يترافق اعتذار الرئيس سعد الحريري الوشيك مع عجقة وفود فرنسية متعدّدة المهمّات، وحراك دبلوماسي أميركي – فرنسي – سعودي يتزامن مع إطلاق الإنذار الأخير بقرب فرض عقوبات أوروبية يجزم مطّلعون لـ”أساس” أنّ “نسبة تطبيقها باتت أكبر بكثير مع الفشل المدوّي في تأليف حكومة تستجيب لمتطلّبات المرحلة. أمّا لائحة الأسماء النهائية فستُحسم وفق “الإطار القانوني” الذي ستتوافق عليه دول الاتحاد الأوروبي، والذي سيحدّد المشمولين بهذه العقوبات”.
ويؤكّد مطّلعون أنّ “العنصر المستجدّ في هذا السياق هو الحديث عن “إجماع” أوروبي على العقوبات لم يكن متوافراً سابقاً. وهو يترافق مع ضغط متزايد لإجراء الانتخابات النيابية في موعدها، حيث يظهر اتجاه أوروبي ليس فقط لمواكبتها بجيش من المراقبين الدوليين، بل أيضاً تمويل مستلزماتها المالية واللوجستية”.
مطّلعون: لا ممانعة دولية في ظل صعوبة الاتفاق على رئيس مكلّف جديد، أن تشرف حكومة تصريف الأعمال على إدارة مرحلة الانتخابات، ولا سيّما أنّ وزراءها ليسوا تابعين بشكل فاقع لمرجعيّات سياسية، بمن فيهم الرئيس حسان دياب
إلى ما قبل الساعات الأخيرة من اعتذار الرئيس المكلّف المتوقّع، كان فريق العهد والتيار الوطني الحر “يزيح” رئيس تيار المستقبل بمطلب “تشكيل حكومة برئاسة سعد الحريري”، تخلّلته محاولات عدّة لسحب التكليف منه.
هو مطلبٌ لا يتآلف مع يوميّات ثمانية أشهر من مفاوضات هي بالتأكيد الأكثر “كلفة” في تاريخ تكليف رؤساء الحكومات ما قبل “الطائف” وما بعده. تكليف بدأ بدولار عند عتبة سبعة آلاف، ويختم “مشواره” على دولار بعشرين ألفاً.
وما بين العَتبتيْن تفاقمت الأزمات وتناسلت إلى حدّ الفوضى شبه الكاملة: لا كهرباء، لا ماء، لا دواء، لا بنزين، لا مازوت، لا أمان اجتماعي، لا ودائع في المصارف، لا تأمين صحي، لا استشفاء سوى بشروط، لا قيمة للرواتب، لا سلع أساسية سوى بأسعار خيالية… وحتى لا إشارات سير… وبالتأكيد لا كرامة للمواطنين.
وسط لاءات تمهِّد لـ”الجحيم” المنتظر، شُبِّعت أشهر التكليف بما يكفي من صواعق تفجيره: لا العهد “بَلَعَ” فكرة رئاسة الحريري آخِرة حكومات العهد بوزرائها الاختصاصيين الخارجين عن طاعة بعبدا، ولا رئيس تيار المستقبل كان بوارد التعاون مجدّداً مع شريك التسوية السابق حتى مع ما بَلَغه من رسائل طمأنة: “تحلَّ بالصبر.. فأيّام عون في الحكم مع فريقه السياسي باتت معدودة”. وتجلّت مصيبة الحريري الكبرى في عجز عواصم غربية وعربية عن التعويض عن مظلّة “الراعي الرسمي” لحضوره في السلطة منذ عام 2005.
العقاب الأكبر للطبقة الحاكمة هو وقوف دول القرار سدّاً منيعاً أمام سحب لبنان حصّته من صندوق النقد الدولي، في ظل العجز عن تأليف حكومة بشروط الدول المانحة
ويلفت مراقبون إلى اختيار الحريري توقيت “الانسحاب” على وقع التلويح الأوروبي الأكثر جدّيّة منذ نحو عام بالتوافق السياسي “على وضع إطار قانوني لاتّخاذ تدابير ضد قادة سياسيين لبنانيين دفعوا بلادهم إلى الانهيار الاقتصادي”، متحدّثين عن “عقوباتٍ ستُفرض عليهم قبل نهاية الشهر الحالي”.
ليس هذا فقط. فالعقاب الأكبر للطبقة الحاكمة هو وقوف دول القرار سدّاً منيعاً أمام سحب لبنان حصّته من صندوق النقد الدولي، في ظل العجز عن تأليف حكومة بشروط الدول المانحة.
وكان رئيس مجلس النواب نبيه بري بشّر بإعلان “حصول لبنان على 900 مليون دولار من صندوق النقد الدولي لحساب مصرف لبنان في 23 أيلول المقبل”.
هكذا يترك الحريري حلبة التكليف ليقفز إلى حلبة الاستعداد لأصعب انتخابات نيابية يخوضها مع فريقه الأزرق منذ عام 2005 تحت مظلّة “الرعاية” الشيعيّة السياسية له التي تبلورت منذ ما قبل تقديم استقالته في 29 تشرين الأول 2019.
وهي الانتخابات التي ستكون بـ”رعاية مباشرة” من قبل المجتمع الدولي الذي يدرس إرسال مجموعات مراقبة لتأمين حاضنة لإجرائها في موعدها “ومن دون تأخير” تحت عنوانين: منع المال السياسي من التحكّم بدفّة الانتخابات، وتأمين الدعم اللوجستي والمالي لقوى في المجتمع المدني لتتمكّن من إحداث اختراقات جدّية في خارطة مجلس النواب المقبل. وهذا الدعم منفصل عن الدعم الذي قد تقدِّمه الدول المعنيّة للحكومة لسدّ احتياجاتها اللوجستية الأساسية في العملية الانتخابية.
وتقول شخصية متابِعة لملفّ لبنان في دوائر الاتحاد الأوروبي: “للمرّة الأولى يحرص الفرنسيون والأميركيون على الاطّلاع على تفاصيل قانون الانتخاب الحالي والخيارات المتاحة لإدخال تعديلات عليه تسمح بمزيد من حرّية الحركة والتأثير لقوى خارجة من عباءة الزعامات التقليدية والأحزاب الكبرى”.
إقرأ أيضاً: باسيل ينحر حكومة الـ24 في مسلخ بعبدا
وجولة الرئيسة السابقة لبعثة الاتحاد الأوروبي لمراقبة الانتخابات النيابية وسفير الاتحاد الأوروبي في لبنان رالف طراف، تؤسّس لخارطة طريق الإشراف المباشر للاتحاد الأوروبي على الاستحقاق النيابي المقبل بما يتجاوز أدواره الخجولة عام 2018.
ويجزم مطّلعون أن “لا ممانعة دولية، في ظل صعوبة الاتفاق على رئيس مكلّف جديد، أن تشرف حكومة تصريف الأعمال على إدارة مرحلة الانتخابات، ولا سيّما أنّ وزراءها ليسوا تابعين بشكل فاقع لمرجعيّات سياسية، بمن فيهم الرئيس حسان دياب”، مؤكّدين أنّ “الأوروبيين لم يمانعوا أصلاً أن تتولّى الحكومة في مرحلة تصريف الأعمال جزءاً من الالتزامات المرتبطة بمشاريع إصلاحية مع الدول المانحة. وفي ما يخصّ الانتخابات تحديداً، فإنّ الوزراء المعنيّين بها بشكل أساسيّ (إدارياً وأمنيّاً)، كوزراء الداخلية والدفاع والمال، لا تحفّظات أوروبية على بروفيلهم”.