ثلاثة عشر شهراً من الفراغ الحكومي، ودولار قَفز من عتبة ستّة آلاف إلى عشرين ألفاً، وانهيار القدرة الشرائية للمواطنين، وإنجاز 80 ألف طلب باسبور من بداية العام الحالي حتّى نهاية آب مقارنة بـ 40 ألفاً في المدّة نفسها من العام الماضي، وتبخُّر الاحتياط الإلزامي للمصارف، وكلفة المازوت والبنزين لعائلة باتت تعادل سعر تذكرة سفر إلى جزر المالديف… هي “كلفة حكومة” قد لا تصمد أكثر من ثمانية أشهر إذا جرت الانتخابات النيابية في موعدها.
احتمال عدم ولادة آخر حكومات العهد كان قائماً في ظلّ ما اعتبره ميشال عون وجبران باسيل حرباً كونية شُنّت ضدهما تحت سقف خلافات سياسية مستشرية بين معسكريْ العهد وأخصامه وصلت إلى حدّ نشر الغسيل المتبادل وتجاوز كلّ اللياقات في التعاطي
فهل قَبِل نجيب ميقاتي التكليف والتأليف ليجلس في السراي الحكومي أقلّ من الأشهر التي “داوم” فيها حسان دياب في رئاسة الحكومة؟ هذا إذا لم يفقد مقعده النيابي في حال عدم ترشّحه للانتخابات. وماذا يمكن أن تَصنعه حكومة “الأثلاث المُموّهة” حيال أزمات قد تحتاج أقلّه إلى سنتين لتحمّي محرّكاتها وتبدأ بولوج باب الحلول المُستدامة، وخطة الكهرباء مثالاً؟ وماذا يمكن أن يتضمّن البيان الوزاري لحكومة ستقصّ قريباً شريط افتتاح موسم الانتخابات بضغط دولي لإجرائها في موعدها بالتزامن مع مفاوضات مصيرية مع صندوق النقد الدولي لاستجلاب العملات الصعبة؟ وهل من تسوية تمّت تحت الطاولة تمنح الحكومة دوراً مُستتِراً؟ وباختصار، هل كلّفت الحكومة كلّ هذا الثمن والوقت لتكون حكومة الـ24 رئيساً بعد نهاية ولاية ميشال عون من دون انتخابات نيابية ولا رئاسية؟
كل الاحتمالات واردة، وحسمها منذ الآن ضرب من التنجيم. لكن بالتأكيد ثمّة مؤشّرات إلى أنّها لن تكون مرحلة وئام وتفاهم تؤسّس لبدء فكّ طوق الحصار الخانق على رقبة اللبنانيين.
قبل أن يطلّ الأمين العام لمجلس الوزراء القاضي محمود مكيّة ويتلو مراسيم الحكومة، تقصّدت دوائر القصر الجمهوري تسريب خبر بأنّ “المراسيم المرتبطة بولادة الحكومة تعدّ وتجهّز في القصر الجمهوري تمهيداً لتلاوتها فقط من قبل الأمين العام”، فيصدر خبر مضادّ آخر بأنّ الأخير “هو من يعدّ المراسيم ويتلوها”.
ليس الأمر مجرّد تفصيلٍ عابر. رئاسة الجمهورية حتّى آخر لحظة كانت تؤكّد دور عون المحوري في كلّ مفاصل ولادة الحكومة. وفور إعلان أسماء الوزراء، كان فريق باسيل الإعلامي و”الترويجي” يُسوِّق لانتصار “محور العهد” في فرض شروطه، وصولاً إلى اعتبار جبران “الرابح الأوّل”: في الشكل بـ”طلب خَدماته” من قبل دول القرار لحلّ العِقَد المستعصية، وبالمضمون بحصول كتلة رئيس الجمهورية على عشرة وزراء من ضمنهم الوزيران المسيحيّان المتّفق عليهما مع ميقاتي.
وفوق ذلك، وفيما كان تصريح ميقاتي لا يزال “يُطنطِن” بأنّ حكومته ستنال حتماً ثقة تكتّل لبنان القوي، حَسمت محطة “otv” العونية ليلاً المشهد قائلةً إنّ “التيار سينتظر برنامج عملها، على أن يجري الحوار المطلوب مع رئيس الحكومة لاتّخاذ القرار. وسيكون للتيّار دور كبير في مساعدة الحكومة على الإصلاح إذا أقدمت، وفي معارضتها إذا أحجمت”.
