لم يكن المشهَد أمس الخميس على قدر التوقّعات. لم يفاجئنا شباب حركة “أمل” بمشاهد تشبه انتفاضة “6 شباط”، ولا أقفل بيروت شبابُ تيّار المستقبل، ولا رأينا الثوّار يصرخون على الشاشات من وجع الجوع.
لم تحصل أيّ خضّات أمنيّة، ولا صدامات شعبية. ومشهد قطع الطّرق لم يتجاوز بعض المناطق على طريقة “فشّة الخلق” لا أكثر.
لكنّ من تابعوا كواليس ليل الأربعاء يعرفون أنّ صباح الخميس لم يعبّر عن ضعفٍ في بنيةِ الأحزاب الداعية إلى التظاهر، ولم يكن المشهد هزيلاً على الإطلاق، بل كان نتيجة مروحة اتصالات أجراها حزب الله وحركة “أمل” ليل الأربعاء – الخميس، أفضت إلى “ضبضبة” المشهد، ولملمة الدعوات، ونزعت فتيل انفجار الشّارع، أو ربّما أجّلته.
ينتظرُ أركان السّلطةِ اكتمال سيناريو الإخراج لاعتذار الرّئيس المُكلّف سعد الحريري عن مهمّته. إذ تشير المُعطيات إلى أنّ الاعتذار تأجّل شهرين
الليلة نفسها شهدَت إشكالاً افتراضياً بقيَ في إطار الإعلام، بين حزب الله من جهة، وحليفه اللدود التّيّار الوطنيّ الحرّ من جهة أخرى. إذ تناقلت مجموعات الواتساب أخباراً تحدّثت عن مُشادّة كلاميّة بين مسؤول الارتباط والتّنسيق في الحزب وفيق صفا ورئيس التّيار النّائب جبران باسيل. سبق هذا الخبر غير المؤكّد تراشق إعلاميّ بنبرة “متوسّطة” كان محورها النّائب السّابق العوني نبيل نقولا، الذي يداوم على “التهديد” بتمزيق تفاهم مار مخايل بين الحزب والتيار، وبين رئيس الهيئة التنفيذيّة في الحزب السّيد هاشم صفيّ الدّين الذي اتّهم سياسيّين لم يسمِّهم بأنّهم “يريدون تحقيق مآرب شخصية لم يتمكّنوا من تحقيقها في الأيام الطبيعية”.
هذا “التراشق” الافتراضيّ بين رُكنَيْ اتّفاق مار مخايل أرضى دوائر الرّئاسة الثّانية وبالتّالي ساهمَ في “لملمة” الاحتقان الذي كاد يتفجّر على الأرض بين حركة أمل وتيّار المُستقبل بوجه فريق “العهد”.
ولأنّ خميس الشارع تزامن مع مؤتمر دعم الجيش اللبناني الذي دَعَت إليه فرنسا، وجمَع 20 دولةً عبر الإنترنت أمس، في مُقدّمها الولايات المُتحدة ودول الخليج العربيّ، وممثّلين عن الأمم المُتحدة والاتحاد الأوروبيّ، فقد آثر الداعون إلى التظاهر أن يخفّفوا من مشهد “الانفجار” لئلا يبعثوا برسالة سلبية إلى المؤتمر ومنظّميه عن لبنان وقدرة الجيش على ضبط الأمن. ودائماً بهدف السماح للمؤسسة العسكرية بتوفير مساعدات طارئة للجيش الذي يعاني جرّاء ما تواجهه الدّولة من أزمة اقتصادية.
السّؤال الذي يتبادر إلى أذهان المتابعين بعد تجاوز “عاصفة الخميس”، وقبلها “حرب” تراشق البيانات بين بعبدا وعين التّينة: ماذا بعد؟
ينتظرُ أركان السّلطةِ اكتمال سيناريو الإخراج لاعتذار الرّئيس المُكلّف سعد الحريري عن مهمّته. إذ تشير المُعطيات إلى أنّ الاعتذار تأجّل شهرين. ومع انتظار استكمال المشهد، ستكون الخاتمة بالاتفاق على شخصيّة جديدة تُشكّل “حكومة انتخابات” من غير المُرشّحين للانتخابات النّيابيّة المُقبلة.
يسعى المعنيّون بسيناريو الإخراج إلى اختيار شخصيّة لا تلقى تسميتها معارضةً من الرّئيس المُكلّف سعد الحريري، وبالتّالي لا تُشكّل عامل استفزازٍ للشّارع السنّيّ، ويكون وقع اختيارها “برداً وسلاماً” عليه، وتُجنِّب البلاد “خضّات الشّارع” مجدّداً.
إقرأ أيضاً: خميس الشارع: “6 شباط” جديد… وتحشيد انتخابيّ
وفي إطارٍ موازٍ، عَلمَ “أساس” من مصادر دبلوماسيّة غربيّة أنّ المجتمع الدّوليّ أرسل تحذيراتٍ جدّيّة إلى الطبقة السّياسيّة حول ضرورة إجراء الانتخابات النّيابيّة المُقبلة في موعدها، أو أنّ لبنان سيكون في موقفٍ لا يُحسَد عليه في حال تمّ تأجيل موعد الاستحقاق .
بين نَزع فتيل الشّارع وانتظار الاعتذار وتشكيل “حكومة الانتخابات”، يبقى انتظار اكتمال إخراج المشهد هو سيّد المرحلة المُقبلة. وإلى ذلك الحين قد يسعى حزب الله كثيراً إلى لملمة الإشكالات بين حلفائه… وللمشهديّة تتمّة.