يبدو أنّ محادثات فيينا النّوويّة تترنّح، وأنّ غيوماً ملبّدة تلوح في سماء عاصمة النمسا.
هذا ما تعكسه تصريحات المسؤولين الأميركيين والإيرانيين خلال عطلة نهاية الأسبوع. إضافةً إلى أنّ المؤشّرات السّياسيّة والأمنيّة كلّها، من العراق إلى لبنان، مروراً بسوريا، تؤكّد أمراً واحداً: “المُحادثات في فيينا ليسَت بخير”.
أوّلاً: تغيّرت لهجة التخاطب بين واشنطن وطهران. إذ أعلن وزير الخارجيّة الأميركي أنتوني بلينكن بعد لقائه نظيره الفرنسيّ جان إيف لودريان في العاصمة الفرنسيّة باريس عن “إمكانية انسحابنا من محادثات فيينا الخاصّة قريباً”. وقال: “لن نتوصّل إلى صفقة مع إيران إلا إذا أوفت بالتزاماتها النووية”.
راقبوا جيّداً التّطوّرات الميدانيّة في العراق وسوريا. فقد استبقت إيران تصريحات بلينكن ومالي عن محادثات فيينا، برسائل من طراز “طائرات مُسيّرة مُفخّخة” استهدَفت قرية مجاورة لمبنى القنصليّة الأميركيّة في أربيل شمال البلاد
بعد بلينكن، كان الكلام لصديق الإيرانيين والمبعوث الخاصّ إليهم روبرت مالي، الذي خَرجَ بكلام بعيد كلّ البعد عن الغَزل، الذي كان يقوله للإيرانيين: “لن نوافق على رفع جميع العقوبات التي فرضتها إدارة ترامب على طهران، ونافذة المُفاوضات لن تبقى مفتوحةً إلى الأبد”.
بعد التصريحين الأميركيّين، جاءَ الرّدّ الإيرانيّ باللهجة نفسها. فغرّد المُتحدّث باسم الخارجيّة الإيرانيّة سعيد خطيب زاده على تويتر: “لن تتفاوض إيران إلى ما لا نهاية”. وعلى نفسِ مسَار خطيب زاده، كانَ رئيس البرلمان وعضو مجلس الأمن القومي محمّد باقر قاليباف يُعلِن أنّ بلاده لن تقدِّم أبداً صورَ بعض المواقع النووية الإيرانية للوكالة الدولية للطاقة الذرية.
ثانياً: راقبوا جيّداً التّطوّرات الميدانيّة في العراق وسوريا. فقد استبقت إيران تصريحات بلينكن ومالي عن محادثات فيينا، برسائل من طراز “طائرات مُسيّرة مُفخّخة” استهدَفت قرية مجاورة لمبنى القنصليّة الأميركيّة في أربيل شمال البلاد.
بدورها، استمهَلَت واشنطن الرّدّ، الذي كان على توقيتها بعد 24 ساعة من تصريحات وزير خارجيّتها. إذ قامت طائرات من طراز F-15 تابعة لسلاح الجوّ الأميركيّ، ليل الأحد – الاثنين، بشنّ غارات عنيفة على المنطقة الحدوديّة بين العراق وسوريا. وفي معلومات حصل عليها “أساس”، فإنّ قيادة المنطقة الوسطى في الجيش الأميركيّ استهدفَت مواقع ومخازن طائرات مُسيّرة تابعة لميليشيات كتائب حزب الله العراقيّ وكتائب سيّد الشهداء في منطقة ريف دير الزّور الشّرقي.
ثالثاً: وصل الاشتباك إلى بيروت. فكانت المبارزة الكلاميّة بين السّفارتين الأميركيّة والإيرانيّة في لبنان، في سياق عن المسار المُترنِّح في فيينا. فبعد ساعاتٍ من تصريح سفيرة الولايات المُتحدة لدى لبنان دوروثي شيا عن أنّ “النّفط الإيرانيّ ليس الحلّ لأزمة الوقود في لبنان”، خرجَت السّفارة الإيرانيّة بتغريدة “تحدٍّ” لتتحدّث عن وصولٍ افتراضيّ لبواخر نفط إيرانيّة إلى السّواحل اللبنانيّة. ولم تُغفل سفارة طهران أن تصف كلام شيا بـ”التفاهات”، داعية إيّاها للكفّ عمّا سمّته “التّدخّل في العلاقات بين لبنان وإيران”.
رابعاً: ردّ الأمين العام لحزب الله السّيّد حسن نصرالله، في خطابه الأخير، على طرح رئيس التّيّار الوطنيّ الحرّ النّائب جبران باسيل، يُمثّل مؤشّراً جديداً إلى سوء سير المحادثات في فيينا، على الرّغم من نفي نصرالله ارتباط مسألة تشكيل الحكومة بالطاولة التي تضمّ إيران والمجموعة الدّوليّة في العاصمة النّمساويّة.
في معلومات حصل عليها “أساس” فإنّ قيادة المنطقة الوسطى في الجيش الأميركيّ استهدفَت مواقع ومخازن طائرات مُسيّرة تابعة لميليشيات كتائب حزب الله العراقيّ وكتائب سيّد الشهداء في منطقة ريف دير الزّور الشّرقي
وهنا يقرأ متابعون في كلام نصرالله عدم جديّة في حلّ مسألة تشكيل الحكومة، وذلك بعدما أعاد تفويض مسألة تشكيل الحكومة إلى مبادرة الرّئيس نبيه برّي ردّاً على طلب باسيل “تحكيم السّيّد” والاستعانة به كصديق. وهنا كان نصرالله يعيد باسيل إلى خطوط الاشتباك القائمة مع الرّئيس برّي والرّئيس المُكلّف سعد الحريري، مبقياً الأمور على ما هي عليه.
ويقول مراقبون إنّه لو كانت النّيّة موجودة عند حزب الله لحَلّ مسألة تأليف الحكومة بساعات قليلة، تماماً كما حصل سنة 2014 خلال تشكيل حكومة الرّئيس تمّام سلام التي بقيت مُعلّقة لـ9 أشهر، قبل أن تولد مع تقدّم المحادثات بين واشنطن وطهران.
من المعلوم أنّ إدارة الرّئيس الأميركي جو بايدن المُستعجلة للعودة إلى الاتفاق النّوويّ هي إدارة براغماتيّة، لكنّها ليست ساذجة. أولويّتها منع إيران من الحصول على السّلاح النّوويّ. لكنّ غياب استراتيجيّة الإدارة الدّيموقراطيّة نحو الشّرق الأوسط وتركيز همّها الاستراتيجي على الشّرق الأقصى، حيث الصّين وروسيا، جعل الإيرانيين يُراقصون الأميركيين على حافّة الهاوية.
إقرأ أيضاً: فيينّا – بغداد – دمشق: لبنان “تحت” الطّاولات.. لا فوقها (1)
تسير طهران وواشنطن بخطىً ثابتة في رفع نبرة التخاطب. وعلى الخطّ نفسه، يعمل وكلاء إيران على توجيه الرّسائل الميدانيّة والسّياسيّة المُذيّلة بتوقيع النّظام الإيراني.
بعد أيّام سيجلس الإيرانيّون والمجموعة الدّوليّة إلى طاولة المفاوضات النّوويّة للمرّة السّادسة والأخيرة. فإمّا أن يدفَع التقاذف الكلاميّ والميدانيّ المُفاوضات قُدُماً بسرعة قياسيّة، وإمّا أن يُفجّرها هي والمنطقة… ومن يدري، ربّما لبنان أيضاً.