هاجَم النائب جبران باسيل اقتراح الرئيس سعد الحريري رفع الحصانات، واصفاً إيّاه بأنّه “عمل مسرحي غايته التغطية على التوقيع على العريضة النيابية، وإطلاق النار السياسي على رئيس الجمهورية”.
رأى العونيون في الاقتراح استهدافاً مباشراً للرئاسة الأولى، ولذلك أتى جوابهم بضرورة رفع الحصانات عمّن طلب المحقّق العدلي في قضية تفجير مرفأ بيروت، القاضي طارق البيطار، الاستماع إليهم كمدّعى عليهم، مع توجّههم نحو بعث رسالة إلى مجلس النواب تطلب”رفع الحصانات فوراً” بعد إعلان رفضهم التوقيع على العريضة النيابية والسير باقتراح الحريري. ثمّ بلّغ رئيس الجمهورية المدّعي العام التمييزي القاضي غسان عويدات “استعداده المطلق للإدلاء بإفادته في انفجار المرفأ إذا رغب المحقّق العدلي بالاستماع إليه”.
بعد المشنوق بأسبوع أطلّ الحريري من بيت الوسط، معلناً تقديم كتلة “المستقبل” اقتراح قانون يقضي بتعليق كل المواد القانونية التي توفّر الحصانات لرئيس الجمهورية ورؤساء الحكومات والنواب والوزراء والمحامين، فيُتاح الادّعاء عليهم في ملف انفجار مرفأ بيروت
كلّ هذه “العراضة” العونية هي تحت الاختبار المباشر ربطاً بجواب المجلس الأعلى للدفاع ورئيسه، أي رئيس الجمهورية، على رفع الحصانة عن المدير العام لأمن الدولة اللواء طوني صليبا المحسوب على ميشال عون.
فقد استنجد رئيس الجمهورية بهيئة التشريع والاستشارات، التي أفتت بصلاحية “المجلس الأعلى”، وليس رئاسة الحكومة، لمنح الإذن بالملاحقة. وقد بادر المحقّق العدلي أمس إلى إعادة طلب الإذن من المجلس.
وبانتظار كيفيّة تعاطي المجلس الأعلى للدفاع مع طلب القاضي طارق البيطار، ستبقى “المطالعة العونية” برفع الحصانات أسيرةَ الشعبويّة والمزايدات ما لم يتجاوب عون مع طلب المحقّق العدلي الذي تبدأ مهلة بتّه من لحظة تسجيله في الأمانة العامة للمجلس الأعلى للدفاع، وهي 15 يوماً.
أمّا رئيس مجلس النواب نبيه بري فأكّد في العلن ما طَبَخه خلف الكواليس مع معدّي الاقتراح لناحية تعليق العمل بالحصانات والامتيازات في كلّ ما يتعلّق بجريمة المرفأ.
وقد كشف عن استعداد مجلس النواب “لرفع الحصانات عن الجميع من دون استثناء، وضمناً القضاء الذي وضع يده على قضية النيترات منذ لحظة رسوّ الباخرة المشؤومة إلى لحظة حدوث الانفجار”، مؤكّداً تأييد “تعليق كل الحصانات تماشياً مع الاقتراح الذي تقدّمت به كتلة المستقبل”، ومعتبراً أنّ “أصابع الاتّهام يجب أن تُوجّه إلى مَن يحاول الاستثمار في الدماء لأغراض باتت مكشوفة”.
يُتوقّع لمطلب رفع الحصانات “بالجملة”، الذي يطول السياسيين، بدءاً من رئيس الجمهورية، ونزولاً إلى القادة الأمنيّين والقضاة، أن يَدخل أكثر البازار الانتخابي مع اقتراب الاستحقاق النيابي، لكن من جانب مطلقي النار عليه أكثر من الجهات التي تطالب به.
أحد معدّي الاقتراح قال لـ”أساس”: فليتفضّل مَن لديه وسيلة أخرى من الآن حتى تشرين الأول تسمح برفع الحصانات عن الجميع ومن دون استثناء، فيمثُل المدّعى عليهم أمام المحقّق العدلي فقط، ويُحاكَمون أمام المجلس العدلي
بات الكباش علنيّاً، والاصطفافات واضحة حياله، وعطبه الأساس أنّه يأخذ شكل الفرز الطائفي مع تموضع القوى المسيحية إلى جانب مطلب رفع الحصانات فوراً في مجلس النواب عن المدّعى عليهم في سياق يصعب فصله عن الشعبوية المُفرِطة، فيما القوى الأخرى تعمل على خط اعتماد مسار أشمل وأكثر متانة يتضمّن رفع الحصانات عن الجميع عبر تعليق كلّ القوانين والموادّ الدستورية المرتبطة بها من أجل أن يمثل جميع هؤلاء أمام هيئة قضائية واحدة هي المحقّق العدلي، وذلك لمنع تعدّد المرجعيات القضائية في قضية إنسانية وقضية رأي عامّ بامتياز لا تحتمل مزايدات وحسابات شخصية تأخذ شكل تصفية الحسابات لا التفتيش عن الحقيقة الكاملة في جريمة المرفأ.
