ساذج مَنْ يعتقد أنّ لسعد الحريري الترف للتخلّي عن رئاسة الحكومة. كلّ طرق إنقاذه من مستنقع الأزمات التي وقع ويقبع فيها، تقود إلى السراي. ومع ذلك هو مأزوم في عبور هذا الممرّ الإلزامي. لا يستطيع الاحتفاظ بورقة التكليف إلى أجل غير محدّد في وقت سيأكل فيه الانهيار الأخضر واليابس، وسيجعل مهمّته الحكومية بعد وقوع المحظور شبه مستحيلة. في المقابل، يخشى الإقدام على هذه الخطوة إذا لم تكن محميّة بغطاء الدعم السعودي، المعنوي والمالي، غير المتوافر راهناً. اذاً، التأليف فيه مخاطرة، والانتظار إلى ما لا نهاية فيه مخاطرة أكبر.
لهذا صار الاعتذار خياراً جدّيّاً يتغلّب على ما عداه. وما يتسرّب من بيت الوسط عن مراجعة هذا الاقتراح من جانب الحريري، ليس فيه مبالغة أو مغالاة. ولكنّه ليس مطروحاً في هذه اللحظة بالذات. وفق المطّلعين على موقف الحريري، فإنّ كلّ السيناريوهات باتت على طاولة الرجل، يدرسها بعناية واتقان بحثاً عن المخرج والإخراج الأفضل… فيما عينه على الانتخابات النيابية المقبلة التي ستكون فاصلة بين مرحلة وأخرى.
وفق المطّلعين على موقف الرجل، فإنّ المجهد، الذي يقوده الثنائي الشيعي مع رئيس التيّار الوطنيّ الحرّ جبران باسيل، جدّيّ جدّاً، ومرشّح لأن يبلغ مرحلة متقدّمة من المشاورات. لهذا لن يقدم الحريري على أيّ خطوة، ولا سيّما من صنف الاعتذار، إلا بالتنسيق مع رئيس مجلس النواب نبيه بري
ويسود الاعتقاد أنّ رئيس تيار المستقبل ليس في وارد مغادرة السباق الحكومي في هذه اللحظات بالذات، وإن صار في أمتاره الأخيرة، وقد يفترض اتّخاذ قرار في القريب العاجل. فالأمور لم تعد تحتمل الكثير من الأخذ والردّ. وفي كل ما يفعله في هذه الأيّام استعدادٌ لكلّ الخيارات من خلال تمهيد الأرضيّة والخطاب.
وفق المطّلعين على موقف الرجل، فإنّ المجهد، الذي يقوده الثنائي الشيعي مع رئيس التيّار الوطنيّ الحرّ جبران باسيل، جدّيّ جدّاً، ومرشّح لأن يبلغ مرحلة متقدّمة من المشاورات. لهذا لن يقدم الحريري على أيّ خطوة، ولا سيّما من صنف الاعتذار، إلا بالتنسيق مع رئيس مجلس النواب نبيه بري، وتحديداً حين يُبلغه الأخير بانسداد الأفق بشكل نهائي، بحيث يصير الاعتذار آخر خرطوشة متوافرة أمام الحريري. أمّا قبل ذلك، فلا بدّ من ترقّب التطوّرات، ولا سيّما الاجتماع المنتظر انعقاده بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الأميركي جو بايدن في 16 الجاري، بحيث قد يلتحق الملفّ اللبناني بجدول الأعمال، بدفع من الجانب الروسي الذي خاض غمار الملفّ الحكومي من دون أيّ نتيجة تُذكر، إذا ما بقيت الحكومة اللبنانية معلّقة على حبل الخلافات.
يقول بعض من شاركوا في لقاء دار الفتوى إنّ الحريري سمع من المجتمعين تشديداً على عدم اعتذاره، باستثناء قلّة قليلة أبلغته أنّ الاعتذار قد يكون ضرورياً
على هذا الأساس، يمكن قراءة التهويل بالاعتذار، من على منبر دار الفتوى، على أنّه أولى الخطوات في طريق التحشيد السنّي لا أكثر. وفق راصدي حراك رئيس الحكومة المكلّف، فإنّ الرجل قرّر النقر على وتر شارعه لتحسين موقعه لدى أبناء طائفته، ليضرب عصفورين بحجر واحد:
أولاً، وضع خطّ أحمر دون التنازلات التي قدّمها على طريق تأليف الحكومة، بحيث يمنع أيّ مرشّح سنّي آخر من تجاوز هذا السقف أو النزول دونه، ليفرض بذلك نفسه مرشّحاً أوحدَ بفعل سقف التنازلات، وهو ما قد يمنع خصومه، وتحديداً التيار الوطني الحر، من الترويج لأيّ مرشّح آخر قد يقدّم المزيد من التنازلات، فيستحيل تأليف حكومة بغير القواعد التي فرضها الحريري، ولا يكون مهربٌ عندئذٍ من بقاء ترشيحه قائماً.
ثانياً، تحشيد الشارع السنّي تمهيداً لدخول مدار الانتخابات النيابية من صفوف المعارضة في حال فشل الثنائي الشيعي في إقناع جبران باسيل في تدوير الزوايا لتأليف الحكومة.
وفي هذا السياق، يقول بعض من شاركوا في لقاء دار الفتوى إنّ الحريري سمع من المجتمعين تشديداً على عدم اعتذاره، باستثناء قلّة قليلة أبلغته أنّ الاعتذار قد يكون ضرورياً، بعدما وضعهم في أجواء المشاورات وأعماله، وأخبرهم عن توجّهه للقاء رؤساء الحكومات السابقين ليبني على الشيء مقتضاه.