منحت وزارة الثقافة المصرية الدكتور رضوان السيد جائزة “النيل” للإبداع العربي. وهي جائزة أدبية تمنح لغير المصريين.
هذه شهادة من الإمارات العربية المتحدة بالدكتور السيّد.
هناكَ الكثيرُ ما يميِّزُ البُروفِيسورَ رضوانَ السَّيِّد، أوْ كما يدعُوهُ أحبَّاؤُه وأصدقاؤُه: بمولانا. فهو خرّيجُ الأزهرِ الشَّريفِ وخرّيجُ كُبرياتِ الجامعاتِ الألمانيَّةِ، ودرّسَ في كُبرياتِ الجامعاتِ العالميَّةِ والعربيَّةِ. ولعلَّ مولانا منَ القلائِلِ الَّذينَ تلقَّوا العلمَ الشَّرعيَّ التَّقليديَّ في أهمِّ مؤسَّساتِهِ، وتلقَّى علومَهُ علَى أيدِي المستشرقينَ الألمانِ، وفي حالتِهِ جمعَ بينَ علومِ الإسلامِ والمناهجِ الغربيَّةِ.
أكثرُ ما نالَ اهتمامَ مولانا قضايَا الإسلامِ السّياسيِّ، الَّذي يرَى فيهِ عِدَّةَ إشكاليَّاتٍ أدَّتْ وتؤدِّي إلى زَعزعةِ استقرارِ المجتمعاتِ الإسلاميَّةِ
وكانَتْ حصيلةُ هذا التَّمازُجِ المتميّزِ عدَّةَ كتبٍ عالجتْ مواضيعَ تراثيَّةً لها صلةٌ بالواقعِ المَعيشِ للعربِ والمسلمينَ. وقدِ اهتمَّ رضوانُ بقضايا السّياسةِ والحُكمِ والمجتمعِ في التَّاريخِ الإسلاميِّ ومَدلولاتهِ المعاصرةِ في كُتبٍ عديدةٍ. فبدأَ الانشغال بها منذُ رجوعهِ منْ دراستهِ للدكتوراه في عامِ 1977.
وعلَى ما يبدُو، فإنَّ اهتمامَ رضوانَ بالشَّأنِ العامِّ أدَّى إلى انشغالهِ بالوضعِ الرَّاهنِ. وقدِ انبرَى مولانا يصولُ ويجولُ في المجالِ الإعلاميِّ على الرغم من منصبهِ الأكاديميِّ الرفيعِ في الجامعةِ اللبنانيَّةِ والجامعات الأُخرى، الَّتي يمَّمَ إليها كأُستاذٍ زائرٍ، مثلَ جامعةِ هارفرد العريقةِ، وجامعةِ شيكاغو الشهيرةِ، وجامعةِ صنعاءَ، وأخيراً جامعةِ زايدٍ في أبوظبي.
وظلَّ مولانا يخوضُ غِمارَ الشَّأنِ العامِّ عبرَ كتاباتهِ في كُبرياتِ الصُّحفِ العربيَّةِ، مثلَ الشَّرقِ الأوسطِ، والحياةِ، والاتّحادِ. وصَبَّ جُلَّ اهتمامِهِ في المسائلِ المتعلّقةِ بالدّينِ والسِّياسةِ والحربِ والسِّلمِ والمجالِ العامِّ والخاصِّ في عالمِنَا العربيِّ، والعلاقةِ بينَ الإسلامِ والغربِ، إضافةً إلى قضايَا الثَّقافةِ والفكرِ بشكلٍ عامٍّ. وهو متابع نشط لِما يُكتب عن الإسلام بأربع لغات: العربية، الألمانية، الإنجليزية، والفرنسية.
وأكثرُ ما نالَ اهتمامَ مولانا قضايَا الإسلامِ السّياسيِّ، الَّذي يرَى فيهِ عِدَّةَ إشكاليَّاتٍ أدَّتْ وتؤدِّي إلى زَعزعةِ استقرارِ المجتمعاتِ الإسلاميَّةِ. وبالنسبةِ إلى مولانا، فإنَّه يرَى أنَّ تطوّرَ السُّلطةِ السِّياسيَّةِ في الإسلامِ جاءَ في سياقاتهِ التَّاريخيَّةِ، وأنَّ الدّينَ مجرّدُ تابعٍ لهذِهِ الإرهاصاتِ التَّاريخيَّةِ، وعلَى المسلمينَ تركُ أمرِ الدّينِ للجماعةِ الَّتي تتولَّى أمرَ الدّينِ وتنظيمَ المجتمعِ علَى أساسِ مقاصدِ الشَّريعةِ منْ حفظِ الدّينِ، وحفظِ النَّفسِ، وحفظِ العقلِ، وحفظِ العرضِ، وحفظِ المالِ، وليسَ للدَّولةِ منْ دورٍ في الدّينِ سِوَى رعايةِ المجتمعِ منَ الأَخطارِ المُحيطةِ والمتربِّصَةِ بها.
