قافلة مازوت إيران تعبر “الدولة النائمة”

مدة القراءة 5 د

يبرز مشهد دخول صهاريج محمّلة بالمازوت الإيراني عبر سوريا في ظلّ “غياب شبه كامل للدولة اللبنانية”، على حدّ تعبير مدير مكتب بيروت في صحيفة “نيويورك تايمز” بن هوبارد. ومن الجهة الأخرى يتصدّر مشهد طوابير السيارات وإذلال المواطنين للحصول على حاجتهم من المشتقّات النفطيّة، كالبنزين لسياراتهم ولباصات نقل الطلاب، والمازوت الذي يحتاجون إليه للتدفئة وهم على أبواب الشتاء، إضافةً إلى الظلام والانقطاع المستمرّ للتيار الكهربائي.

تساءلت مجلّة “فورين بوليسي” الأميركية “هل ستتمكّن الحكومة الجديدة من تغيير أيّ شيء؟”. استبعدت ذلك متوقّعةً أن يقتصر ما تقوم به على تنفيذ إجراءات أو تعديلات “تجميليّة” على هذه المشاكل المتجذّرة التي يعاني منها لبنان

البارز أنّه خلال استقبال شاحنات المحروقات، اصطفّ مواطنون مؤيّدون لـ”حزب الله” على الطرقات في بعلبك ترحيباً بالناقلات، ملوِّحين بأعلام الحزب وموزّعين الحلوى على وقع أناشيد حزبيّة وإطلاق نار. بهذا المشهد تمكّن “حزب الله” من إظهار نفسه منقذاً للبنان، وأنّه تدخّل في الوقت الذي فشلت فيه الحكومة وداعموها الغربيون من إنقاذ البلد الذي يغرق في أحد أسوأ الانهيارات الاقتصادية في التاريخ الحديث وفي العالم منذ منتصف القرن التاسع عشر، بحسب تقديرات البنك الدولي، والذي خسرت عملته الوطنية 90% من قيمتها منذ خريف عام 2019، وتضاعفت أسعار السلع فيه ثلاث مرّات. 

وقد سلّط تسليم المشتقات النفطية الإيرانية، التي تجاوزت 13 مليون غالون، الضوء على خطورة الأزمة اللبنانية وفشل الحكومة في معالجتها. اللافت أنّ أيّ جهاز حكومي أو هيئة تُشرف على المشتقات التي يتمّ استيرادها من خارج لبنان، لم يكن موجوداً عند الحدود اللبنانية السورية. وقد دخلت الشاحنات من الجانب السوري إلى البقاع الشمالي عبر اجتياز مساحة من الأرض المفتوحة بين البلدين، ولم تمرّ عبر معبر حدودي رسمي، أي بدون جمارك أو تفتيش أمني. ولم يتّضح أيضاً هل كان دخول النفط الإيراني بعد الحصول على ترخيص قانوني؟ وهل ستُدفع أيّ ضرائب مقابل إدخالها إلى لبنان؟

من جانبه، علّق العميد المتقاعد في الجيش اللبناني إلياس فرحات معتبراً أنّ لبنان “يشهد حالة طوارئ”، وأنّ “الأزمة خطيرة، ولهذا السبب فإنّ الحكومة لا تعير اهتماماً لمدى قانونيّة طريقة دخول الشاحنات”.

وفيما قال المسؤول الإعلامي في “حزب الله” أحمد ريّا إنّ الشحنة هي الدفعة الأولى من 13.2 مليون غالون محمّلة في سفينة إيرانية، وتمّ تسليمها في ميناء بانياس بسوريا، وإنّ الكميّة المتبقّية تحتاج إلى أيّام لتفريغها ونقلها إلى لبنان، كشف موقع TankerTrackers.com، المعنيّ بتعقّب شحنات النفط حول العالم، أنّ حمولة الباخرة تقلّ عن ثمانية ملايين غالون.

وشرحت صحيفة “واشنطن بوست” ذلك، مشيرةً إلى أنّ القافلة الأولى مرّت من معبر غير رسمي في القصير في سوريا واتّجهت إلى لبنان، وكانت مؤلّفة من 60 شاحنة، تحمل كلّ منها 50 ألف ليتر.

