أميركا تلاقي الحزب: ممنوع الاستقالة

مدة القراءة 6 د

من غلاسكو إلى بيروت لن تكون طريق العودة مسهّلة للرئيس نجيب ميقاتي. يُراهن الأخير على المسعى القطري بعد قرار الدوحة إيفاد وزير خارجيّة قطر إلى بيروت قريباً، وهو ما سيؤدّي، في الشكل لا المضمون، إلى كسر حدّة المشهد التصعيدي الخليجي حيال لبنان.

والرهان الأهمّ طمأنةٌ ثلاثيّةُ الأبعاد أميركية-فرنسية-إيرانية بأن لا قرار دوليّاً بترك الحكومة لمصيرٍ مجهول، مع إصرار أميركي على أنّ “الاستقالة ممنوعة”.

يؤكّد مطّلعون أنّ “الجانبين القطري والكويتي طلبا صراحةً من ميقاتي ورقةً تكون بمنزلة بادرة حسن نيّة يمكن الانطلاق منها للتفاوض مع السعودية والإمارات، لكنّ رئيس الحكومة كان عاجزاً عن منح هذه الضمانة بسبب رفض حزب الله لاستقالة قرداحي”

جاء موقف وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن بعيد اجتماعه بميقاتي في غلاسكو ليُعزّز هذا التوجّه من خلال تأكيده “استمرار دعم جهود الحكومة في إعادة الاستقرار، وتحقيق التعافي الاقتصادي، والمفاوضات الجارية مع صندوق النقد الدولي، وتنظيم الانتخابات النيابية”.

لكن حتى الآن لا بوادر انفراجٍ لأزمةٍ قد تتعمّق أكثر، وتُترجَم من خلال أوسع وأقسى تضييق ماليّ واقتصاديّ و”جوّيّ” من قبل الدول الخليجية التي طردت سفراء لبنان من أراضيها.

ويعمل الوسطاء، وفق المعلومات، بشكل مركّز على لجم تدحرج كرة الإجراءات الخليجية بحقّ لبنان، كمسألة التحويلات الماليّة ووقف الرحلات الجوّيّة وإقفال الحدود أمام الشاحنات اللبنانية. وفي غياب أيّ معطى من بيروت في اليومين الماضيين، طلبت أمس البحرين من رعاياها مغادرة لبنان فوراً.

ويؤكّد مطّلعون أنّ “الجانبين القطري والكويتي طلبا صراحةً من ميقاتي ورقةً تكون بمنزلة بادرة حسن نيّة يمكن الانطلاق منها للتفاوض مع السعودية والإمارات، لكنّ رئيس الحكومة كان عاجزاً عن منح هذه الضمانة بسبب رفض حزب الله لاستقالة قرداحي”.

أمّا الأميركي، وفق هؤلاء، فهو غير قادر على التدخّل مع السعوديّة في هذه “الجزئيّة” اللبنانية بسبب ملفّات تفاوض كبيرة وحسّاسة عالقة مع الرياض.

مصادر حزب الله

وفي هذا السياق، تقول مصادر قريبة من حزب الله لـ”أساس”: “لا تراجع عن عدم الاستقالة، خصوصاً أنّ الرياض أعلنت صراحة أنّ مكمن الخلاف مع لبنان هو سياسة حزب الله. ولذلك لا يرى الحزب مبرّراً لاستقالة وزير، واستقالته لن تجمّد لائحة شروط ستحاول الرياض فرضها على لبنان لخلق أمر واقعٍ جديد”.

وتعترف المصادر بـ”وجود ضغط من الرئيسين ميشال عون ونجيب ميقاتي ليُقدِّم قرداحي استقالته، لكنّ هذا الأمر لن يحدث. فخطوة كهذه قد تصبح مساراً معتمداً في رفع اللافتة الحمراء بوجهنا إذا لم تأتِ مثلاً نتائج الانتخابات النيابية وفق مصلحة بعض دول الخليج، أو يمكن أن تعترض لاحقاً على انتخاب رئيس جمهورية معيّن”.

وعَكَس أمس موقف الوزير محمد مرتضى المحسوب على الثنائي الشيعي تشدّد هذا الفريق، فقد اعتبر أنّ “إقالة وزير أو استقالته لن يغيّرا شيئاً، وثمّة شبهة قائمة بقوّة تشي بأنّ المطلوب هو استفحال أزمة وليس حلّها”.

وتعترف المصادر بـ”وجود ضغط من الرئيسين ميشال عون ونجيب ميقاتي ليُقدِّم قرداحي استقالته، لكنّ هذا الأمر لن يحدث. فخطوة كهذه قد تصبح مساراً معتمداً في رفع اللافتة الحمراء بوجهنا إذا لم تأتِ مثلاً نتائج الانتخابات النيابية وفق مصلحة بعض دول الخليج، أو يمكن أن تعترض لاحقاً على انتخاب رئيس جمهورية معيّن”

وأضاف: “ما دام الأمر على هذا النحو، فلماذا الاستمرار تلميحاً وتصريحاً في حضّ وزير على الاستقالة؟ ولماذا التلويح بأنّه يجري راهناً تدارس أمر إقالته أو استقالة رئيس الحكومة أو استقالة بعض الوزراء؟ أوليس واضحاً أنّ كل هذه المواقف لن تجدي نفعاً”.