وكان النائب نهاد المشنوق طلب تعديل الدستور والقوانين في قضية انفجار المرفأ “وفي كل القضايا المُحالة إلى المجلس العدلي من رئيس الجمهورية حتى آخر موظّف”، خلال مؤتمره الصحافي في مجلس النواب، قبل أسبوع من مطالبة سعد الحريري بها. وأكّد المشنوق، يوم الجمعة 23 تموز، أنّه سيسعى مع زملاء له إلى تقديم اقتراح قانون لتعديل الدستور.
بعد المشنوق بأسبوع أطلّ الحريري من بيت الوسط، معلناً تقديم كتلة “المستقبل” اقتراح قانون يقضي بـ”تعليق كل المواد القانونية التي توفّر الحصانات لرئيس الجمهورية ورؤساء الحكومات والنواب والوزراء والمحامين، فيُتاح الادّعاء عليهم في ملف انفجار مرفأ بيروت”. وباشر لاحقاً نوّاب من الكتلة عرض الاقتراح على الكتل السياسية.
أتى هذا الاقتراح عقب توقيع عريضة نيابية تتعلّق بـ”اتّهام وإذن بالملاحقة أمام المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء”، وتشمل وزراء سابقين ادّعى عليهم المحقّق العدلي القاضي البيطار، لكنّها خضعت لأخذٍ وردّ مع إقحامٍ مقصود لها في الزواريب السياسية، على الرغم من أنّ نصّ الدستور واضح في شأن ملاحقة الرؤساء والوزراء والنواب أمام المجلس الأعلى وليس أمام أيّ جهة قضائية أخرى.
يبدو الاقتراح المقدّم أكثر شمولية وعدالة بحيث يطلب تعليق العمل بالمواد 40-60-61-70-71-72-80 من الدستور، إضافة إلى تعليق العمل ببعض موادّ قانون الموظفين، وقانون تنظيم مهنة المحاماة، وأصول المحاكمات الجزائية، ولا سيما أنّ ادّعاءات أخرى قد تصدر قريباً.
أحد معدّي الاقتراح قال لـ”أساس”: “فليتفضّل مَن لديه وسيلة أخرى من الآن حتى تشرين الأول تسمح برفع الحصانات عن الجميع ومن دون استثناء، فيمثُل المدّعى عليهم أمام المحقّق العدلي فقط، ويُحاكَمون أمام المجلس العدلي، ويمتنع صدور ثلاثة قرارات عن ثلاث جهات قضائية مختلفة (المجلس العدلي – المحكمة الخاصة بالقضاة – المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء) في قضية انفجار المرفأ”.
إقرأ أيضاً: للقضاة محكمتهم الخاصّة… وللوزراء أيضاً
وأضاف: “عندما تُعلَّق القوانين الخاصة والنصوص الدستورية “بِبَطّل في شمسية فوق راس حدا”، مشيراً إلى أنّ “من غير المنطقي القبول بإحالة قضاة ادّعى عليهم القاضي البيطار إلى محكمة خاصة بهم، والاعتراض على مسار دستوري واضح بمحاكمة رؤساء ووزراء ونواب أمام المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء. لذلك الحلّ هو بتعليق العمل بالقوانين، فيُتاح رفع الحصانات، ويمثُل الجميع أمام المحقّق العدلي. ولننتظر جميعاً قراراً قضائياً واحداً صادراً عن المجلس العدلي لا غير”.
ورأى داعمو الاقتراح أنّ “المطالبة برفع الحصانات، بالطريقة الشعبوية التي تتمّ، ستؤدّي عملياً إلى ملاحقة المدّعى عليهم أمام المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء بحكم نصوص الدستور، فيما تعليق العمل بالقوانين المرتبطة بالحصانات تقود الجميع إلى المثول أمام المحقّق العدلي فقط، ومن رأس الهرم في الدولة إلى آخر موظف”.