المازوت الإيراني: لماذا وافق الحزب على رفع الدعم؟

مدة القراءة 5 د

منذ اللحظة الأولى التي أعلن فيها الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصرالله عن بداية شحن المحروقات الإيرانية إلى لبنان، تفتّق في ذهن المراقبين المحايدين سؤالٌ جوهريّ وحيد ومحقّ: بأيّ سعر سيبيع “حزب الله” محروقاته؟

في البداية، قال الحزب إنّ آليّة البيع سيُكشف عنها في حينه، لكن منذ العاشر من محرّم (خطاب نهاية عاشوراء) إلى اليوم توالت الإعلانات عن استقدام باخرة تلو أخرى حتى أصبحت 4 بواخر، ثمّ ملّت الناس انتظاراً، وشبعت رصداً على المنصّات المتخصّصة من دون أن تتمكّن من رؤية ليترٍ واحدٍ من مادة المازوت في محطة من محطات الضاحية الجنوبية، أو أن تعرف ثمن هذا الليتر؟

مصدر مطّلع على آليّة استيراد المحروقات إلى لبنان، لـ”أساس”: أكبر باخرة محروقات (بنزين أو مازوت) تصل إلى لبنان، “لا تتعدّى سعتها 40 ألف طن”، وذلك بسبب طبيعة الأحواض في المرافىء اللبنانية

اليوم، بدأ يدور الحديث، في أروقة وزارة الطاقة ومصرف لبنان، عن حتميّة رفع الدعم بشكل نهائي، وعادت البلاد إلى الأزمة التي لم تتوقّف أصلاً، وذلك بعد تبخّر سلفة الـ225 مليون دولار التي أُقِرَّت في “مجلس الوزراء العوني المصغّر” في بعبدا، وذلك لشهر أيلول.

واتّخذت وزارة الطاقة، تزامناً مع هذا النقاش كلّه، قراراً لافتاً قبل نحو أسبوع قضى بالسماح لشركة “ميدكو” بشحن المازوت من خارج الآليّة المعتمدة من مصرف لبنان بأن يُدفَع ثمنه كاملاً بالدولار النقدي “الفريش”، وبسعر 540 دولاراً للطنّ الواحد، عبر شركة من شركات تحويل الأموال.

هذه الشحنات قيل إنّها لمصلحة بعض التجار والصناعيين الذين سمّتهم الوزارة بـ”المنشآت الصناعية”، وهو الأمر الذي أعادنا بالذاكرة إلى كلام وكالة “نور نيوز” الإيرانية، التي كشفت، بعد إعلان نصرالله عن شحنة المازوت الإيرانية الأولى، أنّ ثمنها سُدِّد بالكامل من تجار ورجال أعمال لبنانيين.

هذا الربط يطرح المزيد من الشكوك حول التوقيت الذي اختارته وزارة الطاقة من أجل اتّخاذ هذا القرار، خصوصاً أنّ البلاد تعاني منذ أشهر من شحّ المازوت، ويدفع المواطنون ثمنه أضعافاً مضاعفة لسماسرة “السوق السوداء”، من دون أن تبحث الوزارة في أيّ حلّ عملانيّ Out of the box من هذا الصنف!

يُضاف إلى هذا سؤالٌ آخر: لماذا شمل القرار مادة المازوت حصراً، ولم يشمل مادة البنزين أيضاً؟ فهل “المنشآت الصناعية” هي أولى من حاجة الناس إلى التنقّل؟ أو أولى من قدرة الموظف الحكومي على الوصول إلى عمله؟ لعلّها أهمّ أيضاً من وصول الأستاذ والتلميذ إلى المدرسة! بل ما هي هذه الصناعة التي ستتمكّن من تكبّد كلّ هذه الأكلاف الباهظة بالدولار الأميركي “الكاش” في بلد يعاني من الـShutdown الكامل والاضمحلال؟

كان الحزب دوماً يرفض رفع الدعم، ويدعو المصرف المركزي إلى الاستمرار به من باب الحرص على مصلحة الطبقات الفقيرة. كان الحزب في حينه لا يدفع شيئاً من جيبه، وذلك بخلاف مصرف لبنان 

كلّ هذا للقول إنّ هذا القرار الصادر بشكل طارىء ومفاجىء عن وزارة الطاقة، لم يكن إلاّ تمهيداً لِما هو أهمّ وأكبر، في ما يبدو. هو “قادومية” ستفتح الطريق أمام تحرير استيراد المازوت، ولذا سيكون أوّلاً من أجل مدّ “حزب الله” بالغطاء المطلوب، ثمّ ثانياً من أجل أن يتمكّن من بيعه في مرحلة لاحقة، بعد “العراضات” والاحتفالات، وفق السعر المحرّر، وذلك إذا علمنا أمرين جوهريّين على وجه الخصوص، وهما:

1. المحروقات التي ترسلها إيران إلى الحزب بواسطة البواخر هي من المازوت فقط ولا بنزين فيها.

