في ظل أجواء تتحدث عن مقاطعة شعبية واسعة، يستعدّ نحو 21 تحالفا انتخابياً، إلى جانب أحزاب وشخصيات مستقلّة، لخوض الانتخابات المبكرة في العاشر من الشهر المقبل. ومن المفترض بهم أن يعيدوا تشكيل المشهد السياسي والبرلماني العراقي وأن ينتجوا حكومة جديدة بناء على التكتلات التي ستنعقد بعد إصدار النتائج النهائية للانتخابات وآليات تشكيل الكتلة الأكبر التي يحقّ لها تسمية الشخصية التي ستتولّى منصب رئيس الوزراء الجديد.
يذهب الاتّجاه الأبرز في الانتخابات العراقية المبكرة في العاشر من الشهر المقبل، وما يليها من مهمّة اختيار رئيس للسلطة التنفيذية والقائد العام للقوات المسلّحة، صوب الابتعاد عن خيار شخصية مستقلّة من خارج الكتل السياسية والبرلمانية. وهو ما يعني أنّ هذه التحالفات والأحزاب والكتل السياسية تتّجه إلى اعتماد خيار مرشّح حزبي واضح ينتمي إلى جهة واضحة تكون مسؤولة عن السياسات التنفيذية في المرحلة المقبلة. وهو ما يفترض أن يشير إلى تضاؤل فرص رئيس الحكومة الحالي مصطفى الكاظمي في الاستمرار بموقعه.
لم يتردّد التيار الصدري، انطلاقاً من الطموحات التي يرسمها لمستقبل مشاركته في الانتخابات، والحصّة التي سيحصل عليها، في إعلان نيّته عدم دعم أيّ مرشّح ينتمي إلى جهة سياسية أو أيّ شخصية مستقلّة
على صعيد البيت الشيعي، بعض الجهات أو الكتل السياسية، خصوصاً تلك المحسوبة على التيار الإيراني، والتي سبق لها أن دعمت وأيّدت وسهّلت وصول الكاظمي إلى رئاسة الوزراء، لا تنوي مبدئيّاً تكرار التجربة السابقة. لا سيّما أنّها تحمّلت العبء الأكبر، ودفعت الثمن الأعلى من بين الكتل الأخرى جرّاء الانتقادات التي تعرّضت لها حكومة الكاظمي خلال السنة ونصف السنة الماضية. باعتبارها كانت الداعم الأكبر لوصول الكاظمي إلى هذا الموقع. لذلك فإنّ تحالف الفتح، على سبيل المثال، يفضّل الاتفاق على شخصية واضحة في انتمائها السياسي، وأن يتمّ تبنّيها بإجماع الكتلة الكبرى.
“صدري قحّ”
من ناحيته، لم يتردّد التيار الصدري، انطلاقاً من الطموحات التي يرسمها لمستقبل مشاركته في الانتخابات، والحصّة التي سيحصل عليها، في إعلان نيّته عدم دعم أيّ مرشّح ينتمي إلى جهة سياسية أو أيّ شخصية مستقلّة. وفيما يسعى إلى الحصول على العدد الأكبر من المقاعد البرلمانية، والتي يُتوقَّع أن يكون عددها، حسب تقديراته، مقارباً لمئة مقعد، فقد أعلن أنّ خياراته لرئاسة الوزراء ستكون من داخل التيار الصدري، مستخدماً مصطلحاً واضحاً للتعبير عن ذلك بالقول: “صدريّ قحّ”.
لكنّ هذا لن يكون القرار الأوّل أو الأخير الذي سيتراجع عنه الصدر عندما تدقّ ساعة الاختيار.
المالكي مجدّداً؟
أمّا حزب الدعوة الإسلامية بزعامة نوري المالكي، رئيس الوزراء الأسبق، الذي يشارك في الانتخابات من خلال تكتّل دولة القانون، بمشاركة عدد من الأحزاب والشخصيات التي تدور في فلكه، فمن المتوقّع أن يحتفظ بالحصّة التي يملكها. وتشير تقديرات إلى إمكانيّة زيادة بسيطة ترتفع من عشرين مقعداً إلى نحو خمسة وعشرين. وبالتالي سيكون قادراً من بوابة كتلة دولة القانون أن ينافس على موقع رئاسة الحكومة، سواء بشخصه مباشرة أو بتقديم شخصية مقرّبة منه.