وبدت رسالة مرتضى موجّهة بشكل مباشر إلى الرئيسين عون وميقاتي اللذين يضغطان لاستقالة قرداحي، فيما يلوّح رئيس الحكومة بشكل متكرّر باحتمال استقالته.

لذا تنقسم الأزمة الراهنة إلى مستويين:

– مستوى دوليّ من خلال حركة الاتصالات مع مسؤولين دوليّين، كان أرفعها لقاء ميقاتي مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ووزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، إضافة إلى جملة وساطات بين دول غربية وعربية يقول مطّلعون إنّ مصر دخلت على خطّها، لكنّها اصطدمت بتشدّد سعودي وإماراتي.

– ومستوى داخلي أكثر تعقيداً من الجهود القائمة ما وراء البحار. فحكوميّاً، باتت أزمة لبنان مع دول الخليج مرتبطة عضويّاً بمسار التحقيق العدلي في قضية المرفأ وأحداث الطيونة-عين الرمانة. والانفراج على مستوى أيٍّ منها سيبقى محكوماً بانفراجات مماثلة على خطّ الأزمات الأخرى، تمهّد لالتئام مجلس الوزراء مجدّداً، وإلا فلا حكومة. ولذلك ثمّة مَن يهمس في الكواليس عن تفاوض متشعّب يطول كلّ هذه المسائل العالقة.

من ضمن هذه المعادلة تفيد معلومات عن سعي عون وميقاتي للتوصّل إلى حلّ يكون من أحد نتائجه تقديم وزير الإعلام استقالته من الحكومة بعدما أكّد الأخير في “تسريبة” عن لسانه أنّ الاستقالة غير واردة، ثمّ فتح أمس باباً من خلال قوله إنّ “الموضوع قيد الدرس. أنتظر عودة ميقاتي من الخارج لوضع جميع الأوراق على الطاولة ثمّ الخروج بقرار متّفق عليه بيني وبين رئيس الحكومة الذي قد تكون لديه معطيات جديدة”.

لكنّ الاستقالة، إن حصلت، لن تؤدّي وحدها إلى استئناف جلسات مجلس الوزراء، في ظلّ الفشل المستمرّ في إيجاد مخرج لأزمة التحقيقات التي يُجريها القاضي طارق البيطار في ملفّ انفجار مرفأ بيروت.

إقرأ أيضاً: بعبدا تطلب الحوار مع الرياض… وميقاتي “يطلب النجدة”

ويتوجّس ميقاتي المُحاصَر من أكثر من جهة من ازدياد الضغط عليه من جانب الحلقة الأقرب. وفي هذا السياق تفيد معلومات بأنّ تواصلاً حصل بين ميقاتي ورئيس الحكومة الأسبق فؤاد السنيورة الذي وضع “دولته” في أجواء توجّهه لإطلاق موقف حول ضرورة استقالة الحكومة في حال ازداد الضغط الخليجي على لبنان وعدم استقالة قرداحي أو إقالته، مع العلم أنّ بيان رؤساء الحكومات السابقين لم يطالب باستقالة الحكومة.

ووفق المعلومات تواصَل السنيورة مع الرئيس سعد الحريري، لكنّ الأخير بدا غير متحمّس لهذا الخيار، إذ بادره بالقول: “وماذا بعد استقالة الحكومة؟!”.

مواضيع ذات صلة

برّي ينتظر جواب هوكستين خلال 48 ساعة

تحت وقع النيران المشتعلة أعرب الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب موافقته على أن يستكمل الرئيس جو بايدن مسعاه للوصول إلى اتفاق وقف لإطلاق النار في…

الجيش في الجنوب: mission impossible!

لم يعد من أدنى شكّ في أنّ العدوّ الإسرائيلي، وبوتيرة متزايدة، يسعى إلى تحقيق كامل بنك أهدافه العسكرية والمدنية، من جرائم إبادة، في الوقت الفاصل…

وزير الخارجيّة المصريّ في بيروت: لا لكسر التّوازنات

كثير من الضوضاء يلفّ الزيارة غير الحتميّة للموفد الأميركي آموس هوكستين لبيروت، وسط تضارب في المواقف والتسريبات من الجانب الإسرائيلي حول الانتقال إلى المرحلة الثانية…

تعيينات ترامب: الولاء أوّلاً

يترقّب الأميركيون والعالم معرفة ماذا تعلّم الرئيس ترامب من ولايته الأولى التي كانت مليئة بالمفاجآت وحالات الطرد والانشقاقات، وكيف سيكون أسلوب إدارته للحكم في ولايته…