الكلّ بات يعرف أنّ سعد الحريري هو المرشّح الوحيد لدى حزب الله لرئاسة الحكومة. وخطّ الدفاع الأوّل عنه هو “الثنائي الشيعي”. والرئيس نبيه برّي حائط الصدّ الأساسي دفاعاً عن تكليف الحريري ولحمايته سياسياً. كلّ هذا وسط معلومات، لا تجد مَن ينفيها، عن سوء علاقة الحريري بمرجعيّته الإقليمية العربية.
ولا يصدّق عاقلٌ أنّ حزب الله، الذي “تغطّى” بكتلة جبران باسيل الثلاثينية، طوال 15 عاماً، لينفي عن حركته السياسية صفة “الشيعيّة”، ولإعطائها بعداً “وطنياً”… قرّر التخلّي عن هذه العلاقة.
لا يجد حزب الله خصوماً في مجلس النواب، ما عدا بعض النواب المستقيلين تضامناً مع “ثورة 17 تشرين”، إضافة إلى كتلة “القوات اللبنانية”، التي ما عدنا نفهم هل يريد قائدها سمير جعجع أن يهادن الحزب سعياً إلى رئاسة الجمهورية، أو يريد مخاصمتها “بهدوء”
بات واضحاً أنّ حلف حزب الله في لبنان يستحوذ على الثلث زائداً واحداً من النواب، من دون أن نضيف إليهم كتلة النائب وليد جنبلاط، التي لا تقف في “المقلب الآخر” للحزب، وتبدو على مقربة من خياراته الداخلية تحت عنوان “التسوية” التي ستأتي السطور اللاحقة على تشريح معانيها.
لذا لا يجد حزب الله خصوماً في مجلس النواب، ما عدا بعض النواب المستقيلين تضامناً مع “ثورة 17 تشرين”، إضافة إلى كتلة “القوات اللبنانية”، التي ما عدنا نفهم هل يريد قائدها سمير جعجع أن يهادن الحزب سعياً إلى رئاسة الجمهورية، أو يريد مخاصمتها “بهدوء” لأسباب يصعب أن تكون مفهومة.
والحلف الواضح، وفق هذا المشهد، هو تحالف الثنائي الشيعي مع جبران باسيل وسعد الحريري، تواكبه ضمانة ألا يكون جنبلاط عدوّاً، ولا حتّى خصماً.
فإذا كان القارىء قيادياً في حزب الله، وتقترب الانتخابات النيابية، هل يخطر في باله شيء غير أن يحافظ على هذا الستاتيكو في مجلس النواب؟
إذا كان القارىء مسؤولاً سياسياً في الحزب، أفلن تكون الوصية الأساس هي “حفظ الكتل الحليفة” التي هي، استطراداً، كتلتا الحريري وباسيل؟
أوّلاً: باسيل “أكل العقوبات” كرمى لعيون الحزب. وظاهرة “ناجي حايك” لا استثمار سياسيّاً لها. هي مجرّد “تمثيليّة” لا يمانع الحزب بمشاهدتها مع “بوب كورن”.
ثانياً: الحريري بات خصماً غير معلن لمرجعيّته العربية. ماذا يريد الحزب أكثر من ذلك من “زعيم السُنّة”؟ ويمكن إضافة كيف أنّ الحزب أرسل نوّابه السنّة للالتفاف حول الحريري في الأسابيع الأخيرة.
واستطراداً أيضاً: ما هي الطريق الأقصر إلى ضمان فوز الحريري وباسيل في الانتخابات، لضمان أن يحافظ “نظام الحزب” على وجوده النيابيّ، مصدر السلطات في لبنان؟
أيّ خبير سياسي يمكن أن يقرأ “المشروع السرّي للحزب”، الذي بدأ تنفيذه بعد أشهر من “ثورة 17 تشرين”، التي فاجأت مشروع الـ74 نائباً، والملحق السرّي ذا الـ19 نائباً.
تمثيلية وجود خلاف بين باسيل والحزب. هكذا ينظّف الحزب صورته من “العدوّ رقم واحد للشعب اللبناني”، أمام جمهوره وبقية اللبنانيين. ويتبرّأ باسيل من الحزب الذي بات، بعد تفجير مرفأ بيروت”، متّهماً، بجلب “الدمار” على مناطق المسيحيين
جاءت الثورة من حيث لا يدري أحد. الردّ السريع من الحزب كان بالضرب و”الخبيط” في الساحات التي استطاع إليها سبيلاً، بين الجنوب والضاحية ووسط بيروت. حاول الاستعانة بالقوى الأمنيّة في المناطق المسيحية. واستعان بـ”سراياه” السنّيّة في طرابلس وصيدا.