العبادي والحكيم؟
من جهته، ذهب رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي، زعيم تحالف النصر، إلى التحالف والائتلاف مع تيار الحكمة بقيادة عمّار الحكيم الذي يرأس تكتّلاً باسم قوى الدولة الوطنية. ويطمح هذا التحالف إلى تحسين قواعده الشعبية ورفع حصّته البرلمانية ليكون طرفاً مقرّراً في مستقبل العملية السياسية واختيار رئيس الوزراء.
وإذا كانت المعركة الانتخابية داخل البيت الشيعي على أشدّها، وتشهد تنافساً حامياً ومفتوحاً، خصوصاً في ظل القانون الانتخابي الجديد الذي ألغى النسبية والدوائر الكبيرة على أساس المحافظة البالغ عددها 18 دائرة، واعتمد النظام الأكثري الموزّع على 83 دائرة، فإنّ المعركة داخل البيت السنّيّ وصلت إلى مراحل متقدّمة في حدّتها وشدّتها، خصوصاً بين تكتّل عزم بزعامة رجل الأعمال خميس الخنجر، وتكتّل تقدّم بزعامة رئيس البرلمان الحالي محمد الحلبوسي. فكلٌّ منهما يسعى إلى أن يكون الممثّل للمكوّن السنّيّ في العملية السياسية، بالاعتماد على تحالفات مع أطراف من البيت الشيعي. ويُعتبر الخنجر قريباً من المالكي ودولة القانون، وقنوات تواصله مفتوحة مع تكتّل الفتح الذي يتزعّمه هادي العامري، ويمثّل قوى الحشد الشعبي وأحزابه وفصائله، في حين يُعتبر الحلبوسي قريباً من تيار الحكمة والحكيم، بالإضافة إلى تحالف النصر بقيادة العبادي، وقنوات تواصله مع التيار الصدري مفتوحة.
تذهب غالبيّة التوقّعات إلى صعوبة أن يحصل أيّ من القوى والأطراف على حصّة كبيرة ووازنة في الانتخابات المقبلة. وتذهب أيضاً إلى القول إنّ نتائج الكتل السياسية ستكون متقاربة
لا تغيير لدى الأكراد
أمّا على صعيد البيت الكرديّ، فإنّ الثلاثية التاريخية لا تزال هي المتحكّمة بالمشهد على هذه الساحة، ويُعتبر الحزب الديموقراطي الكردستاني، بزعامة مسعود بارزاني، القوّة الكبرى والأكثر تأثيراً وسيطرةً على المكوّن الكردي، وصاحب الحصّة الكبرى في التمثيل السياسي للأكراد. فيخوض الانتخابات من دون أيّ تحالفات داخل الإقليم أو على مستوى العراق في مواجهة تحالف يضمّ حزب الاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة عائلة طالباني، وحزب التغيير المتفرّع عنه، ومعهما عدد من الأحزاب الكردية الناشئة. هذا في حين أنّ الأحزاب الإسلامية مع بعض قوى التغيير الكردية، في إطار تحالف ثالث، تخوض الانتخابات في مواجهة القوى التاريخية المسيطرة على الإقليم والتمثيل الكردي.
خلط الأوراق
لكن تذهب غالبيّة التوقّعات إلى صعوبة أن يحصل أيّ من القوى والأطراف على حصّة كبيرة ووازنة في الانتخابات المقبلة. وتذهب أيضاً إلى القول إنّ نتائج الكتل السياسية ستكون متقاربة، ولن تصل حصّة التكتّل الأكبر إلى خمسين مقعداً في البرلمان الجديد، كما حدث في البرلمان السابق. وأفضل التقديرات تعطي التكتّل الأقوى أقلّ من 40 مقعداً. وهو ما سيساهم، إذا حدث، في خلط الأوراق ويعيد إنتاج التحالفات على أسس وقواعد جديدة من التقاسم والشراكة.