هل كلّفت الحكومة كلّ هذا الثمن والوقت لتكون حكومة الـ24 رئيساً بعد نهاية ولاية ميشال عون من دون انتخابات نيابية ولا رئاسية
هكذا بدأ العونيون يلوِّحون بالمعارضة منذ الآن في حكومة يقول باسيل لقريبين منه إنّ “له وللرئيس فيها عشرة وزراء، وإلا ما كانت طلعت”. وتقول أوساط عونية: “كما في الحكومة كذلك في برنامجها. لرئيس الجمهورية الدور الحاسم في تحديد بوصلة هذا البرنامج، وعلى رأسه التدقيق الجنائي”.
احتمال عدم ولادة آخر حكومات العهد كان قائماً في ظلّ ما اعتبره ميشال عون وجبران باسيل حرباً كونية شُنّت ضدهما تحت سقف خلافات سياسية مستشرية بين معسكريْ العهد وأخصامه وصلت إلى حدّ نشر الغسيل المتبادل وتجاوز كلّ اللياقات في التعاطي. ولم ينتهِ الأمر بالتأكيد مع صدور مراسيم “حكومة الإنقاذ” المُفترضة. فهناك سلسلة أفخاخ قد تُعطّل عمل الحكومة من الداخل:
1- العلاقة المُلتبسة بين نجيب ميقاتي وسعد الحريري الذي سارع بكلمات مقتضبة إلى إعلان دعمه لـ”حكومة الإصلاحات”. لكنّ لبّ الموضوع يكمن في مدى قدرة “الشيخ سعد” على مواكبة ميقاتي “ينغل” بين الداخل والخارج ويراكم حيثيّة دولية، وربّما يُنجز في بعض الملفّات بدعم من الخارج… فيما بيت الوسط يستعدّ لخوض انتخابات نيابية، حتّى وزير الداخلية فيها محسوب على “حليفه” اللدود ميقاتي.
التسوية الرئاسية إيّاها “نيّمته على حرير” أن يكون الرئيس الأوحد لكلّ حكومات العهد، فإذا بحسّان دياب، ثمّ ميقاتي، يجلسان مكانه. وواقع الأمر أنّ سعد الحريري ليس بخير. وهي نقطة ضدّ حكومة ميقاتي وليست لمصلحتها، حيث ستلعب الحساسيّات السنّيّة لعبتها.
2- العلاقة البالغة السلبية بين عون والرئيس نبيه بري الذي لم يتردّد محيطه بالتأكيد أنّ “كبرى معارك عون خسرها بتثبيت اسم يوسف الخليل لحقيبة المال، والاجتماعات الحاسمة في مسار ولادة الحكومة هي تلك التي شهدتها عين التينة حيث تكرّرت لقاءات الرئيس المكلّف مع برّي بعيداً من الإعلام في حضور معاونه السياسي النائب علي حسن خليل”. كثر يؤكّدون أنّ الجملة المفتاح، التي قالها ميقاتي بعد صدور مراسيم الحكومة وصرّح فيها بأنّ له “الثلثين” داخل الحكومة، منسّقة بالكامل مع الرئيس برّي.
3- ومن هذا المحور تتفرّع معارك التدقيق الجنائي واستعادة الأموال المحوّلة إلى الخارج وتعديل قانون الانتخاب، حيث لعون وباسيل كلمتهما الحاسمة فيها: “نعم للتدقيق الجنائي”، وصولاً إلى “محاسبة رياض سلامة”، و”لا لتعديل قانون الانتخاب”. خطّان لا يلتقيان مع برنامج عمل الخصوم.
إقرأ أيضاً: تُساعية عونية… و”نادي الرؤساء” ممتعض
4- قرار باسيليّ، حتّى لو منح الثقة للحكومة، بمعارضتها لزوم شدّ العصب على أبواب الانتخابات. وما أكثر الملفّات المالية والاقتصادية والمعيشية القابلة لتفجير الحكومة من الداخل. لكنّ هذه المناورة لن تعفي الطرف العوني ولا حتّى رئيس الحكومة من المسؤولية المباشرة عن أداء الحكومة في الشاردة والواردة. فميقاتي لا يستطيع أن يتذرّع بوجود معطّلين داخل حكومة، بتأكيده أن لا ثلث معطِّلاً فيها. ولا باسيل يستطيع سحب البساط من تحت حكومة رفعت كؤوس الشمبانيا في بعبدا احتفالاً بولادتها بعدما اشتغل scan اللقلوق وميرنا الشالوحي في اختيار أكثر من ثلث وزرائها.