لن أحدِّثكم عن فكر المفكّر اللبناني العربي الكبير الدكتور رضوان السيّد، ولا عن ثقافته وريادته. أنا مجرّد إعلاميّ يحبّ مدينته وبلده. لا الشهادة العليا التي أحملها، ولا الكتب القليلة ما بين السياسة والقصّة، التي كتبتها ونشرتها، تمنحني صلاحية الحديث عن فكر مولانا رضوان السيّد وعلمه.
أترك كلّ إرثه الفكريّ للمفكّرين العرب واللبنانيّين لقراءته والكتابة عنه، فهم أهل اختصاص. أمّا أنا فسأحدّثكم عن رضوان السيد الذي عرفته وزادت معرفتي به في موقع “أساس ميديا”، وذلك بفضل ناشر الموقع النائب نهاد المشنوق الذي قال لي يوماً: “سأترك لكَ رضوان السيّد”.
منذ انطلاقة موقع “أساس”، والاتصال اليومي مع الدكتور رضوان ما انقطع، فكنّا نتواصل مرّة ومرّتين، وأحياناً أكثر خلال النهار، حتّى عند سفره خارج البلاد. اتّصالاتٌ كان الجزء البسيط منها يتعلّق بمقالته الأسبوعية، وأمّا الجزء الأكبر فهو للسؤال عن الأحوال
سأحدّثكم عن رضوان السيّد الوالد، والمعلّم رضوان الإنسان.
فقدتُ والدي قبل ما يزيد على 10 سنوات، وهو في عزّ الرجولة. وبرحيله افتقدت كثيراً من الأشياء تضيق المناسبة بذكرها. ومن أكثر ما فقدت، اتصالاته الهاتفية المتعدّدة خلال النهار: وينك؟ شو عم تعمل؟ انتبه من هالمشوار! خفّف يا ابني، الوضع بخوّف! بوفاته انتهت اتصالات الدعم والمساعدة والحنان والأمان. باتت كلّ الاتصالات، التي تصلني، ذات أهداف عمليّة وسياسيّة. أمّا العائلي منها، فهو لطلب السند أو المشورة أو الإذن للقيام بعمل ما. فأنا البكر في عائلتي، وتحوّلتُ إلى ما يشبه الوالد عند إخوتي.
منذ انطلاقة موقع “أساس”، والاتصال اليومي مع الدكتور رضوان ما انقطع، فكنّا نتواصل مرّة ومرّتين، وأحياناً أكثر خلال النهار، حتّى عند سفره خارج البلاد. اتّصالاتٌ كان الجزء البسيط منها يتعلّق بمقالته الأسبوعية، وأمّا الجزء الأكبر فهو للسؤال عن الأحوال، وأجمل ما فيها أنّها كانت تأتي في آخر النهار، عندما يكون معظم الناس نياماً.
اتصالات ملؤها الحرص والحبّ والتوجيه والاطمئنان. “حافظ على صلواتك، الصلاة مفتاح كلّ شيء”، هذا ما كان يقوله لي طوال شهر رمضان. “لا تفطر خارج المنزل، فالإفطار جميل مع العائلة، ولا داعي للتبذير في هذه الأوضاع. كيف نهارك؟ ما أهمّ شيء نُشِر اليوم في الموقع؟ أوضاعك، معاشك، معيشتك؟ تابع هذا المقال في تلك الصحيفة، إنّه مهمّ. واقرأ هذا الكتاب”. كان يطمئنّ منّي عن جميع الزملاء المحرّرين، “كيف أوضاع هشام وعائلته ومعيشته؟ انتبه على نسرين وتالا، إنّهنّ فتيات نشيطات، كيف حال إيلي وحسن والشباب؟”. كان حريصاً على متابعة أوضاع كلّ الزملاء، ولا يتردّد مطلقاً في القول لي: “مقالتك اليوم لم تعجبني، مش صحيح يلي كتبته، وأخالفك الرأي في ما كتبت”. لا يتردّد أيضاً في القول: “يخرب بيتو قاسم يوسف، كاتب جميل، تابعه كل أسبوع، لاحقه بالكتابة، إن تكاسل أو غاب؟”. لم يكن يترك رضوان السيد في تفاصيلنا اليومية أيَّ صغيرةٍ أو كبيرةٍ إلّا تابعها. هو الوالد لنا في كلّ شيء. هو الوالد لي بعدما عشتُ غياب هذا الشعور منذ سنوات.
إقرأ أيضاً: رضوان السيّد المُشتبِك مع الواقع بشجاعة
أيّها الوالد رضوان. عندما سمعنا خبر نيْلك جائزة النيل للمبدعين العرب، فرحنا جميعنا، كما يفرح الأولاد بإنجازٍ لوالدهم، ويفخرون ويتباهون خلال مرورهم في الأحياء. أطال الله بعمرك ومدّك بسنوات طوال جميلة هنيّة صحيّة. أنت تستحقّ منّا، نحن أبناءك، كلّ الحبّ وأجمل الأشياء.