لم يُفاجَأ حزب الله تماماً بكلام النائب جبران باسيل، الذي دعا أمينه العام السيّد حسن نصرالله إلى أن يكون “حَكَماً” في الملفّ الحكومي، مؤتمِناً إيّاه “على الحقوق (المسيحية)”.
مع توقّف اجتماعات البيّاضة بين باسيل والنائب علي حسن خليل وموفديْ الحزب الحاج حسين خليل والحاج وفيق صفا، لم ينقطع حبل التواصل بين رئيس التيار الوطني الحر والحزب. إذ أوضح باسيل للحاج صفا، وفق المعلومات، “أجواء” مؤتمره الصحافي يوم الأحد.
لا تعليق في الضاحية وعين التينة على مطالعة باسيل، لا بل هناك قرار مشترك بعدم الردّ. وتبدو مضبطة الاتّهام غير المسبوقة، التي وجّهها نائب البترون إلى رئيس مجلس النواب نبيه بري، كفيلة بإقفال بعبدا للباب على مسعى “الوسيط غير النزيه والسيّء”، وفق توصيف باسيل.
تجزم أوساطٌ قريبة من عين التينة لـ”أساس” أنّ مبادرة نبيه برّي مستمرّة بتنسيقٍ كاملٍ مع حزب الله، وبغطاء دولي وعربي، وبموافقة من رأس الكنيسة المارونية والأرثوذكسية. وما دام برّي متمسّكاً بمبادرته، فلا أحد يستطيع سحب البساط من تحته
ويرى مطّلعون أنّ توقيت ومضمون كلام النائب حسن فضل الله، الذي عُمّم على الإعلام قبل وقت قليل من مؤتمر باسيل، لم يكن صدفة. فقد شدّد نائب الحزب على ضرورة “الاتّفاق على تشكيل الحكومة بين عون والحريري”، واعتبر ذلك مدخلاً إلزاميّاً للحلّ، مؤكّداً “أنّنا بذلنا جهداً كبيراً في هذا السياق، والجلسات التي كانت تُعقد بعيداً من الإعلام أكثر بكثير من تلك المُعلنة، ولم نترك وسيلة أو اقتراحاً لتقريب المسافات إلا قدّمناهما”.
أمّا فريق عين التينة فردّ على طريقته باستضافة قناة “nbn” مساء الأحد، وللمرّة الأولى على شاشتها، أحد أشرس معارضي باسيل، نائب البترون السابق القوّاتي أنطوان زهرا، الذي اتّهم رئيس التيار الوطني الحر بـ”انتحال صفة تمثيل المسيحيين”، ووصفه بـ”المتسلّط والوصولي الذي يلجأ إلى السيد نصرالله ليضمن وجوده”.
وتجزم أوساطٌ قريبة من عين التينة لـ”أساس” أنّ “مبادرة نبيه برّي مستمرّة بتنسيقٍ كاملٍ مع حزب الله، وبغطاء دولي وعربي، وبموافقة من رأس الكنيسة المارونية والأرثوذكسية. وما دام برّي متمسّكاً بمبادرته، فلا أحد يستطيع سحب البساط من تحته”.
حتّى الآن لا مؤشّرات إلى أسلوب ردّ حزب الله على دعوة باسيل السيّد نصرالله للتدخّل في ملفّ الحكومة، وتلويحه بأنّ “هذا آخر كلام لي في الحكومة”. وبالتأكيد لن يظهر نصرالله إعلاميّاً، كما فعل باسيل، ليردّ على دعوة حليفه. يقول العارفون إنّ “الأمور ستُعالج ضمن الغرف المغلقة، خصوصاً أنّ باسيل تقصّد رمي الكرة بين يديّ الأمين العام للحزب شخصيّاً”.
وحزب الله، أساساً، حاضر بثقله في ما اُصطُلِح على تسميته “مبادرة برّي”. وكما في كل المهمّات التي تتداخل فيها العلاقة بين باسيل والحريري، فَرَزَ نصرالله كلّاً من مساعده السياسي الحاج حسين خليل ومسؤول وحدة التنسيق والارتباط الحاج وفيق صفا لإحدى أصعب المهمّات: تفكيك الألغام الحكومية. الحاج حسين كان مولجاً بالمتابعة والتواصل المباشر مع الحريري، والحاج وفيق، الذي بات صديقاً لباسيل أكثر ممّا هو وسيط، “تكفّل” برئيس التيار الوطني الحر في ظل كيمياء مفقودة بين حسين خليل ونائب البترون.
في الوقائع، قدّم حزب الله طوال الأشهر الماضية كلّ ما لديه من اقتراحات وإمكانات للحلّ. لكنّه اصطدم بعقبتين أساسيّتين: إصرار الحريري على تسمية الوزيرين المسيحيّين ضمن حصّته الوزارية، ورفض باسيل المطلق لتفرّد الرئيس المكلّف بالتسمية، وتمنّعه عن إعطاء الثقة للحكومة في مجلس النواب حتى لو توافق الخصمان على كلّ تفاصيل الحكومة. فلسان حال الباسيليّين يقول: “لن نعطي الثقة لحكومة يرئسها الحريري، إذ ستكون فاشلة حتماً وستُغرِقنا معها”.
