوى على الساحة. هذا ما يختلف فيه عن برّي. فرئيس المجلس يدرك أنّ أرقامه في صناديق الاقتراع سبق أن تدنّت في دورة العام 2018، ولا مصلحة له بالمحافظة على أسبقيّة عون وباسيل على الساحة المسيحية، ولا سيّما أنّ أعداد المغتربين المسيحيّين المسجّلة للاقتراع يمكنها أن تبدّل موازين القوى مسيحياً، والآلاف منها تسجّل في دائرة الشمال التي تُدعى دائرة الرؤساء، أي باسيل وسليمان فرنجية وسمير جعجع.

لذلك تختلف حسابات برّي عن حسابات حزب الله، الذي على الرغم من كلّ شيء، يبقى حريصاً على عدم إغضاب برّي لاعتبارات يعرفها رئيس المجلس جيّداً. وعليه تشارَك الثنائيّ الموقف نفسه في المجلس الدستوري.

سقطت الصفقة التي حاولت القوى السياسية إعادة إنتاج نفسها من خلالها لأسباب كثيرة، منها رفع باسيل سقفه، ومنها رفض الرئيس نجيب ميقاتي لها بعد اجتماعه بموفدين أميركيين أثنوا على موقفه، قبل إسقاط “التسوية” كذلك وجود الأمين العام للأمم المتحدة في بيروت حاملاً الثوابت الدولية المعادية لبنود التسوية. فالصفقة ارتكزت على مكتسبات مسيحية شيعية، وغيّبت المصلحة السنّية والدرزية على حدٍّ سواء. لذا سقطت الصفقة. لكنّ سقوطها بالجملة لا يعني سقوطها بالمفرّق. هكذا تشير الأوساط المتابعة التي تتحدّث عن احتمالات مفتوحة: احتمال استمرار “النكايات” بين برّي وباسيل، أو استمرار التصعيد بين باسيل وميقاتي، أو الذهاب إلى العمل على إمرار الصفقة بالمفرّق بما يُرضي مَن لم يوافق عليها بالجملة.

تشير مصادر مقرّبة من حزب الله إلى أنّهم يتفهمون مواقف باسيل، لا سيما المسيحية منها، وأنّ الأيام المقبلة والاستحقاقات المقبلة ستعوّض له ما يخسره اليوم


في المقابل، لا خيارات متاحة أمام باسيل الذي عقد مؤتمراً صحافياً أعاد فيه مواقفه المعروفة، مصعِّداً باتجاه الحليف الذي لا غنى عنه في المرحلة المقبلة.

وفي المعلومات أنّه رغم المواقف التصعيدية من باسيل ورفضه مجاراة إرادة الثنائي الشيعي في ملف التحقيق في انفجار مرفأ بيروت، تشير مصادر مقرّبة من حزب الله إلى أنّهم “يتفهمون مواقف باسيل، لا سيما المسيحية منها، وأنّ الأيام المقبلة والاستحقاقات المقبلة ستعوّض له ما يخسره اليوم”.

لكن هل هذا يعني معركة الرئاسة؟

لا يجزم أحد بذلك، لكن لا شكّ بأنّ مسار التحالف بين الحزب وباسيل باقٍ رغم كلّ شيء.

والطلب إلى مجلس النواب مساءلة الحكومة عن عدم اجتماعها، الذي قدّمته كتلة باسيل، ساقطٌ قبل أن يولد. فلا الرئيس برّي في وارد الدعوة إلى مساءلة الحكومة، ولا حزب الله مستعدّ للوقوف إلى جانب حليفه للأسباب المعروفة.

على خطّ موازٍ، دعا رئيس الجمهورية مجلس الدفاع الأعلى إلى الانعقاد، وقرّر التوصية بتمديد التعبئة العامّة حتى 31 آذار 2022، علماً أنّ هذا الأمر يتطلّب عقد جلسة لمجلس الوزراء.

إقرأ أيضاً: سقوط التسوية يفتح باب “جهنم” سياسي!

هكذا يحاول عون ملء الفراغ الذي تركه عدم انعقاد مجلس الوزراء. فهل يقود ذلك إلى مزيد من الأزمات السياسية وسط كلام عن خطر إجراء الانتخابات ولو في أيّار؟ أم يقود ذلك إلى صفقة أخرى تريح القوى السياسية في استحقاقاتها المقبلة؟

المؤشّرات تقود إلى أنّ مرحلة ما بعد الأعياد ستحمل معها تسويات جديدة أو على الأقلّ محاولة لإحياء ما سقط في اليومين الماضيين.

مواضيع ذات صلة

السّيناريو البديل عن الانتخاب: تطيير الجلسة تحضيراً لرئاسة ترامب!

في حين يترقّب الجميع جلسة التاسع من كانون الثاني، يحتلّ عنوانان أساسيّان المشهد السياسي: من هو الرئيس المقبل؟ وهل يحتاج موظّفو الفئة الأولى، كقائد الجيش…

1701 “بضاعة” منتهية الصّلاحيّة؟

لا شكّ أنّ ما يراه المسؤولون الإسرائيليون “فرصة لا تتكرّر إلّا كلّ مئة عام” في سوريا تتيح، بعد سقوط نظام بشار الأسد، اقتطاع منطقة من…

الثنائي وترشيح عون: سوياً ضده… أو معه

كعادته، وعلى طريقته، خلط وليد جنبلاط الأوراق عبر رمي قنبلة ترشيحه قائد الجيش العماد جوزف عون لرئاسة الجمهورية، ليحرّك مياه الرئاسة الراكدة. قبيل عودته إلى…

الليلة الأخيرة لـ”ديكتاتور الشّام”..

تحملُ ليلة هروب رئيس النّظام السّوريّ المخلوع بشّار حافظ الأسد قصصاً وروايات مُتعدّدة عن تفاصيل السّاعات الأخيرة لـ”ديكتاتور الشّام”، قبل أن يتركَ العاصمة السّوريّة دمشق…