قال المسؤول الفرنسي لنظيره السعودي: “لا بدّ أن أعترف لك أنّ رؤيتكم في الرياض حول لبنان كانت أصدق وأعمق من رؤيتنا حول الحلّ في باريس”.
قالها المسؤول الفرنسي بعد عام كامل من الجدل عقب زيارة الرئيس ماكرون الشهيرة للبنان وعرضه لمبادرته الإنقاذية.
اليوم يتجدّد الحوار الفرنسي – السعودي حول لبنان، لكن بصيغة أخرى.
تقول المعلومات إنّ باريس تريد دوراً سعودياً – فرنسياً، يكون فيه الفرنسي هو صاحب المبادرة السياسية من خلال جسر حوار مفتوح مع كلّ الأطراف المؤثّرة (إيران، الولايات المتحدة، الإمارات، قطر وإسرائيل)، ويلعب فيه السعودي دور المموّل الماليّ.
بالطبع، سمع الفرنسي ما لا يُرضيه من الجانب السعودي، وكانت رسالة الرياض واضحة صريحة تعتمد على 3 قواعد رئيسية:
1- نحن في السعودية فقدنا الأمل في إمكانيّة إنقاذ لبنان في ظلّ التحالف العوني – الإيراني – السوري لإدارة الملفّ.
2- لم تظهر لنا أيّة بوادر أو مواقف على الأرض تثبت أنّ تغيّراً إقليميّاً طرأ على السلوك الإيراني، بل إنّ الحادث الآن هو تصعيد من اليمن إلى العراق، ومن سوريا إلى لبنان.
3- سُئل المسؤول السعودي: لماذا تموّل مشروعاً إيرانياً – فرنسياً سوف يخدم طهران وباريس ولن يعود على الرياض بأيّ نفع؟
باختصار كانت الرسالة واضحة:
1- لا عودة سريعة للسفير السعودي إلى لبنان في الزمن القريب أو المتوسّط، إن لم يطرأ أيّ تغيير مشجِّع.
2- لا حماسة لدى الرياض لأيّ حوار أو دعم أو مساعدة.
3- إن استمرّ السلوك اللبناني الرسمي، الذي يقف وراءه تحالف حزب الله وعون وسوريا، في التصعيد والإساءة إلى السعودية، فإنّ ردّ الفعل المقبل من جانب الرياض سيكون أشدّ وأصعب.
ويمكن فهم العقل السياسي، الذي يحدِّد للرياض موقفها تجاه لبنان، على أنّه مزيج من “اليأس والإحباط السياسيَّيْن” من الوضع الحالي.
يؤمن السعوديون تمام الإيمان بأنّ طهران قد اختطفت النظام السياسي اللبناني، وتقايض به سياسيّاً في غرفة مفاوضات “5+1” في فيينا.
وتأتي عبارة بليغة تسمعها من صحراء “نجد”: لماذا التفاوض مع الأدوات اللبنانية إذا كانت القوة “المشغِّلة” لها تسعى إلى التصعيد من أجل الابتزاز السياسي؟
المزاج العامّ هنا في السعودية هو النأي بالنفس عن أيّ ملفّات إقليمية عبثيّة يراد منها أو يقصد فيها أن تكون المملكة المموّل والداعم الإنقاذي.
السعوديون الذين يعملون ليل نهار على تحقيق مؤشّرات وأرقام رؤية الأمير محمد بن سلمان لخطّة 2030 توقّفوا منذ سنوات عن أداء دور “الثري الخليجي” الذي ينثر دولاراته النفطية في المسرح السياسي اللبناني.
ببساطة: لا ودائع، ولا هبات، ولا مساعدات، ولا مشروعات، ولا زيارات، ولا جسور حوار، ولا سيّاح، ولا سفير، ما دام قانون اللعبة الموصوف من طهران يقوم على نهج الابتزاز والمقايضة الإقليمية.
ويخطىء كثيراً مَن يعتقد أنّ المسألة هي غضب سعودي من واقعة فيديو معالي الوزير قرداحي، بل هي حلقة من حلقات تراكمات سلبية مستمرّة منذ بداية “العهد العوني وتحالف “عون – حزب الله” ضدّ رموز ومصالح وسياسات المملكة.
تشعر الرياض باستغراب شديد لِما تسمعه من كلّ المسؤولين اللبنانيين، من الرئيس إلى مَن هو أدنى، وحتّى أصغر مسؤول في السلك الدبلوماسي اللبناني.
يقولون في الغرف المغلقة كلاماً عاطفياً في السعودية لم يقُله قيس بن الملوّح في ليلى العامريةّ! هذا في الغرف المغلقة، لكن في العلن يكون القول والفعل عدائيَّيْن ومسيئيْن ومناقضيْن.
يضحك مسؤول سعودي له علاقة قديمة بالملفّ الثنائي “اللبناني – السعوي”، قائلاً: “يقول الجميع إنّنا نحرص أشدّ الحرص على العلاقات الخاصّة والمميّزة بالمملكة”.
ثم يضيف: “إذا كانت كلّ هذه العدائيّات من سبٍّ وتعدٍّ وتصدير مخدِّرات وتشجيع الحوثيين على قصف مدننا هي الحرص، فماذا سيحدث حينما يسعون إلى الإعلان عن كراهيتنا؟”.
إقرأ أيضاً: فرنسا تحاول مع السعودية.. إنقاذ الحكومة
ينهي أهل الرياض تقييم الموقف من لبنان: “لا شيء إيجابيّاً سيحدث ما دامت تلك هي سياسة الثنائي عون – حزب الله”.
من هنا يمكن القول إنّ العلاقة بين الرياض وبيروت مرفوعة من الخدمة مؤقّتاً لفترة ليست بالقصيرة!
خلاصة الموقف السعودي من الوضع اللبناني: “لا عطاء بدون مقابل، لا استثمار سياسيّاً يصبّ لمصالح الأعداء، لا مال سياسيّاً لأشخاص، لا وجبة غداء بدون فاتورة”.