وسط هذه التقديرات والتوزيعات يقف رئيس الوزراء الحالي مصطفى الكاظمي، محاولاً رسم معالم المرحلة المقبلة والتوازنات التي قد تساهم في إعادته إلى السلطة التنفيذية لدورة قانونية كاملة غير مشروطة كالتي جاءت به قبل أكثر من سنة. وهو يراهن مع فريقه السياسي على تحالفات ما بعد الانتخابات التي تحدّد مَن يتولّى رئاسة الحكومة. وفي حال لم يحصل على تأييد واضح من اللاعب الإقليمي الإيراني لعودته إلى هذا الموقع، وبالتالي على تأييد كتلة الفتح، فإنّ الرهان سيدور حول اعتماده خياراً من قبل التيار الصدري وزعيمه. وهذا سيسهّل عليه الحصول على تأييد التحالف القائم بين الحكيم والعبادي، بالإضافة إلى شبه اطمئنان لديه إلى الحصول على دعم كبير من الحزب الديموقراطي الكردستاني، ومن تحالف تقدّم بزعامة الحلبوسي من المكوّن السنّيّ، فيكون بإمكانه الانطلاق نحو العودة إلى رئاسة الوزراء بقاعدة أصوات تتجاوز النصف زائداً واحداً أو 168 صوتاً تكون كفيلةً بإعادته إلى مبنى الزقورة الذي حوّله إلى مقرّ لرئاسة الوزراء في المنطقة الخضراء.
وإذا كانت المعركة السياسية بين الكتل والمكوّنات السياسية والمذهبية والقومية على أشدّها، جاعلةً من الصعب رسم خارطة واضحة للتحالفات السياسية المقبلة، فإنّ عاملاً آخر قد يكون الأكثر تأثيراً على العملية الانتخابية، وهو المتعلّق بالقاعدة الشعبية وحجم مشاركتها في عملية الاقتراع. إذ تشير بعض الإحصاءات التي أجرتها مؤسسات خاصة مستقلّة إلى أنّ نحو 70 في المئة من المقترعين، خاصةً في محافظات الجنوب، لن يشاركوا في الانتخابات ولن يذهبوا إلى صندوق الاقتراع، في ظلّ جدل في دور وأثر هذه المقاطعة في إحداث التغيير المطلوب أو الوصول إلى إنتاج حكومة تنسجم مع التطلّعات الشعبية، وتكون قادرة على تطبيق خطة نهوض اقتصادي وسياسي وأمني واجتماعي حقيقية.
هذه النتائج، والخوف من تراجع نسبة المشاركة، التي تُقدّر بأن تكون أقلّ من الدورة السابقة التي جرت عام 2018، دفعا المفوضية العليا للانتخابات، بالتعاون مع مفوضية الأمم المتحدة، إلى اعتماد خيار احتساب الأصوات والمشاركة على أساس الأشخاص الذين يملكون أو استحصلوا على بطاقات بيومترية خاصة بالانتخابات أو الذين قاموا بتحديث بياناتهم في البطاقات القديمة. وهو ما يعني أنّ احتساب نسبة المشاركة سيكون على أساس عدد البطاقات وليس على أساس أعداد الذين يحقّ لهم قانونياً الاقتراع، ويصل عددهم إلى نحو 30 مليون شخص.
إقرأ أيضاً: الصدر يهرب إلى الأمام.. بالانتخابات
في الأرقام، وحسب بيانات مفوضية الانتخابات، فقد تمّ تسجيل 44 تحالفاً انتخابياً، إلى جانب 267 حزباً آخر دخلت الانتخابات، بالإضافة إلى 789 مرشّحاً مستقلّاً، فيصِل العدد الإجمالي لكلّ المرشّحين إلى 3243 مرشّحاً، بينهم 951 سيّدة، حيث إنّ الكوتا أو الحصّة النسائية في القانون الجديد فرضت انتخاب سيدة عن كلّ دائرة انتخابية بالحدّ الأدنى. وسيتنافس هؤلاء على 329 مقعداً في البرلمان.