يوم الأربعاء المقبل، من المفترض أن تستكمل اللجان المشتركة في المجلس النيابي دراسة مسوّدة مشروع قانون الشراء العامّ، الذي أشار إليه جبران باسيل في آخر خطاباته كقانون إصلاحي يستهدف التيّار تمريره. لكنّ اهتمام التيار بمشروع القانون هذا لا ينطلق من أبعاده الإصلاحيّة، بقدر ارتباطه بحسابات يريد باسيل تصفيتها مع جان العليّة، المدير العام لإدارة المناقصات.
فجبران باسيل لم يغفر يوماً للمدير العام لإدارة المناقصات جان العليّة أنّه حال، منذ نحو ثلاث سنوات، دون تمرير صفقة مضاعفة إنتاج بواخر الكهرباء التركيّة من 380 ميغاوات إلى 850 ميغاوات، لتقتصر مكاسب شركة البواخر التركيّة ومَن يقف خلفها محلّياً على تجديد عقد الـ380 ميغاوات فقط الموقّع أساساً. يومها، “طلعت ريحة” الصفقة بعدما انتهى الأمر مرّة تلو الأخرى بـ”كارادينيز” عارضاً وحيداً، بعدما فُصِّلت شروط المناقصة على قياسها في وزارة الطاقة، التي كانت تخضع للنفوذ العوني بإشراف الوزير سيزار أبي خليل. وفي كل مرّة، كان العليّة يرفض تمرير المناقصة، إلى أن طارت الصفقة التي كان يمكن أن تُضاعف أرباح البواخر وعمولاتها، وجُدِّد العقد في مجلس الوزراء من دون أيّ زيادة في الإنتاج.
احتاجت مسوّدة مشروع القانون إلى أكثر من 45 جلسة في اللجنة الفرعيّة المخصّصة لصياغتها، نظراً إلى حجم الإشكاليّات المرتبطة بالملفّ، وإلى امتلاك الغالبية الساحقة من القوى السياسيّة حساباتها الخاصّة في كلّ ما يتعلّق بالصفقات العموميّة وطريقة تمريرها
بعد ثلاث سنوات، ها هو باسيل يتحيّن الفرصة للانقضاض على العليّة، ليس انتقاماً من دوره في عرقلة صفقة البواخر فقط، بل أيضاً للتخلّص من عقبة ستعرقل مستقبلاً أيّ بهلوانيّات يمكن أن تتمّ في صياغة دفاتر شروط المناقصات، عبر التلاعب بشروطها كالعادة لتصبّ في مصلحة المتعهّدين المحظيّين. بوّابة الاستهداف لم تكن هذه المرّة سوى قانون الشراء العامّ، الذي كان يُفترض أن يكون أحد القوانين الإصلاحيّة التي يعمل عليها المجلس النيابي لإعادة تنظيم الصفقات العموميّة وإبعادها عن شبهات الفساد. وإذا بالأجندا العونيّة تدخل على الخط، لتحاول توجيه القانون ليصبح استهدافاً مباشراً لمن عرقل الصفقات المشبوهة في الماضي.
كان قانون الشراء العام، منذ البداية، أحد التشريعات الإصلاحيّة التي ينتظرها المجتمع الدولي من لبنان، وهو ما مثّل الدافع الأساسي منذ البداية لتحريك ملفّ مشروع القانون داخل المجلس النيابي. أهمّ ما في القانون هو استبدال إدارة المناقصات، الخاضعة إداريّاً لسلطة التفتيش المركزي اليوم، بهيئة الشراء العام التي يُفترض أن تمرّ عبرها الصفقات العموميّة، على أن تُمنَح الهيئةُ الاستقلاليّةَ التامّة وتُربَط إدارياً بمجلس الوزراء بشكل مباشر. ويُفترض أيضاً أن يؤسّس القانون لهيئة اعتراضات، تتمتّع أيضاً باستقلاليّة إداريّة، وتملك صلاحيّة تلقّي الشكاوى المتعلّقة بالصفقات العموميّة التي تم تمريرها.