تمكّن “حزب الله” من إظهار نفسه منقذاً للبنان، وأنّه تدخّل في الوقت الذي فشلت فيه الحكومة وداعموها الغربيون من إنقاذ البلد الذي يغرق في أحد أسوأ الانهيارات الاقتصادية في التاريخ الحديث وفي العالم منذ منتصف القرن التاسع عشر

ورأى مدير مكتب التايمز في بيروت أنّ “كلّ خطوة في رحلة الشاحنات الإيرانيّة كانت تمثّل تحدّياً للولايات المتحدة التي فرضت عقوبات على شراء النفط الإيراني وعلى التعامل مع الحكومة السورية وعلى حزب الله، وأيضاً على الشركة المرتبطة بالحزب التي ستوزّع المازوت داخل لبنان”. وذكّر بأنّ واشنطن تقع في مقدّم الدول المانحة للمساعدات الإنسانية للبنان. ففي آب، أعلنت الإدارة الأميركيّة عن حزمة من نحو مئة مليون دولار من المساعدة الإنسانية الجديدة التي تشمل الغذاء والرعاية الصحّية والأمن والمياه والصرف الصحّي.

لكنّ جيسيكا عبيد، المستشارة المتخصّصة في سياسة الطاقة والباحثة في معهد الشرق الأوسط، اعتبرت أنّ كميّة المازوت المُعلن عنها بحوالى مليون غالون، والتي وصلت إلى لبنان يوم الخميس، لا تعدّ كبيرة مقارنةً مع احتياجات البلاد، لكنّها يمكن أن تساعد المؤسسات، موضحةً على سبيل المثال أنّ “المولّد الكهربائي للمستشفى يُمكن أن يستهلك حوالى 26 غالوناً في الساعة الواحدة”.

وفي تقرير مماثل نشرته صحيفة “وول ستريت جورنال” عن لبنان، أوضحت أنّ انكماش الاقتصاد بلغ 40% بين عاميْ 2018 و2020. وقالت الباحثة منى علامي إنّ كثيرين في المجتمع اللبناني يرون الحزب كغيره من الجهات السياسية، أي أنّه “ليس متورّطاً في الفساد فحسب، بل في فشل النظام أيضاً”.

إقرأ أيضاً: المازوت الإيراني: لماذا وافق الحزب على رفع الدعم؟

وبعد استعراض ما سبقَ، تساءلت مجلّة “فورين بوليسي” الأميركية “هل ستتمكّن الحكومة الجديدة من تغيير أيّ شيء؟”. استبعدت ذلك متوقّعةً أن يقتصر ما تقوم به على تنفيذ إجراءات أو تعديلات “تجميليّة” على هذه المشاكل المتجذّرة التي يعاني منها لبنان، البلد المُفلس والمحطّم في آن.

وسألت المجلّة “كيف يمكن لأولئك الذين تسبّبوا في إيصال لبنان إلى ما هو عليه أن يكونوا الأشخاص أنفسهم الذين سيصلحون البلاد؟”. 

مواضيع ذات صلة

السّيناريو البديل عن الانتخاب: تطيير الجلسة تحضيراً لرئاسة ترامب!

في حين يترقّب الجميع جلسة التاسع من كانون الثاني، يحتلّ عنوانان أساسيّان المشهد السياسي: من هو الرئيس المقبل؟ وهل يحتاج موظّفو الفئة الأولى، كقائد الجيش…

1701 “بضاعة” منتهية الصّلاحيّة؟

لا شكّ أنّ ما يراه المسؤولون الإسرائيليون “فرصة لا تتكرّر إلّا كلّ مئة عام” في سوريا تتيح، بعد سقوط نظام بشار الأسد، اقتطاع منطقة من…

الثنائي وترشيح عون: سوياً ضده… أو معه

كعادته، وعلى طريقته، خلط وليد جنبلاط الأوراق عبر رمي قنبلة ترشيحه قائد الجيش العماد جوزف عون لرئاسة الجمهورية، ليحرّك مياه الرئاسة الراكدة. قبيل عودته إلى…

الليلة الأخيرة لـ”ديكتاتور الشّام”..

تحملُ ليلة هروب رئيس النّظام السّوريّ المخلوع بشّار حافظ الأسد قصصاً وروايات مُتعدّدة عن تفاصيل السّاعات الأخيرة لـ”ديكتاتور الشّام”، قبل أن يتركَ العاصمة السّوريّة دمشق…