شهد لبنان في الأيام الماضية 5 إشارات أطلقت موسم الهجرة إلى سوريا رسمياً، في سياق بدء “تقريش” انتصار محور إيران في لبنان:
1- إعلان سفيرة أميركا في لبنان موافقة بلادها على استجرار الغاز المصري – (الإسرائيلي ضمناً؟) من الأردن عبر سوريا إلى لبنان، لزيادة ساعات التغذية الكهربائية في لبنان.
وهذا يخفي في طيّاته اعترافاً أميركياً بحاجة لبنان إلى سوريا. وبدا إعلاناً غير رسميّ برفع، ولو جزئيّ، للحظر اللبناني عن نظام الأسد. وأيضاً في طيّات كلام السفيرة الأميركية إعلانٌ عن استعداد لدى الإدارة الأميركية لـ”الالتفاف” على قانون قيصر الذي يمنع التعامل مع النظام السوري. فهذا الخطّ الجديد سيفتح للنظام السوري أبواب مصر والأردن ولبنان.
سيطالب النظام السوري بـ”ثمن” مرور الغاز أو الكهرباء في أراضيه، نحو لبنان. وقد بدأ “على الحارك” يقبض، بالزيارات اللبنانية. لكنّ المقابل النهائي قد لا يكون أقلّ من عودة سوريا إلى مقعدها الفارغ في الجامعة العربية
2- جاء هذا التصريح الأميركي بعد بدء سلسلة حوارات من حلفاء أميركا في المنطقة، مع النظام السوري، فكان الحوار السعودي – السوري، وقبله الإماراتي – السوري، ثم الحوار التركي – السوري. وهذا يؤكّد أيضاً وأيضاً أنّ إدارة الرئيس جو بايدن أوحت للأنظمة الحليفة لها بأنّ الحوار مع نظام الأسد ليس ممنوعاً وأنّ الحظر الأميركي في طريقه إلى التفكّك.
3- زيارة وفد وزاري لبناني، مؤلّف من 4 وزراء، يمثلون الحكومة كلّها تقريباً، هم وزيرة الدفاع ووزيرة الخارجية بالوكالة ووزيرا الطاقة والمالية. ومرّت الزيارة من دون أيّ ضجيج اعتراضي، لا من سفراء أوروبا وأميركا، ولا من أيتام 14 آذار، وعلى رأسهم سعد الحريري.
وهذا يؤكّد أنّ الأب الروحي للاعتراض الغربي، أو لاعتراض فريق “السيادة” في لبنان، أي العم سام، ليس ممتعضاً، بل إنّ معلومات “أساس” أشارت إلى أنّه تمّ “جسّ نبض” مسؤولين في واشنطن، فكان الجواب هو نصيحة بالمحافظة على “الطابع التقني” للزيارة. وهي إجابة تقول بوضوح إنّ هناك موافقة أميركية على الزيارة. وهذا ما صدحت به أبواق النظام السوري على الفضائيات العربية والتلفزيونات اللبنانية.
4- زيارة وفد درزي لبناني إلى سوريا، على رأسه النائب طلال أرسلان، حليف جبران باسيل في الجبل، ووئام وهاب، ابن “النظام السوري” في لبنان، والذي فتح خطوطاً خليجية مؤخّراً. وتزامن هذا مع إلغاء النائب وليد جنبلاط مؤتمراً صحافياً كان مقرّراً قبل 10 أيّام، ومع غليان في السويداء، جبل الدروز في سوريا. غليان شعبي معارض للأسد، يواجه عصابات وتنظيمات مسلّحة تحاول تطويع دروز سوريا، العاصين على التطويع منذ 2011، تاريخ بدء الثورة السورية.