الخطة “ب” كانت في اختراق مجموعات الثورة، وتحريض بعضها على بعض، ونجح مشروع الاختراق هذا، وصولاً إلى ائتمار عدد كبير من المجموعات بتوجيهات الحزب، “من إلى عن على”، كي لا يُعرَف مصدر الأوامر. وكانت المجموعات العدوّة لـ”المصرف” الأكثر حضوراً في الإعلام، ومجموعات أخرى أقلّ حضوراً، لكن مارست أدواراً في عرقلة “توحيد” قيادات الثورة.
الخطة “ب” هي الخطّة السرّيّة التي بدأ تنفيذها على أربع مراحل:
1- تمثيلية وجود خلاف بين باسيل والحزب. هكذا ينظّف الحزب صورته من “العدوّ رقم واحد للشعب اللبناني”، أمام جمهوره وبقيّة اللبنانيين. ويتبرّأ باسيل من الحزب الذي بات، بعد تفجير مرفأ بيروت، متّهماً، في الوعي المسيحي، بجلب “الدمار” على مناطق المسيحيين، شرق بيروت. وبات متّهماً، بعد الانهيار المالي، بأنّه سبب الخراب الاقتصادي والمالي، الذي طال أوّل ما طال الأرزاق المسيحية. هذا لأنّ الطبقة الوسطى لدى المسيحيين هي الكبرى والأعرض، وربّما تكون قد تأثّرت أكثر من غيرها بالانهيار الحاصل. إذ يقول العارفون إنّ النظام المصرفي، في عمقه، مسيحيّ الطابع، وإن كانت ودائع غير المسيحيين قد تكاثرت في العقود الأخيرة بعد اتفاق الطائف.
2- إعلاء النبرة المذهبية في الخطاب السياسي وفي وسائل الإعلام، وفي التحريض الطائفي والمذهبي، لضرب النَفَس الثوري في الحيّز العامّ (Espace Public)، واستبداله بخطابات ما قبل ثورية، أو “قبلية”. وخير دليل على ذلك ظاهرة الأب كميل مبارك التي شاهدنا في برنامج “صار الوقت” خواءها السياسي، وعريها من أيّ فكرة إلا التحريض الأعمى ضدّ المسلمين، طمعاً في تعميم التشاتم المذهبي.
3- رشوة الناخبين من خلال:
– البطاقة التمويليّة لنصف مليون عائلة، أي مليونيْ لبناني على الأقلّ، إذا احتسبنا أنّ العائلة متوسّط حجمها 4 أفراد في لبنان.
– و400 دولار “كاش” لنحو 800 ألف مودع، أي أكثر من مليونيْ لبناني، و400 دولار على سعر منصّة صيرفة البالغ 12 ألف ليرة. وهذه رشوة انتخابية سيبدأ دفعها على مشارف الانتخابات.
4- إشعال المدن السنّيّة، والبداية من طرابلس لأنّها الحلقة الأضعف. وذلك لخدمة ناخبي الأضلاع الثلاث للحلف الحاكم، وطرف رابع “ضروريّ”:
أوّلاً: الجمهور العوني، من خلال إعادة تعويم الخوف من “السُنّة”، وهو الخطاب الذي قامت عليه العونيّة السياسية.
ثانياً: الجمهور الشيعي، الذي بدأ يتفلّت من قبضة “الثنائي” في الأشهر الأخيرة، تحت وطأة الجوع الذي لا يميّز بين لبنانيّ وآخر.
ثالثاً: جمهور الحريري، الذي سيجد في رئيسه “رحمة” أمام التطرّف.
رابعاً: الدول العربية، التي لا تريد تطرّفاً إسلامياً في لبنان، قد ينتقل، بفعل العدوى اللبنانية السريعة والقويّة، إلى داخل حدودها.
إلى جانب هذه الخطة، “ضبضب” الحزب حلفاءه الدروز إلى جانب جنبلاط، من خلال “لقاء خلدة” في منزل طلال أرسلان، بحضور وئام وهّاب.
إقرأ أيضاً: حين قال باسيل: قضيتُ على الحريري داخلياً وخارجياً
وأيضاً يرتاح الحزب إلى مشاهد اللبنانيين المنهمكين في الحصول على البنزين والدواء والخبز، في طوابير الذلّ. فالباحث عن لقمة عيشه، لا وقت لديه لـ”الثورة”. الثورات تصنعها الطبقة الوسطى، وليس الفقراء المعدَمون.
هذا هو المشروع السرّيّ للحزب: إنقاذ الحريري وباسيل من الخطر الانتخابي، في مواجهة المدّ الثوري، الذي بدأت نتائجه تظهر في انتخابات النقابات والجامعات. أو بكلام آخر: المحافظة على “كتلة سليماني” في مجلس النوّاب.