بعد يومين من إصدار مراسيم تأليف حكومته، أعلن الرئيس نجيب ميقاتي أنّه بدأ يتواصل مع الكويت لإعادة إحياء قرض الكهرباء، الذي عرضه الصندوق الكويتي للتنمية على لبنان عام 2012. يدرك جيّداً المتابعون لهذا الملف نوعيّة العصيّ العونيّة التي وُضِعت في عجلات هذا المشروع في ذلك الوقت، والتي اتّصلت بمصالح وصفقات التيار الوطني الحر في هذا القطاع. ولهذا السبب، ثمّة مَن يتساءل اليوم عن احتمال أن يكون هذا الملفّ بالتحديد أوّل الألغام التي ستفجّر العلاقة بين ميقاتي والنائب جبران باسيل.
لكنّ مصادر دبلوماسية خليجية نفت لـ”أساس” أن تكون وزارة الخارجية الكويتية أو الديوان الأميري على علم بما أثير في لبنان عن تجديد العرض بأن يموّل “الصندوق الكويتي للتنمية” بناء محطّات لتوليد الكهرباء في لبنان. وربما استند الحديث إلى موظف كبير، لكن غير مقرّر في مسألة بهذا الحجم، خلال الفترة الحالية.
النائب نقولا نحّاس، يرى في حديث لـ”أساس” أنّ “كلّ ما يمكن قوله في هذه المرحلة هو أنّ القرض مطلوب وبشكل ملحّ، فيما يصعب التنبّؤ بأيّ شيء آخر قبل الحصول على العرض بشكل رسمي”
لكنّ الشائعة التي سرت في لبنان، دفعت مراقبين إلى التذكير بأنّه على الرغم من حجم الانهيار الذي يضرب الاقتصاد اللبناني اليوم، أثبتت تطوّرات المرحلة الماضية أنّ باسيل لم يتخلَّ بعد عن طموحاته في هذا القطاع، بدلالة الحروب التي خاضها لتثبيت معمل سلعاتا ضمن خطة الكهرباء أيام حكومة الرئيس حسان دياب، وإصراره على الاحتفاظ بوزارة الطاقة والمياه ضمن حصّته في الحكومة الجديدة بأيّ ثمن.
لكن من أين جاء الخبر؟
سنة 2012، وخلال مرحلة تولّي ميقاتي رئاسة الحكومة، موَّل “الصندوق الكويتي للتنمية” دراسة مفصّلة كلّفت نحو 600 ألف دولار أميركي، تضمّنت مشاريع لإنجاز نحو ثلاث محطات لتوليد الكهرباء مع جميع المرافق المتّصلة بها من خطوط إمداد المحروقات إلى خطوط التوتّر العالي التي تربطها بالشبكة. وفي ذلك الوقت، أبدى الصندوق الكويتي للتنمية اهتمامه بتمويل هذه المشاريع، بالشراكة مع الصندوق العربي، من خلال قرض ميسّر بقيمة 1.5 مليار دولار يمكن سداده خلال فترة تمتدّ لنحو 20 سنة، وبفوائد لا تتجاوز 2%. وأبدى الصندوق حينذاك استعداده لمنح لبنان فترة سماح يمكن أن تصل إلى سنتين، قبل المباشرة بسداد قيمة هذا القرض. وتشير مصادر مطّلعة على الملفّ لـ”أساس” إلى أنّ الكويت أرسلت بالفعل وقتذاك فريقاً تقنيّاً للتباحث في إمكان العمل على تنفيذ هذه الخطة، الأمر الذي يدلّ على جدّيّة هذه العروض.
من الناحية العمليّة، كان العرض الكويتي يعني أوّلاً توفير التمويل لخطّة الكهرباء، وتمكين البلاد من الحصول على الكهرباء على مدار الساعة خلال بضع سنوات. ومن ناحية أخرى، كان وجود المموّلين الأجانب سيمثّل ضمانة لشفافيّة المناقصات ودفاتر الشروط، بالإضافة إلى مراقبة عمليّات التنفيذ، خصوصاً أنّ آليّات عمل الصندوق الكويتي تفرض في العادة وجود حدٍّ أدنى من معايير الشفافيّة في المشاريع التي يموّلها الصندوق. هذا وقد اعتمد الصندوق الكويتي هذا النوع من المعايير في العديد من مشاريع الكهرباء التي موّلها في عدّة مناطق.
مصادر دبلوماسية خليجية نفت لـ”أساس” أن تكون وزارة الخارجية الكويتية أو الديوان الأميري على علم بما أثير في لبنان عن تجديد العرض بأن يموّل “الصندوق الكويتي للتنمية” بناء محطّات لتوليد الكهرباء في لبنان
ربّما في محاولة لتلافي هذه الشروط ومعايير الرقابة والشفافيّة الصارمة، بدأت العراقيل العونيّة تبرز إلى الواجهة. في تلك المرحلة، طلب وزير الطاقة والمياه جبران باسيل الفصل بين آليّات التمويل ومسار تنفيذ الخطة، بمعنى أن يُقدَّم التمويل إلى وزارة المال بشكل مباشر، في مقابل أن تتولّى وزارة الطاقة والمياه تصميم الخطّة وتنفيذ المشاريع بمعزل عن أيّ رقابة أو تدخّل من قبل المموّلين. وعند هذه النقطة، بدأ المشروع بأسره بالتعثّر، لكون تقديم هذا النوع من التمويل من قبل الصندوق الكويتي مستحيلاً من دون التأكّد من طريقة إنفاق هذا القرض الميسّر. يُشار إلى أنّ هذا النوع من الشروط غير محصور بالصندوق الكويتي، بل تعتمده في العادة جميع الصناديق التي توفّر هذا النوع من المساعدات والقروض.
طار مشروع قرض الصندوق الكويتي، ثمّ تعثّر تطبيق أيّ خطة متكاملة في قطاع الكهرباء. وفي وقت لاحق، تبيّن أنّ الصراع على عقود التنفيذ والتشغيل كان يقف خلف جميع مناوشات القوى السياسيّة التي أطاحت بالكثير من مشاريع القطاع، ومنها قرض الصندوق الكويتي نفسه.
لا كلام كويتيّاً رسميّاً بعد
في هذا الإطار، فإنّ النائب نقولا نحّاس، عضو كتلة ميقاتي النيابية، يبدو متحفّظاً في الإجابة على جميع هذه التساؤلات: “لا يمكن التكهّن بمسار الأمور قبل مناقشة الكويت بشكل رسمي، وفهم نوعيّة الشروط التي سيضعها الطرف الكويتي على الطاولة”. ويرى في حديث لـ”أساس” أنّ “كلّ ما يمكن قوله في هذه المرحلة هو أنّ القرض مطلوب وبشكل ملحّ، فيما يصعب التنبّؤ بأيّ شيء آخر قبل الحصول على العرض بشكل رسمي”.
إقرأ أيضاً: كهرباء الكويت: هل تقبل الحكومة ما رفضته في 2011؟
وإلى جانب العرقلة العونيّة المحتملة، فإنّه يبدو احتمالاً ضئيلاً أن يوافق “الصندوق الكويتي للتنمية” على منح لبنان قرضاً وازناً بهذا الحجم، بمعزل عن مصير مفاوضات لبنان مع صندوق النقد الدولي، ولا سيّما أنّ جميع الجهات الدوليّة باتت تربط أيّ مساعدات أو قروض ميسّرة وازنة بمصير هذه المفاوضات.