2. خسارة الحزب بسبب الفارق بين السعر المحرّر والآخر المدعوم تبلغ الضعف تماماً.

كشف مصدر مطّلع على آليّة استيراد المحروقات إلى لبنان، لـ”أساس”، أنّ أكبر باخرة محروقات (بنزين أو مازوت) تصل إلى لبنان، “لا تتعدّى سعتها 40 ألف طن”، وذلك بسبب طبيعة الأحواض في المرافىء اللبنانية، التي “تشكو من ضحالة المياه فيها، والتي تجعل استيعاب الناقلات الكبرى مهمّة شبه مستحيلة”.

وبناءً على هذا الرقم، كشف المصدر أيضاً أنّ متوسّط سعر حمولة الباخرة الواحدة من هذه البواخر (بين 30 و40 ألف طن)، يراوح بين 15 و20 مليون دولار. وهذا يعني أنّ “حزب الله” إذا استقدم باخرة سعتها 40 ألف طن، وباع حمولتها وفق السعر الرسمي السائد والمدعوم اليوم، أي 98 ألف ليرة لبنانية للصفيحة الواحدة، سيكون بذلك قد استعاد من ثمنها الفعلي قرابة 10 ملايين دولار فقط، فيما قيمتها الحقيقية، بحسب سعر الصرف المحرّر، هي نحو 20 مليوناً ربطاً بسعر الطنّ الذي حدّدته الوزارة بـ540 دولاراً أميركياً (5.2$ سعر الصفيحة المدعومة، و10.4 سعرها محرّرة، مضروبة بـ50 صفيحة للطن الواحد، ثمّ مضروبة بحمولة الباخرة البالغة 40 ألف طن).

فإذا كان سيفعل ذلك، فلماذا يتكبّد خسارة دفترية تُقدّر بنحو 10 ملايين دولار، في الوقت الذي سيكون قادراً على تحصيل المبلغ كاملاً إذا انتظر بتّ رفع الدعم، أو دَفَع الأمور في البلاد صوب هذا الأمر سريعاً؟

إقر أيضاً: قبل رفع الـ3900: أوقفوا مهزلة الـ1500

كان الحزب دوماً يرفض رفع الدعم، ويدعو المصرف المركزي إلى الاستمرار به من باب الحرص على مصلحة الطبقات الفقيرة. كان الحزب في حينه لا يدفع شيئاً من جيبه، وذلك بخلاف مصرف لبنان الذي كان يتكبّد هذه الخسائر من دولارات المودعين.

أمّا اليوم فانقلبت الآية، وبات الحزب ينتظر أن يقبض الأموال، وبات مهتمّاً بالتسعيرة العليا… فسبحان الله ربّي مُغيِّر الأحوال!

مواضيع ذات صلة

هذه هي الإصلاحات المطلوبة في القطاع المصرفيّ (2/2)

مع تعمّق الأزمة اللبنانية، يصبح من الضروري تحليل أوجه القصور في أداء المؤسّسات المصرفية والمالية، وطرح إصلاحات جذرية من شأنها استعادة الثقة المفقودة بين المصارف…

لا نهوض للاقتصاد… قبل إصلاح القطاع المصرفيّ (1/2)

لبنان، الذي كان يوماً يُعرف بأنّه “سويسرا الشرق” بفضل قطاعه المصرفي المتين واقتصاده الديناميكي، يعيش اليوم واحدة من أخطر الأزمات النقدية والاقتصادية في تاريخه. هذه…

مجموعة الـ20: قيود تمنع مواءمة المصالح

اختتمت أعمال قمّة مجموعة العشرين التي عقدت في ريو دي جانيرو يومي 18 و19 تشرين الثاني 2024، فيما يشهد العالم استقطاباً سياسياً متزايداً وعدم استقرار…

آثار النّزوح بالأرقام: كارثة بشريّة واقتصاديّة

لم تتسبّب الهجمات الإسرائيلية المستمرّة على لبنان في إلحاق أضرار مادّية واقتصادية مدمّرة فحسب، بل تسبّبت أيضاً في واحدة من أشدّ أزمات النزوح في تاريخ…