لبنان.. ماذا بعد؟

مدة القراءة 4 د

على إثر استقبال وليّ العهد الأمير محمد بن سلمان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في جدّة، ومناقشة الملفّ اللبناني من ضمن ملفّات عدّة، برز السؤال التالي: ماذا بعد؟

مَن يقرأ البيان السعودي الفرنسي يلاحظ من دون مواربة أنّ الموقف الفرنسي يؤكّد ويعبّر عن الموقف السعودي. وبمعنى أكثر وضوحاً، فإنّ لقاء الأمير محمد بن سلمان بالرئيس ماكرون ألزم فرنسا علناً بالموقف السعودي.

يقول نصّ البيان الخاصّ بلبنان: “شدّد الجانبان على ضرورة قيام الحكومة اللبنانية بإجراء إصلاحات شاملة، ولا سيّما الالتزام باتفاق الطائف المؤتمن على الوحدة الوطنية والسلم الأهلي في لبنان”، مضيفاً أنّ “الإصلاحات تشمل قطاعات المالية والطاقة ومكافحة الفساد ومراقبة الحدود، واتفق الطرفان على العمل مع لبنان لضمان تطبيق هذه التدابير”. وأكّدا “ضرورة حصر السلاح بمؤسسات الدولة الشرعية، وألا يكون لبنان منطلقاً لأيّ أعمال إرهابية تزعزع أمن واستقرار المنطقة، ومصدراً لتجارة المخدّرات”.

بحسب معلوماتي فإنّ السعودية شرعت في ما يهمّ لبنان إنسانيّاً، وقد يكون هناك توجّه بهذا الإطار تحت مظلّة خليجية قريباً

وشدّد الطرفان على “أهميّة تعزيز دور الجيش اللبناني في الحفاظ على أمن واستقرار لبنان، واتفقا على استمرار التشاور بين البلدين في كلّ تلك القضايا، كما اتّفقا على إنشاء آلية سعودية – فرنسية للمساعدة الإنسانية في إطار يكفل الشفافيّة التامّة”.

وعبّر الطرفان عن “عزمهما على إيجاد الآليّات المناسبة بالتعاون مع الدول الصديقة والحليفة للتخفيف من معاناة الشعب اللبناني. كما أكّدا على أهميّة الحفاظ على استقرار لبنان واحترام سيادته ووحدته بما يتوافق مع قرارات مجلس الأمن 1559 و1701 و1680 والقرارات الدولية ذات الصلة”.

حسناً، نصّ البيان أعلاه هو ما طالبت وتطالب به السعودية، وهو ما يطالب به اللبنانيون الحريصون على بلادهم، ويقول مطّلعٌ على سير الأحداث لـ”أساس” إنّه “لأوّل مرّة يوافق ويوقّع الفرنسيون على بيان بهذه التفاصيل المتعلّقة بلبنان”.

ويُلاحَظ بالطبع عدم ترديد عبارة أنّ حزب الله “مكوّن لبناني”، أو ما يوحي بأنّه “ثلث الشعب”، كما قال الرئيس اللبناني أخيراً. والأهمّ بعد هذا البيان الذي ألزم الفرنسيين، وليس السعوديين، وأدّى إلى دحرجة حزب الله عن الشجرة، هو استقالة الوزير جورج قرداحي على الرغم من صراخ حسن نصر الله.

ولم يكن الموقف من قرداحي “شخصيّاً”، بل هو قانوني وسياسي بحت لأنّه استخدم كلمة “عدوان”، وهذا يناقض القرارات الدولية، ويخالف ما تعاقبت عليه مواقف الحكومات اللبنانية من إدانة للانقلاب الحوثي على الشرعية.

والأهم أيضاً هو جولة وليّ العهد السعودي الخليجية. فمَن يراقب البيانات المشتركة الصادرة بعد كلّ زيارة لوليّ العهد، وحتى كتابة المقال اليوم، يلحظ أنّ المواقف الخليجية متطابقة رغم تنوّع النصوص مع الموقف السعودي اتجاه لبنان، وتؤكّد على روح وفحوى البيان السعودي الفرنسي.

وعليه، فلا بدّ من القول إنّ الرياض، وبقيادة وليّ العهد، نجحت في ترسيخ مفهوم الدولة، وليس تطويق لبنان، ولم تقدّم تنازلات، ولم تمسّ السيادة اللبنانية. ولذلك الكرة الآن في ملعب الساسة اللبنانيين.

وبحسب معلوماتي فإنّ السعودية شرعت في ما يهمّ لبنان إنسانيّاً، وقد يكون هناك توجّه بهذا الإطار تحت مظلّة خليجية قريباً. وتقول لي المصادر إنّ الرياض شرعت في مناقشة بعض الأطراف اللبنانية في هذا الأمر. وفي هذا الخصوص يوجد في السعودية كلٌّ من النائب وائل أبو فاعور والوزير السابق ملحم رياشي.

إقرأ أيضاً: بن سلمان يحاصر إيران في لبنان باللغة الفرنسية..

خلاصة القول إنّ كلّ ملاحظات الرياض الجادّة اتجاه لبنان تضمّنها البيان السعودي الفرنسي. وهذا أمر يستوجب إظهار التقدير للسعودية، ويستوجب أيضاً أن يعي ساسة لبنان أنّ قواعد اللعبة تغيّرت فعليّاً.

يقول لي مطّلع إنّه في حال قرّر الساسة اللبنانيون الالتزام بما ورد بالبيان السعودي الفرنسي فإنّ الأمور حينها تعود إلى مسارها الطبيعي.

مواضيع ذات صلة

“استقلال” لبنان: سيادة دوليّة بدل الإيرانيّة أو الإسرائيليّة

محطّات كثيرة ترافق مفاوضات آموس هوكستين على وقف النار في لبنان، الذي مرّت أمس الذكرى الـ81 لاستقلاله في أسوأ ظروف لانتهاك سيادته. يصعب تصور نجاح…

فلسطين: متى تنشأ “المقاومة” الجديدة؟

غزة التي تحارب حماس على أرضها هي أصغر بقعة جغرافية وقعت عليها حرب. ذلك يمكن تحمّله لسنوات، لو كانت الإمدادات التسليحيّة والتموينية متاحة عبر اتصال…

السّودان: مأساة أكبر من غزّة ولبنان

سرقت أضواء جريمة الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في غزة، وجرائم التدمير المنهجي التي ترتكبها في مدن لبنان وقراه، الأنظار عن أكبر جريمة ضدّ الإنسانية…

على باب الاستقلال الثّالث

في كلّ عام من تشرين الثاني يستعيد اللبنانيون حكايا لا أسانيد لها عن الاستقلال الذي نالوه من فرنسا. فيما اجتماعهم الوطني والأهليّ لا يزال يرتكس…