احتاجت مسوّدة مشروع القانون إلى أكثر من 45 جلسة في اللجنة الفرعيّة المخصّصة لصياغتها، نظراً إلى حجم الإشكاليّات المرتبطة بالملفّ، وإلى امتلاك الغالبية الساحقة من القوى السياسيّة حساباتها الخاصّة في كلّ ما يتعلّق بالصفقات العموميّة وطريقة تمريرها. اليوم، أُنجِزت المسوّدة في اللجنة الفرعيّة، وباشرت اللجان المشتركة دراستها، لكن يبدو أنّ نواب التيار الوطني الحر يصرّون على تسجيل اعتراضاتهم الهادفة إلى إضافة بنود تُقحِم القانون في أتون صراعهم مع جان العليّة. لا بل يبدو أنّ نواب التيار سيعمدون إلى نقل هذه التحفّظات إلى الهيئة العامّة للمجلس نفسها، أو إلى الطعن بالقانون أمام المجلس الدستوري، إذا فشلوا في إضافة هذه البنود إلى مشروع القانون من خلال اللجان المشتركة.
بعد ثلاث سنوات، ها هو باسيل يتحيّن الفرصة للانقضاض على العليّة، ليس انتقاماً من دوره في عرقلة صفقة البواخر فقط، بل أيضاً للتخلّص من عقبة ستعرقل مستقبلاً أيّ بهلوانيّات يمكن أن تتمّ في صياغة دفاتر شروط المناقصات
فمن حيث المبدأ، وما دامت هيئة الشراء العام ستحلّ مكان إدارة المناقصات، عملت اللجنة الفرعيّة على قاعدة نقل موظّفي إدارة المناقصات إلى الهيئة نفسها، وتسليم مدير إدارة المناقصات رئاسة الهيئة خلال مرحلة انتقاليّة، قبل إجراء التعيينات الكاملة في مجلس الوزراء. لكنّ النائب آلان عون شَهَر اعتراضه الحادّ في وجه اللجنة، مطالباً بإقصاء جان العليّة عن رئاسة الهيئة، على قاعدة أنّ مجلس الوزراء وحده هو المخوّل إجراء هذا التعيين. مع العلم أنّ جان العليّة عيّنه أساساً مجلس الوزراء في الإدارة التي يُفترض أن تستكمل هيئة الشراء العام مهمّاتها، وهو ما يناقض حجّة آلان عون.
على أيّ حال، سارت اللجنة بخلاف رأي العونيين، وانتقل السجال حول هذا الموضوع إلى اللجان المشتركة اليوم. لكنّ أوساط التيار تعتبر أنّ هذا الطرح ينطوي على إشكاليّة دستوريّة تتعلّق بصلاحيّات مجلس الوزراء، ما يشير إلى احتمال الطعن بالقانون أمام المجلس الدستوري لاحقاً. باختصار، سيسير التيار في معركة إقصاء العليّة حتّى النهاية، مهما كان الثمن.
لم تقتصر حسابات العونيين على مسألة إقصاء العليّة، بل يدفع نواب التيار اليوم في المجلس إلى الحدّ من صلاحيّات رئيس الهيئة قدر الإمكان، للحؤول دون تكرار تجربة العليّة مع شخص آخر، يمكن أن يؤدّي دوراً فاعلاً على خطّ عرقلة الصفقات الكبيرة والمؤثّرة. ويحاول العونيون أيضاً عدم جعل الهيئة المخوّلة تلقّي الاعتراضات مرتبطةً ارتباطاً إدارياً مباشراً بمجلس الوزراء، لتبقى تحت جناح التفتيش المركزي ورقابته. وبذلك يبدو من الواضح أنّ المطلوب ليس إبعاد العليّة فقط، بل التخلّص من تأثير الدور الرقابي للهيئة نفسها في الإدارة العامة.
إقرأ أيضاً: باسيل يستعمل البطاقة التمويلية… في حربه ضدّ سلامة
من المفترض أن يتمّ البت يوم الأربعاء بمسوّدة مشروع القانون في اللجان المشتركة، إذا لم يُعرقَل المسار بأسره. حتى اللحظة يبدو أنّ الغالبية الساحقة من الكتل النيابيّة لا تبدو مرتاحة إلى ملاحظات أو اعتراضات التيار العوني، وهو ما يوحي أنّ مشروع القانون سيمرّ في اللجان المشتركة والهيئة العامة بخلاف مقترحات التيار. الرصاصة الأخيرة في جعبة باسيل ستكون اللجوء إلى المجلس الدستوري، إذا عولِجَت أزمة فقدانه النصاب بوفاة ثلاثة من أعضائه.