انتخابات من دون ناخبين… الأمرُ لـ”الفوضى”

مدة القراءة 5 د

شكّل اجتماع قصر بسترس، يوم الجمعة، الإشارة الرسمية الأولى والوحيدة حتى الآن، في ظل مشهد الفوضى العارمة، إلى وجود اهتمام سياسي باستحقاقٍ بات على الأبواب: الانتخابات النيابية في أيار 2022.

خُصِّص الاجتماع، الذي عقد بحضور وزير الداخلية محمد فهمي ووزيرة الخارجية بالوكالة زينة عكر، للبحث في الاستعدادات في الخارج من أجل انتخابات المغتربين وجهوزيّة السفارات وآليّة التسجيل في ظل حتميّة تعديل قانون الانتخاب لجهة الالتزام بتنفيذ بند انتخاب ستّة نواب يمثّلون الاغتراب.

على الرغم من أهميته، قد يبدو المشهد “ترفاً” مفصولاً عن واقع البؤس السياسي والمالي، الذي يُهدِّد اللبنانيين بمصيرهم ويوميّاتهم. فَـ”كُرَة” الأزمة، التي تتدحرج بسرعة مخيفة، “تبلع” معها كلّ شيء، بما فيه الاستحقاقات الداهمة من انتخابات فرعية قفزت عنها السلطة بخفّة ولامبالاة، إلى الانتخابات البلدية، فالنيابية، فالرئاسية العام المقبل.

وهي “ثلاثيّة” من استحقاقات مُهدَّدة باحتمال التطيير دفعة واحدة تحت وطأة تخاذل سياسي مريع عن إيجاد حلّ لأزمة الحكومة وما يرتبط بها من معالجات فورية للأزمات المالية والنقدية والمصرفية والمعيشية والاجتماعية…

لكنّ الاستعداد للانتخابات النيابية العامّة قد بدأ، على ما يبدو. يقول وزير الداخلية محمد فهمي لـ”أساس”: “بغضّ النظر عن مسار الأزمة وتشعّباتها، نقوم بواجباتنا في الوزارة بالإعداد لوجستياً لهذا الاستحقاق. المشكلة القانونية الأساسية هي انتخاب ستة نواب يمثّلون الاغتراب. وسنرصد في هذا السياق نتائج اقتراح قانون مقدّم سابقاً إلى مجلس النواب لإلغاء المواد المتعلّقة بتخصيص مقاعد لغير المقيمين، وإلّا فلا بدّ من تعديل قانون الانتخاب الحالي”.

هي “ثلاثيّة” من استحقاقات مُهدَّدة باحتمال التطيير دفعة واحدة تحت وطأة تخاذل سياسي مريع عن إيجاد حلّ لأزمة الحكومة وما يرتبط بها من معالجات فورية للأزمات المالية والنقدية والمصرفية والمعيشية والاجتماعية

يُذكر أنّ النواب سامي الجميل ونديم الجميل وإلياس حنكش قد تقدّموا عام 2018 باقتراح قانون “بإلغاء تخصيص مقاعد للمغتربين، والتشديد على حقّ اللبنانيين المقيمين في الخارج في الاقتراع للمرشحين الـ 128 في الداخل، منعاً لعزلهم”.

أمّا في ما يتعلّق باحتمال حصول انتخابات نيابية مبكّرة، يؤكّد فهمي: “إنّنا نعمل بأقصى طاقاتنا، والانتخابات المبكّرة ممكنة إذا توافر القرار السياسي والاعتمادات اللازمة”، مشيراً إلى “قبول القوى الحزبية الأساسية بحصول انتخابات عامّة في موعدها، خصوصاً الرئيس نبيه بري. أما بالنسبة إلى توافر الاعتمادات فيجب أن يُسأل وزير المال عن ذلك”. 

في الواقع، المشهد سوريالي وعبثيّ إلى أبعد الحدود. فثلاثيّة الانتخابات البلدية – النيابية – الرئاسية، المفترض إتمامها في فترة زمنية متقاربة جدّاً، تضيفُ عنصرَ تأزيمٍ أكبر سيبلغ مداه الأقصى في حال وصلت جهود حلّ الأزمة الحكومية إلى الفشل التامّ، وتقدَّم نوّاب باستقالات جماعية تفرض حصول انتخابات نيابية مبكّرة.

يحدث كلّ ذلك فيما يشحذ “الناخبُ” المُفترضُ الدواءَ، إن وُجِد، من الصيدليّات ومنازل فاعلي الخير، ويقف في طوابير لا تنتهي أمام محطّات البنزين والأفران، وراتبه بات يساوي عبوّة حليب وبضعة أكياس حبوب ورز. وإن اضطرّ إلى دخول مستشفى لا يجد شركة تأمين أو صندوق ضمان أو وزارة صحة على السمع. ويعيش فيلم رعب اسمه “رفع الدعم”، ويتعايش مع عتمة كهربائية قاتلة، ولا يجد “سنداً” له، بحكم الأمر الواقع، سوى سوق سوداء “تشفط” ما تبقّى لديه من دولارات خبّأها لوقت الحاجة… والجوع قَرَع أبواب شريحة كبيرة من اللبنانيين، “قصاصها” الأصعب هو الاستماع إلى “أولياء أمرها” يحاضرون في “عفّة” الحصص الوزارية ومرجعية من يسمّي الوزراء.