انشغالُ رضوانَ بالشَّأنِ اللبنانيِّ، موطنِ المفكّرِ الأَريبِ، أدَّى إلى اهتماماتٍ خارجَ التَّخصُّصِ الأكاديميِّ تتعلّق بالقضايَا الجُيوسِياسيَّةِ الَّتي تُؤثِّرُ علَى الوضعِ اللبنانيِّ. وتصدَّى رضوانُ مُنافحاً عنِ التَّعايُشِ السِّلميِّ بينَ مُكوّناتِ لبنانَ، وكيفَ اختُطِفَ الإسلامُ السِّياسيُّ بتجلّيهِ الشِّيعيِّ، وعن هذَا العيش المشترك، وكيفَ أصبحَ تنظيمُ حِزبِ اللهِ حِصانَ طَروادَةَ للنُّفوذِ الإيرانيِّ، ومُنفِّذاً لأجندةِ طهرانَ
ولَا يعني ذلكَ، بالنِّسبةِ إلى مولانا، القطيعةَ الكاملَةَ معَ الدّينِ، كمَا حصلَ في أُورُوبَّا، حيثُ تغوَّلتِ العلمانيَّةُ في رفضِ الدّينِ ودورِهِ في الشَّأنِ العامِّ، حتّى إنَّ العلمانيَّةَ في أقصَى تجلّياتِها، العلمانيَّةَ الشُّمُوليَّةَ، كما يُسمّيها عبدُ الوهابِ المسيريّ، ما فَتِئتْ تُجرّدُ الإنسانَ منْ أيَّةِ قداسةٍ، وتُسلِّعُهُ خِدمةً للنّظامِ الرأسماليِّ، بل القطيعةُ تكمُنُ، بالنِّسبةِ إلى رضوانَ، في السُّلطةِ السِّياسيَّةِ والدّينِ، ليسَ حفظاً للسِّياسةِ منَ الدّينِ، بلْ حفظاً للدّينِ منَ التَّسيُّسِ وضياعِهِ، وبالتَّالِي ضياعُ أهمِّ مَقصدٍ منْ مقاصدِ الشَّريعةِ.
وبسببِ انحدارِ حالةِ المسلمينَ والعربِ، فإنَّ ظاهرةَ الإسلامِ السِّياسيِّ اكتسبتْ مساحةً مَا كانَ لها أنْ تكتَسِبَهَا لولَا حالةُ التَّردِّي الَّتي تُعانِيها المجتمعاتُ المسلمةُ. وهُنا ظهرتْ دَعَواتُ إحياءِ الدّينِ علَى أساسِ أنَّ الفشلَ يكمُنُ في الابتعادِ عنِ الدّينِ، وأنَّ الرُجوعَ إلى الدّينِ هوَ البَلسَمُ والخلاصُ. ويرَى رضوانُ أنَّ العكسَ هوَ الصحيحُ في العلاقةِ المُلتَبِسَةِ والمرتَبِكَةِ بينَ السِّياسيّ والدّينيّ، والَّتي تُؤدّي إلَى تعميقِ جُروحِ الأُمَّةِ والمجتمعاتِ المسلمةِ، وتوثِّرُ في علاقاتِها معَ الآخَرِ.
ويرَى رضوانُ في كتاباتِهِ العامَّةِ أنّ الأهمّ هو إصلاحُ الدَّولةِ الوَطنيَّةِ وتعميقُ جُذورِهَا وإصلاحُ المجتمعِ، وخلقُ رؤْيَةٍ تجمعُ النُّخَبَ الحاكمةَ والمجتمعَ المدنيَّ في إجماعٍ وطنيٍّ تتساوَى فيه الحقوقُ والواجباتُ. وهُنا يأتِي مِحورٌ مُهمٌّ في انشغالاتِ رضوانَ الفكريَّةِ والإعلاميَّةِ، وهو حالةُ لبنانَ البلدِ الفريدِ في تنوُّعاتِهِ الطَّائِفِيَّةِ وانفتاحِهِ علَى العالَمِ منذُ أنْ كانَ.