يرى مطّلعون أنّ توقيت ومضمون كلام النائب حسن فضل الله، الذي عُمّم على الإعلام قبل وقت قليل من مؤتمر باسيل، لم يكن صدفة. فقد شدّد نائب الحزب على ضرورة الاتّفاق على تشكيل الحكومة بين عون والحريري
وفق مطّلعين، لن يحصل “تسليم وتسلّم” في ملف تشكيل الحكومة بين برّي وحزب الله. فالطرفان يرفضان “اقتراح” باسيل، ومسؤولو الحزب، تحديداً، ردّوا على سائليهم في شأن طلب رئيس التيار الوطني الحر، قائلين: “التفاهم هو الحلّ. ومن جهتنا قدّمنا ما علينا. وباسيل حليف أساسيّ لنا”. هو الموقف الكلاسيكي للحزب الذي لن يحيد عنه حتى مع رفع رئيس التيار مستوى الكباش إلى “معركة وجود”.
لكن في واقع الحال ليست الحكومة وحدها هي وجع الرأس الأكبر لحزب الله الواقف في الوسط بين “صديقيْه”. في العمق، ثمّة مشكلة عميقة لم تأخذ طريقها إلى العلن بعد، لكنّها قائمة وعنوانها علاقة حليفيْه بسوريا، خصوصاً بعد طيّ صفحة الانتخابات السورية، التي نصّبت بشار الأسد رئيساً لولاية رابعة لمدة سبع سنوات بعد 21 عاماً في الحكم تخلّلتها الحرب السورية بدءاً من عام 2011.
عمليّاً كان هذا التاريخ هو المفصل الأساس في علاقة عون وبرّي مع الأسد. ففي مقابل تقدّم العلاقة وتمتينها في السنوات الماضية بين قصر بعبدا وقصر المهاجرين، كان العشب ينمو على خط المصنع – عين التينة ولا يزال. مع العلم أنّ المعاون السياسي لبرّي النائب علي حسن خليل كان أحد المدعوّين مع ممثلين عن أحزاب 8 آذار للقاء وزير الخارجية السوري فيصل المقداد أوّل من أمس الأحد.
واقعٌ حسّاس لم يتمكّن حزب الله في السنوات الماضية من التأثير فيه أو تغييره في وقت دأب جبران باسيل في طلّاته أخيراً على استحضار بشار الأسد، وآخِرة “الرسائل” كانت التهنئة على “تثبيته رئيساً، وهو ما سيشكّل عاملاً مُطمئِناً ومسرِّعاً لعودة النازحين السوريين”.
وتزامن الموقف يومها مع زيارة باسيل لموسكو، التي يؤكّد مطّلعون أنّ “سوريا كانت حاضرة فيها بقوّة لناحية تشجيع روسيا على تعزيز الحضور السوري مجدّداً في لبنان، وإن من باب إعادة النازحين”.
ووصلَ الأمر بباسيل، في خطابٍ له في شباط الفائت، أنّه ذكر بشّار كـ”مَحضر خير”، راوياً ماذا قال له الأخير في أحد لقاءاتهما: “نحن مصلحتنا، بعدما تعلّمنا من أخطائنا في لبنان، أنّه لو بقي مسيحي واحد في لبنان، فيجب أن يكون هذا المسيحي هو رئيس الجمهورية، وصلاحياته قوية”، وذلك في سياق حديث باسيل عن حقوق المسيحيين.
في متن الخطاب نفسه، أشار باسيل إلى مساعٍ تقوم بها جهات دولية لإحلال مصالحة سنّية – شيعية في المنطقة، ملمّحاً إلى بدء التقارب السعودي – الإيراني، الذي ظهرت ترجماته بشكل أوضح في الأسابيع الأخيرة.
ووفق مطّلعين، يراهن باسيل بشكلٍ كبيرٍ، ضمن خارطة طريق مشروعه السياسي، على التقاء الحاضنتين بالتزامن مع كسر الجليد مع سوريا، وهو الأمر الذي يلمّح إليه دوماً. حتى في خطابه الأخير، ذكر هذا الأمر حين تحدّث “عن متغيّرات دولية وإقليمية كبيرة لا بدّ من مواكبتها لأنّنا سنخرج منتصرين معها إلا إذا تآمرنا على بعض”. ومن هذا الباب دعا إلى الجلوس حول طاولة حوار، قائلاً: “نحن بدنا نكون إلى الطاولة وليس على الطاولة”.
إقرأ أيضاً: الحزب يحذّر عون: مدّ شعبيٌّ قد يحاصر بعبدا
وفيما أكّد المحلّل السياسي الدكتور وسيم بزّي، القريب من دوائر حزب الله، في حديثٍ تلفزيونيّ، قيام السيّد نصرالله “بزيارة تهنئة إلى سوريا قبل أيام قليلة، ولقاءه بشار الأسد الذي تباحث معه في عناوين شديدة الحساسيّة في لبنان”، فإنّ أوساطاً مطّلعة تؤكّد وجود توجّه لدى رئاسة الجمهورية لإعادة تحريك ملفّ النازحين بعد تجاوز مرحلة الانتخابات السورية، على قاعدة تفاوض من دولة لدولة، ولا تستبعد زيارة باسيل دمشق على رأس وفدٍ لتحديد آليّات العودة في ضوء المتغيّرات الإقليمية والدولية.