المشهد سوريالي وعبثيّ إلى أبعد الحدود. فثلاثيّة الانتخابات البلدية – النيابية – الرئاسية، المفترض إتمامها في فترة زمنية متقاربة جدّاً، تضيفُ عنصرَ تأزيمٍ أكبر سيبلغ مداه الأقصى في حال وصلت جهود حلّ الأزمة الحكومية إلى الفشل التامّ

الصورة غامضة كلّيّاً، ولا تَسمح بتنبّؤ مصير هذه الاستحقاقات. وسواء كانت الانتخابات في أيّار المقبل مبكّرة أو عامّة، يُفترض تعديل قانون الانتخاب الحالي لأسباب موجبة تقنية تتعلّق، مثلاً، بحصّة نواب الاغتراب، والبطاقة الممغنطة، وأخرى سياسية مرتبطة بتفادي المساوئ التي أفرزها تطبيق القانون قبل أربع سنوات. وهنا يقف المعسكر المسيحي الرافض للتعديل بوجه المعسكر المُسلم الداعي إلى تعديلات أساسية فيه، خصوصاً لجهة الصوت التفضيلي، إضافة إلى تعيين هيئة الإشراف على الانتخابات. وكل هذه التعديلات تحتاج إلى حكومة أصيلة مصيرها لا يزال في عالم الغيب.

ويوضح فهمي: “أبدت وزارة الداخلية جهوزية تامّة، حتّى في موضوع الانتخابات الفرعية. وعدتُ وأرسلتُ كتاباً بهذا الخصوص إلى هيئة التشريع والاستشارات في نيسان الفائت، ولم يأتِ الجواب بعد. واليوم نستعدّ لاستحقاق أيّار، إن لجهة تحديد عدد أقلام الاقتراع، وصناديق الاقتراع، والعوازل، وتنقيح لوائح الشطب دورياً، وأعمال المكننة، والأختام…”، لافتاً إلى أنّ “مشكلة الحِبر، التي أثيرت سابقاً ربطاً بجائحة كورونا، سعينا إلى حلّها عبر التواصل مع شركة ألمانية عالمية متخصّصة من أجل شراء عبوّات حبر بأقلّ من كلفتها التي حُدّدت بـ 60 دولاراً، وسعتها ليتر واحد. وهنا تُعبَّأ عبوّات صغيرة للاستخدام الفردي، فنقلّل بذلك من الكلفة. وقد حصلنا على عيّنة من هذا الحِبر وأرسلناها إلى المختبر”.

إقرأ أيضاً: حكومة انتخابات نيابيّة مبكرة من غير المرشحين

وفي ظل ضغط دولي لإجراء الانتخابات في موعدها، وإن اقتضى الأمر قبل أوانها، تراجع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، بالتزامن مع إطلاق المبادرة الفرنسية قبل أقلّ من عام، عن مطلب الانتخابات المبكّرة، بعدما وجد ممانعة داخلية لها.

لكن اليوم، يقول مطّلعون، قد يقود مشهد الفوضى إلى هذا الخيار، بحكم الأمر الواقع، وإن اقتضى الأمر في ظلّ حكومة تصريف أعمال أو حكومة تكون مهمّتها حصراً الإشراف على الانتخابات. 

 

مواضيع ذات صلة

السّيناريو البديل عن الانتخاب: تطيير الجلسة تحضيراً لرئاسة ترامب!

في حين يترقّب الجميع جلسة التاسع من كانون الثاني، يحتلّ عنوانان أساسيّان المشهد السياسي: من هو الرئيس المقبل؟ وهل يحتاج موظّفو الفئة الأولى، كقائد الجيش…

1701 “بضاعة” منتهية الصّلاحيّة؟

لا شكّ أنّ ما يراه المسؤولون الإسرائيليون “فرصة لا تتكرّر إلّا كلّ مئة عام” في سوريا تتيح، بعد سقوط نظام بشار الأسد، اقتطاع منطقة من…

الثنائي وترشيح عون: سوياً ضده… أو معه

كعادته، وعلى طريقته، خلط وليد جنبلاط الأوراق عبر رمي قنبلة ترشيحه قائد الجيش العماد جوزف عون لرئاسة الجمهورية، ليحرّك مياه الرئاسة الراكدة. قبيل عودته إلى…

الليلة الأخيرة لـ”ديكتاتور الشّام”..

تحملُ ليلة هروب رئيس النّظام السّوريّ المخلوع بشّار حافظ الأسد قصصاً وروايات مُتعدّدة عن تفاصيل السّاعات الأخيرة لـ”ديكتاتور الشّام”، قبل أن يتركَ العاصمة السّوريّة دمشق…