وانشغالُ رضوانَ بالشَّأنِ اللبنانيِّ، موطنِ المفكّرِ الأَريبِ، أدَّى إلى اهتماماتٍ خارجَ التَّخصُّصِ الأكاديميِّ تتعلّق بالقضايَا الجُيوسِياسيَّةِ الَّتي تُؤثِّرُ علَى الوضعِ اللبنانيِّ. وتصدَّى رضوانُ مُنافحاً عنِ التَّعايُشِ السِّلميِّ بينَ مُكوّناتِ لبنانَ، وكيفَ اختُطِفَ الإسلامُ السِّياسيُّ بتجلّيهِ الشِّيعيِّ، وعن هذَا العيش المشترك، وكيفَ أصبحَ تنظيمُ حِزبِ اللهِ حِصانَ طَروادَةَ للنُّفوذِ الإيرانيِّ، ومُنفِّذاً لأجندةِ طهرانَ. وبالنِّسبةِ إلى رضوانَ فإنَّ لبنانَ، والعربَ عُموماً، يدفعونَ ثمنَ هذَا التَّدخُّلِ الإيرانيِّ.
ويمتدُّ هذَا الاهتمامُ بالعلاقةِ بينَ الدّينِ والسِّياسةِ في تمظْهُرِهِ الخارجيِّ. فالعلاقةُ معَ الآخَرِ، وخاصةً بعدَ أحداثِ أيلول (سبتمبر) الإرهابيَّةِ، أصبحتْ في اضْطِرابٍ وتشنُّجٍ، وبقيَ الإسلامُ متورّطاً في قضايَا الإرهابِ العالميِّ، سواءٌ وافقتْ أو رفضتِ الأغلبيّةُ المسلمةُ هذَا العنفَ غيرَ المبرَّرِ. فالتصالحُ معَ الآخرِ أصبحَ همَّاً جديداً يُضافُ إلى أَجندَةِ رضوانَ العلميَّةِ والإعلاميَّةِ. والوُلوجُ في هذِهِ القضيَّةِ المركَّبةِ يحتاجُ إلى حَسَاسيَّةٍ لجهةِ إنصافِ الآخرِ، وعدمِ ضياعِ حُقوقِ المسلمينَ والعربِ. والأهمُّ هوَ عدمُ الإسهامِ في الإسلامُوفُوبيا عندَ نقدِ الذَّاتِ والحركاتِ المتطرّفةِ في المنطقة.
إقرأ أيضاً: احتفاءٌ مصريّ برضوان السيد: ساهم بإصلاح بنية الفكر العربي (2/2)
وهُنا يجبُ التَّوقُّفُ عندَ قضيَّةٍ مهمَّةٍ كانَ العربُ يُسمُّونها القضيّةَ المركزيَّةَ، ولكنَّها، على الرغم من أهمّيتها الكُبرى، لم تأخذِ الحيِّزَ المستحقَّ منِ اهتماماتِ رضوانَ الفكريِّ أو الإعلاميِّ. هلْ بسببِ أنَّ التصالُحَ معَ الآخرِ الغربيِّ يتطلّبُ عدمَ الحديثِ عنِ القضيَّةِ الفلسطينيَّةِ الَّتي تشتبكُ معَ المسألةِ اليهوديَّةِ في الغربِ؟ والحديثُ عن الموضوعِ، سواءٌ تعلّقَ بالشَّعبِ الفلسطينيِّ المشرَّدِ أو القدسِ، هوَ حديثٌ ذُو شُجونٍ. ولكنْ هلْ يمكنُ أنْ تحصُلَ المصالحةُ التَّاريخيَّةُ بينَ العربِ والمسلمينَ منْ ناحيةٍ، والغربِ منْ ناحيةٍ أُخرَى، من دون التَّوصُّلِ إلى حلٍّ لهذِهِ القضيَّةِ الَّتي تتزايدُ كلَّ يومٍ في التَّعقيدِ؟ “سَتُبْدِي لَكَ الأيَّامُ مَا كُنْتَ جَاهِـلاً وَيَأْتِيْـكَ بِالأَخْبَـارِ مَنْ لَمْ تُـزَوِّدِ”.
* كاتب ومفكّر إماراتيّ.
* أستاذ ملحق على كليّة الدفاع الوطني الإماراتية.
* مستشار سياسيّ سابق في القيادة العامّة للقوّات المسلّحة الإماراتية.
* مدرّس مساعد في جامعة ميتشيغان – أن آربر.