من أين سيأتي مصرف لبنان بسلفة الـ225 مليون دولار التي خصّصها في اجتماع بعبدا من أجل تمويل فاتورة المحروقات خلال شهر أيلول؟ الجواب: إمّا من “السوق السوداء” التي سيتدخّل فيها مصرف لبنان مضارباً، ويرجّح أن يرفع هذا الخيار سعر الصرف إلى أرقام مرتفعة مجدّداً، أو من خلال مورد آخر غير جديد، طالما أنّ المسّ بالتوظيفات الإلزامية غير وارد على ما يقول مصرف لبنان.
التقديرات تشير إلى أنّ مجمل الحوالات المقبلة من الخارج عبر هذه الشركات، هو بين 1 و1.2 مليار دولار سنوياً، أي نحو 125 مليون دولار شهرياً. وبالتالي فإن الرقم الشهري المتوقع أن يحصده “المركزي” لن يتخطى 65 مليون دولار شهرياً
بحسب المعلومات، فإنّ هذا المورد لا يُستبعد أن يكون من دولارات المواطنين المحوَّلة من الخارج على شكل تحويلات عبر شركات تحويل الأموال مثل OMT وMoney Gram وBOB… فهل يعود المركزي إلى خيار دفع هذه الحوالات بالليرة اللبنانية؟
الجواب على الأرجح: نعم.
فالمعلومات ترجّح أن يطلب مصرف لبنان من هذه الشركات في غضون الأيام المقبلة، دفع الحوالات بالليرة اللبنانية، لكن ليس بالكامل، وإنّما من خلال تبنّي “حلّ وسط”، يقضي بدفع قسم منها بالدولار الأميركي، فيما القسم الآخر يُدفع بالليرة اللبنانية على سعر صرف منصة “صيرفة” الخاصة بمصرف لبنان (50/50)، تلك المنصة التي بات “المركزي” يوليها أهمية غير مسبوقة منذ مدة ليست ببعيدة، فيواظب على إصدار البيانات المتواصلة عن حجم التداول فيها وعن قيمة سعر الصرف بشكل شبه يومي، ويحضّ المصارف كذلك على الانخراط في العمل بها (التعميم الأخير رقم 159).
اهتمام “المركزي” بمنصته، هدفه رفع سعر الصرف فيها قدر المستطاع إلى الأعلى، وذلك حتى يتقاطع مع سعر صرف “السوق السوداء” الذي تتحكّم به تطبيقات الهواتف الذكية والمضاربون، وذلك تمهيداً للهيمنة على التطبيقات. مع العلم أنّ سعر صرف الدولار فيها اليوم بحدود 19000 ليرة، فيما آخر سعر صرف سجّلته “صيرفة” كان قبل أيام عند 16500 ليرة لبنانية.
ورهان مصرف لبنان معقود على نجاح هذه الخطة ربطاً بحجم التحويلات، إذ تظهر أرقام شركةOMT الرائدة في تحويل الأموال، أنّ “الدولارات التي دخلت لبنان في الستة أشهر الأولى من عام 2021، زادت بنسبة 50% مقارنة مع الفترة نفسها من عام 2020″، كما تظهر أرقام OMT أنّ “متوسّط معدّل هذه الأموال بلغ في الأشهر الستة الأولى ما قيمته 520 دولاراً”، لكلّ تحويلة.
بحسب المعلومات، فإنّ هذا المورد لا يُستبعد أن يكون من دولارات المواطنين المحوَّلة من الخارج على شكل تحويلات عبر شركات تحويل الأموال مثل OMT وMoney Gram وBOB… فهل يعود المركزي إلى خيار دفع هذه الحوالات بالليرة اللبنانية؟
التقديرات تشير إلى أنّ مجمل الحوالات المقبلة من الخارج عبر هذه الشركات، هو بين 1 و1.2 مليار دولار سنوياً، أي نحو 125 مليون دولار شهرياً. وبالتالي فإن الرقم الشهري المتوقع أن يحصده “المركزي” لن يتخطى 65 مليون دولار شهرياً.
ولعلّ مصرف لبنان يعتبر أنّ دفع نصف هذا المبلغ أو أقلّ منه أو أكثر بقليل، بالليرة اللبنانية على سعر صرف السوق، لن يؤثّر على المواطن ولن يثير حفيظته، طالما أنّه يلجأ أصلاً إلى الصرّاف من أجل صرف جزء من حوالته أو نصفها إلى الليرة اللبنانية لاستخدامه في الاستهلاك اليومي، خصوصاً أنّ أرقام النصف الأول من عام 2021 في OMT تشير إلى أنّ “70% من التحاويل هي أقلّ من 500 دولار”، وهذا يعني أنّ أغلب التحاويل تُستخدم للأكل والشرب بالليرة اللبنانية، وهنا رهان “المركزي” على تقبّل الناس لهذا القرار.
لكن بمعزل عن هذا كلّه، فإذا صحّت الأخبار عن اعتماد هذه الخطة، فإنّ مصرف لبنان سيواجه عراقيل جمّة، لن يكون تخطّيها أمراً سهلاً. أوّل هذه العراقيل هم الصرّافون غير الشرعيين والمضاربون في “السوق السوداء”، الذين سيقفون بمواجهة المصرف المركزي لإحباط خطة “الهيمنة على السوق” أو مشاركتهم فيه، إذ يُستبعد أن يستسلم هؤلاء بسهولة إلى هذا الخيار، لأنّه ببساطة سيحرمهم من نصف الدولارات المحوَّلة من الخارج والتي يعمد أصحابها إلى تصريفها إلى الليرة اللبنانية لديهم.
نسف هذه الخطة سيكون من خلال خلق هامش إضافي أكبر بين سعر الصرف الفعلي وسعر منصة “صيرفة” ربّما يعجز مصرف لبنان من بلوغه لأنه سيتسبّب باستنزافه وبضخّ الكثير من الليرات اللبنانية في السوق.
وبالتالي، فإنّ هذا السيناريو سيُدخل البلاد مجدّداً في موجة لا تهدأ من انهيار الليرة وتحليق سعر الصرف كما في السابق، وإلى ما فوق 20 ألف ليرة، خصوصاً بعد “التسوية” التي أرساها اجتماع بعبدا وقضت بتقاسم عبء دعم المحروقات بالتساوي بين مصرف لبنان والحكومة، والتي ستحرم مصرف لبنان من فرصة استعادة جزء كبير من الكتلة النقدية التي فلشها هو بنفسه في السوق، وذلك من خلال وقف الدعم الذي سيعيد هذه الليرات إلى خزائنه.
بل على العكس، فإن الراتب الإضافي والزيادة على بدل النقل لموظفي القطاع العام، سيزيدان من منسوب الليرات في السوق، ويتسبّبان بموجة تضخّم جديدة.
إقرأ أيضاً: الغاز المصريّ: توفير 30% بالكهرباء
ناهيك عن العوائق القانونية التي تعتري “التسوية” أصلاً، فالحكومة مستقيلة، والجهة التي اتّخذت قرار هذه “التسوية” ليست مجلس الوزراء، وحمّلت أعباءها لحكومة مقبلة وفي موازنة لم تُقرّ حتى الآن أصلاً (موازنة عام 2022)، وهذا ما يصفه بعض القانونيين بـ”الفضيحة” لِما فيه من خرق للدستور، وإرساء سابقة تكليف حكومة غير مشكّلة أعباءً وديوناً في موازنة لاحقة.
في الخلاصة، ما زلنا في طور “الترقيع”… ولا حلول جدّيّة.