يُخطئ من يظنّ أنّ الرئيس المكلّف نجيب ميقاتي، ويُوغل في الخطأ والتقدير، مَن يرى أنّ الاعتذار ضمن الخيارات الموضوعة على طاولة الرجل.
يدرك المتابع للرئيس ميقاتي أنّ تكليفه بتشكيل حكومة ليس صدفةً أو حدثاً مفاجئاً لساكن بناية “البلاتينوم” المطلّة على بحر بيروت. لم يتمّ إيقاظه على عجل من قيلولته بعد الظهر، ولم يُطلَب منه قطع إجازته لأنّه قد كُلِّف تشكيل حكومة بشكل مفاجئ. كان يسعى الرئيس ميقاتي إلى التكليف بالتخطيط والمتابعة، متنقّلاً بين البلدان، طامحاً إلى وساطة أكثر من فريق داخلي وخارجي، فرنسي وغير فرنسي.
اعتمد الرئيس ميقاتي شعاراً شرعيّاً للوصول إلى السراي الحكومي: “طالب الولاية لا يُولّى”. عمد في كل تصريح وإطلالة إعلاميّة وفي أحاديث الصالونات والصبحيّات واللقاءات الرسمية، في مكتبه بمبنى الـM1، إلى أن يؤكّد لكلّ سائل أنّه لا يريد رئاسة الحكومة الآن.
ما يعني الرئيس ميقاتي حالياً وحصرياً هي رئاسة الحكومة، فقط رئاسة الحكومة. هو لم يطلبها، بل سعى ورغب وعمل من أجل الوصول إليها. تحمّل ما لا يمكن لأحد تحمّله بالتزامه إلى حدّ الاعتقال في نادي رؤساء الحكومة السابقين
يتمنّع عن كرسي الرئاسة الثالثة، وهو الراغب بها بلهفة وقوّة. كلّ المناصب لم تعُد تعني الرئيس ميقاتي. فرئاسة كتلة نيابية تحصيل حاصل، والزعامة الطرابلسية واقع لا يمكن لأحد تجاهله، فرضته عوامل عدّة، منها الزمن وواقع المدينة الاجتماعي والاقتصادي وأشياء أخرى لا مجال لحصرها الآن.
ما يعني الرئيس ميقاتي حالياً وحصرياً هي رئاسة الحكومة، فقط رئاسة الحكومة. هو لم يطلبها، بل سعى ورغب وعمل من أجل الوصول إليها. تحمّل ما لا يمكن لأحد تحمّله بالتزامه إلى حدّ الاعتقال في نادي رؤساء الحكومة السابقين. حَرِدَ كثيراً. فكّر تكراراً بالانسحاب بسبب سلوكيّات سعد الدين ومزاجيّاته في اتخاذ القرارات. وكان النادي وأعضاؤه أشبه بالزوجة التي لا تعلم شيئاً عن زوجها النجيب ومغامراته.
سكت بألم عن الفخّ الذي نُصِب لمدير مكتبه السابق السفير مصطفى أديب. ولمزيد من التوضيح باللهجة العامية “بلع الضرب”. لم يعترض ولم يواجه. تألّم بصمت حتى قال أحدهم من المقرّبين منه في جلسة خاصة: “تحمّل الرئيس ميقاتي من سعد الحريري ما لم يتحمّله مع والده رفيق طوال حياته..!”.
ارتضى ميقاتي أن يُسقِط كلّ المرشّحين السنّة على لائحته في الانتخابات النيابية الأخيرة. اكتفى بثلاثة نواب مسيحيّين وعلويّ واحد، للتأكيد أنّه لا يسعى إلى زعامة السُنّة، ولا إلى سلب أبوّة السُنّة من مدّعي أبوّتها. لم ينتقد الرئيس ميقاتي المملكة العربية السعودية طوال مسيرته السياسية، وإن عمل في كثير من الأحيان بخلاف توجّهاتها. لم يسعَ إلى التقرّب من الرياض مطلقاً. أوّلاً لغياب الكيمياء السعودية باتّجاهه. وثانياً التزاماً منه بقاعدة من الماضي:”السعودية مع سعد وسعد مع السعودية”، والدخول بينهما مخاطرة، الخسائر فيها أكثر من الأرباح غير المضمونة.
ما فعله وسيفعله الرئيس نجيب ميقاتي سيُكتَب على الورق، وربّما سيُطبَع في كتاب من المؤكّد أنّه لا يشبه كتاب حسان دياب عن إنجازاته، بل سيُكتَب بنسخة واحدة ليقرأها سعد الدين
يسأل سائل بعد كلّ ما سبق: هل الرئيس ميقاتي فعل كلّ ما فعل، وتحمّل من سعد الدين كلّ ما تحمّل، كي يكون المصارع السادس على الحلبة، ضمن المباريات الاستعراضية المقدّمة للمباراة الرئيسية، بعد ابن مدينته محمد الصفدي، وجاره بالسكن القديم سمير الخطيب، ومدير مكتبه السابق مصطفى أديب، والمحتسب عند ربّه بضعفه حسان دياب؟!…
ما فعله وسيفعله الرئيس نجيب ميقاتي سيُكتَب على الورق، وربّما سيُطبَع في كتاب من المؤكّد أنّه لا يشبه كتاب حسان دياب عن إنجازاته، بل سيُكتَب بنسخة واحدة ليقرأها سعد الدين.
ابن الميقاتي كما كان يسمّيه الراحل الكبير الرئيس عمر كرامي. يظنّ المستقبليون وزعيمهم أنّه سيكون زائراً مؤقّتاً للسراي الحكومي لن تدوم ضيافته أكثر من موعد الانتخابات النيابية وإعلان نتائجها. سيدخل ليخرج بانتظار عودة “غودو”، هذا إن كان الوصف يصحّ، فيما الحقيقة أنّ الرئيس ميقاتي نجح في الخطوة الأولى، وهي أنّه أقنع سعد الدين ومَن معه أنّه أشبه بالمستأجر المؤقّت للسراي الحكومي.
إقرأ أيضاً: ميقاتي فرصة عون الأخيرة؟!
دعوني أتقمّص شخصيّة ليلى عبد اللطيف لأخبركم بما سيكون ويحدث. الرئيس ميقاتي سيُشكّل الحكومة، وسينال ثقة البرلمان وأصوات أكثرية النواب، الصغير منهم والكبير، وسيبقى أقلّه حتى عام 2024، وعندما سيسعى البعض إلى إخراجه سيحتاجون إلى إقناعه، كما فعل هو، أن يؤجّرهم السراي الكبير. إلا أنّ نجيب غير سعد. “وولاد الميقاتي”، وأيضاً وأيضاً كما يقول الراحل الكبير عمر كرامي، إنْ اشتروا عقاراً لا يبيعونه ولا يؤجّرونه، فما يشترونه ينضمّ بشكل نهائي إلى الميراث الكبير.