5- تنتشر في الإعلام اللبناني رائحة عن التحضير لزيارة وفد سنّي إلى سوريا، مشابه للوفد الدرزي، من حلفاء سوريا وأبواقها السنّة في لبنان. وهذا سيؤشّر إلى “محاصرة” السنّة السياديين، على رأسهم سعد الحريري، الذي بعث رسالة واضحة عبر النائب هادي حبيش، في مقابلة على قناة “الجديد” الأحد 5 أيلول: “أهلاً وسهلاً بالغاز من سوريا ومن أيّ دولة. كتّر خير أميركا”. وأضاف مؤكّداً أن لا مشكلة: “شو هالمصيبة؟”. وتابع تعليقاً على زيارة الوفد الوزاري إلى سوريا: “لا مشكلة لدينا إذا كانت زيارة الوفد اللبناني إلى سوريا ستجلب الكهرباء إلى لبنان”.
لبنان يعيش حرباً كانت “بوسطتها” اغتيال الرئيس رفيق الحريري في 14 شباط 2005. وبعد “حرب السنتين”، التي بدأت في 12 تموز 2006، وانتهت في 7 أيّار 2008، كان واضحاً أنّ الغرب يتعامل مع “الأقوى على الأرض
هي 5 إشارات لا غبار عليها، على أنّ “الحُرم” الأميركي عن نظام الأسد بدأ يتراجع. وبالطبع سيكون لبنان أحد “ضحايا” هذا التموضع الأميركي الجديد. خصوصاً مع ازدياد الحديث عن انسحاب أميركي وشيك من سوريا.
طبعاً سيطالب النظام السوري بـ”ثمن” مرور الغاز أو الكهرباء في أراضيه، نحو لبنان. وقد بدأ “على الحارك” يقبض، بالزيارات اللبنانية. لكنّ المقابل النهائي قد لا يكون أقلّ من عودة سوريا إلى مقعدها الفارغ في الجامعة العربية، منذ تشرين الثاني 2011، وربما عودة بعض النفوذ السوري إلى لبنان. إذا استمرّ التقهقر الأميركي في المنطقة، والانفضاض العربي عن لبنان.
لبنان خسر الحرب. هذه واقعة.
فلبنان يعيش حرباً كانت “بوسطتها” اغتيال الرئيس رفيق الحريري في 14 شباط 2005. وبعد “حرب السنتين”، التي بدأت في 12 تموز 2006، وانتهت في 7 أيّار 2008، كان واضحاً أنّ الغرب يتعامل مع “الأقوى على الأرض”. والبارجة الأميركية الوهمية في ذلك الحين قبالة الشاطىء اللبناني، لم تعترض على احتلال حزب الله لبيروت والجبل.
انتهت الحرب اليوم. انتصر حزب الله. لا جدال في ذلك. حزب الله بقي واقفاً هو وبيئته رغم “تنشيف” لبنان من الدولارات ورفض العرب والأوروبيين مساعدة حكومته المستقيلة.
يعيش بعض اللبنانيين اليوم حالة “نكران” تام، رافضين الخوض في نقاش جديّ، حول انتصار محور إيران في المنطقة، وفي لبنان خصوصاً. لا يصدّقون أنّ الحرب انتهت. ربما ينتظرون هدفاً في الوقت المستقطع.
لكن على منوال دعوات الاقتداء بالاستسلام الألماني، لمَ لا تعترف هذه القوى بالهزيمة، وذلك تمهيداً لمحاولة استنهاض حالة أو إنشاء أطر تدافع عن الهوية الوطنية للبنان، وعروبة البلد وسط منطقة عربية، في وجه انتصار الساعين إلى جعل لبنان ولاية إيرانية جديدة، أو محافظة سورية.
إقرأ أيضاً: برلين – كابول – وبيروت Next (2): المجدُ لكواتم الصوت
لبنان انهزم وأميركا تتعامل وفق مصالحها. الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ينسّق مع الإيرانيين ومع حزب الله. العرب يحاورون الأسد وإيران. تركيا تحاور الأسد.
علينا أن نعترف بالحقيقة المرّة. لكن كيف نواجهها؟
للحديث صلة…